للدروز قصة أخرى
الدروز إثنية عربية، تسكن بلاد الشام في مناطق معظمها جبلية. وتاريخياً عانى الدروز كما كل الطوائف من تنكيل وملاحقة وتهجير؛ لذلك كانت الجبال مناطق سكناهم لأنها تحقق بيئة آمنة ومستقرة.
وما يلفت النظر في صفات هذه الطائفة أنها لم تتحول إلى مجموعة تندب وتنكأ جراحها، بل أقرت ميثاقاً أخلاقياً فيما بين معتنقي المذهب وآخر، بينها وبين أبناء جلدتها من طوائف أخرى.
الدروز عاشوا انتصارات واستحقوا مكانتهم بمقدار ما كانت أزمانهم متحضرة، وعانوا حيث كانت أمتهم في حالة تراجع وانهزام.
وستجد العربي الدرزي في كل مكان يوجد فيه، يملك ذاكرة جمعية فيها الكثير من استذكار المواقف القومية والوطنية والكثير من نواميس الأخلاق والإنسانية.
ولهم فخر لا يضاهي بعروبتهم… وفي سورية للدروز قصة أخرى. بداياتها كانت مرهقة بشظف العيش والعزلة والاضطهاد، وبقيتها قصة بطولات وفروسية في مقارعة الدولة العثمانية ومن ثم الفرنسية.
والجدير بالذكر أن الدروز بِرِضاً ومنة قبلوا من سنة سورية تقليد قائدهم شرف قيادة الثورة السورية الكبرى.
وفي حالة تماهي وطني التقط الدروز اللحظة التاريخية …ليتحقق النصر والاستقلال لسورية المعاصرة من الاحتلال الفرنسي.
وأما بعد كان للدروز مكانتهم في موقعهم التاريخي والجغرافي… وفي حياتهم المعشرية والعملية.
وكان لهم قصة حفرت بدأب وصعوبة ومشقة في الذاكرة الكلية للشعب السوري.
قصة مكون من أمة لها تاريخ مركب وهوية معقدة وقصة أشعب عانى من حكومات مستبدة متوالية خربت ودمرت عامدة متعمدة ملامحه التاريخية وعمقه الوجداني، وأبقته أعزلَ في سجن كبير يتناول العلف الإيديولوجي، ويتدثر بسرديات النصر الوهمي.
ويسيقظ منهمكاً في عملية صناعة الاستمضاء، واستحضار مزاعم… وأكاذيب التحرير والمقاومة.
في حقبة الأسد الأب والابن تلقى الدروز ظلماً مزدوجاً؛ الأول حينما ادعت السلطة حمايته كأقلية، والأخرى عندما صدق الشائعة والكذبة المحبوكة …أطياف من السوريين.
وبدأ الدروز بستشعرون ذلك وأخذت سجالاتهم السرية تفسر وتفند كذبة البعث الذي روج للقائد الأبدي الحامي للأقليات.
وأدركوا … أن لا متسع من الوقت لتقافة معممة تشرح مناخ الكذبة الكبرى وأهدافها… وأن الفعل أصدق أنباء من كل الشروح…
وفعلوا ما استطاعوا في ظل قمع غير مسبوق، وقام الكثير منهم بمنع التحاق أبناءهم بالخدمة العسكرية.
لأن دم السوري على السوري حرام.
والدروز في جبلتهم النفسية والعقائدية قوم يبدؤون الحرب أبداً ولا يرومون السلطة.
وقرر النظام أن يبتكر قصص أمنية واستخباراتية؛ ليخبث الجبل، بدءاً من نسب حراكهم إلى قوى خارجية وليس انتهاء بقتل المجتمع وخلق عطالة مدمرة، من خلال نشر زراعة وتجارة وتوزيع المخدرات في البلاد.
ولما حلم الأسد حلم يقظة أنه انتصر، تغول وازداد فساداً وإفساداً وظلماً، وأخذ يجوع ويهجر وينهب الشعب ويبيع الوطن.
قرر الدروز أن يمسكوا خيط الثورة السورية من حيث انقطع، ووصلوا الحدث السوري العظيم، ونزلوا جميعاً الى الساحات وقالوا هنا سوريا من السويداء. رفضوا أن يكونو ا دروزاً بل سوريين، وطالبوا برحيل الطاغية، وأنشدوا هتافات القاشوش.
وبسورية الحرة المستقلة وبعقد اجتماعي وأخلاقي وقانوني.
والأسد لن يكون في أي خانة غير خانة قاتل شعبه، ويا حيف اللي بيقتل شعبو خاين.
وفي الساحة كانت النساء وكان العامل والطبيب وبائعة الجوارب والحقوقي والسياسي والبدوي والمسيحي.
وبالمجمل سورية من جديد تولد في السويداء.
ويقوم شيخ صلد كما بازلتها، وذو عطاء ككرمتها… ليمسك الخيط حاضناً إياه بكل معرفته ووعيه وأخلاقه وورعه، خيط الكرامة الذي غزلته الثورة السورية العظيمة… ويمضي مع الجموع مقرراً أن يكون في عين العاصفة وفي ذروة المجد وفي مساحة الحرية. وثراء الكرامة… ولقصة
الشيخ والشعب بقية ستتحدث بها الأيام بما كنا نعلم أو لا نعلم.