الرأي العام

نوافذ الإثنين | الانتصارات المهزومة

يكتبها: ميخاـئيل سعد
كنت أتمنى لو انتصرنا في معركة واحدة منذ بداية الوجود الصهيوني في فلسطين وحتى الآن. كنت أحلم، مع كل مواجهة مع العدو تصديق قادتنا، بأننا قد انتصرنا، ولكن الوقائع على الأرض كانت تكذّب أقوال الزعماء العرب كما يقول المثل الشعبي (المي تكذّب الغطاس). ففي كل المعارك التي خضناها انتصر فيها العدو علينا، ويبقى الانتصار الحقيقي الوحيد الذي حققه قادتنا هو انتصارهم على شعوبهم. وليست مجزرة ”البيجر“ إلا واحدة من الهزائم الكبرى التي ادعينا فيها الانتصار فبدلا من الإعلان عن موت ٥٠٠٠ لبناني، استطعنا تخفيض عدد الموتى إلى ألف فقط. قد يكون عدد القتلى أقل من العدد الذي ذكرته، ولكنني زدتُه كي يصبح صورة كاريكاتورية تعبر عن واقعنا المأساوي. تخيلوا معي لو أن هؤلاء الكوادر العسكرية الذين ماتوا أو أصبحوا معاقين بكبسة زرّ، كانوا أطباء ومهندسين وفنانين وعلماء وحقوقيين وفلاسفة وفلاحين في بلد صغير كلبنان، كيف سيكون لبنان، معهم ومع غيرهم من المواطنين، في ظل نظامي ديموقراطي يعبر عن رغبات الشعب وحاجاته الفعلية؟!

هذا لا يعني أنني ضد الدفاع عن الوطن، ولكن الوطن دون مواطنين أحرار يتحول إلى مزرعة يملكها شخص أو عائلة، والبشر الذين يعيشون فيها مجرد عبيد، وحملة السلاح عبارة عن حراس للمزرعة وحماة للمالك أو العائلة المالكة والتي قد تكون أحينا حزبا أو قبيلة أو طائفة، فيفقد الوطن معناه ويصبح خاليا من المواطنين الذين يهمهم الدفاع عنه.

الاستبداد ضد الانتصارات

كتب المفكر حازم صاغية، بعد مجزرة البيجر، سطرا ونصف السطر على صفحته الفايسبوكية يلخص وضع العالم العربي، كتب:

يبدو صعب واحد يحارب بتكنولوجيا صنّعها غيرو. لازم هوّي يصنّع بالأول وبعدين يحارب. حقيقة قاسية بس هاي للأسف حال الدني.

والمعني الذي فهمته من هذا الكلام ليس فقط واقع تخلفنا التكنولوجي، وإنما واقع تخلفنا في جميع المجالات، والسبب في ذلك هو الاستبداد السياسي السائد على الساحة العربية كلها، هذا الاستبداد الذي هو مانع لأي نوع من الانتصارات إلا الانتصار على ”رعاياه“. لأن مساوئ الاستبداد تؤثر سلبا على حياة الانسان، ومنها: انتهاك حقوقه الأساسية مثل حرية التعبير وحرية التجمع غير المحمية، مما يؤدي إلى قمع الآراء المخالفة. والتسلط والفساد بسبب سيطر النخبة الحاكمة على السلطة، مما يزيد من الفساد وسوء إدارة الموارد. وغياب الديمقراطيةمما يؤدي إلى حرمان الشعوب من حقها في المشاركة السياسية، وعدم تمثيل مصالحهم. يضاف إلى ما سبق القمع السياسي الذي يخلق مناخا من الخوف والترهيب. كما أن الاستبداد غالبا ما يؤدي إلى عدم الاستقرار الاقتصادي، حيث تُستغل لصالح القلة. هذا عداك عن التعليم المتدهور والإعلام المقيد، مما يعيق تطوير الوعي العام ويمنع الوصول إلى المعرفة الضرورية. وأخيرا تدمير المجتمع المدني بسبب قمع المنظمات غير الحكومية، واضعاف الروابط المجتمعية.

خلاصة الأمر، تؤثر هذه المساوئ بشكل عميق على حياة الأفراد والمجتمعات، مما يجعلها بيئة غير ملائمة للتنمية والازدهار. فكيف يمكن، بهذا الوضع، الانتصار على العدو؟

انتصار المخبرين

أحد الأيام عام 1985 كنت في سهرة مع عميد كلية الآداب في جامعة البعث في مدينة حمص، فسألني إذا كان بإمكاني تأمين 50 نسخة من كتاب تاريخ الأدب العربي للدكتور المصري شوقي ضيف، من أجل طلاب كليته (كنت وقتها صاحب مكتبة وناشرا).

قلت له: كم عدد دكاترة الأدب العربي في سورية، أليس بينهم من يستطيع تأليف كتاب عن تاريخ الأدب العربي، يكون مرجعا للطلاب، ويكون متوفرا في السوق السورية، بدل البحث عن كتاب شوقي ضيف كل عام، الموجود خارج القطر؟

قال العميد: في سورية 600 دكتور أدب عربي. هذا جوابي عن القسم الأول من سؤالك. أما لماذا لا يوجد مَن يكتب منهم عن تاريخ الأدب العربي، فالجواب هو أن الجميع مشغولون في الدفاع عن أنفسهم سواء بكتابة التقارير للمخابرات عن ما يجري في الوسط الجامعي، أو بكتابة التقارير للمخابرات يدافعون فيها عن أنفسهم. لذلك ليس عند الدكتور الوقت لتأليف الكتب، إنه عصر المخبرين.

في هذا المناخ الاستبدادي، في سورية وغيرها من البلاد العربية، ستكون كل الانتصارات التي يعلن عنها قادتنا هزائم، ووقودها ”المواطن المسكين“.

مونتريال في ٢٣/٩/٢٠٢٤

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى