من هو فهد الشاعر الذي رفع المحتجون صوره في مظاهرات السويداء؟
قام المحتجون المطالبون بإسقاط نظام الأسد في محافظة السويداء برقع صورة للواء فهد الشاعر، ابن المحافظة، إلى جانب صور العديد من الرموز الوطنية السورية، يتقدمها صورة سلطان باشا الأطرش، وبعض الرموز اللبنانية العروبية من أبناء طاثفة الموحدين الدروز، كالزعيم الراحل كمال جنبلاط، التي تتجه أصابع الاتهام لنظام حافظ الأسد باغتياله في آذار من عام 1977 لمعارضته الوجود السوري في لبنان.
وقد تساءل كثير من أبناء الأجيال الجديدة عن سر رفع المحتجين لصورة اللواء فهد الشاعر، وعن الدور الوطني الذي لعبه، في ظل التعتيم الذي تعرض له التاريخ السوري حتى خلال حكم البعث، أي في الفترة الممتدة بين انقلاب عام 1963 وانقلاب حافظ الأسد عام 1970، وهي الفترة التي نشط فيها اللواء الشاعر، ووصل إلى رتبة نائب رئيس الأركان.
(العربي القديم) تقديم تعريفا شاملا بمسيرة اللواء فهد الشاعر وما تعرض له على يد الطغمة العلوية الحاكمة، سواء في زمن صلاح جديد، أو خلال حكم حافظ الأسد
الضابط الوطني سجينا!
في كانونَ الأول/ ديسمبر من عام 1966 وكان صلاح جديد وحافظ الأسد، قد نفذا أكبرَ عمليةِ اعتقالاتٍ وطردٍ وتسريحٍ من الجيش بحقِ الضباطِ الدروز، إبانَ ما قيل إنها محاولةٌ انقلابية قام بها الرائد الدرزي سليم حاطوم في الثامن من أيلول/ سبتمبر من العامِ نفسِه، أرسلَ الزعيمُ الوطني سلطان باشا الأطرش رسالةً إلى القيادةِ القطرية التي يقودُها جديد، جاء فيها: “أولادُنا في السجون مُضربون، نُحملكم مسؤوليةَ النتائج، لقد اعتادَ الجبلُ ومايزال أنْ يقومَ بالثوراتِ لطردِ الخائنِ والمستعمر، ولكنَ شهامتَه تأبى عليه أن يثورَ ضد أخيه، ويَغدرَ ببني قومِه”
كان من بين المعتقلين، اللواء فهد الشاعر أحدُ أبرزِ ضباطِ الجيشِ السوري المشهودِ لهم بالوطنية والكفاءة، وقد تواردتِ الأنباءُ عن قيامِ مخابرات صلاح جديد وحافظ الأسد بإخضاعِه للتعذيبِ الشديد، والإهانة المتعمدة ودفعِ مرؤوسيهِ الصغار لامتطاءِ ظهرِه والسيرِ به بين زنازينِ سجنِ المزة العسكري.
ويذكر الوزير منصور الأطرش الذي كان سجيناً حينَها، في كتابهِ (الجيلُ المُدَان) عن فهد الشاعر ما يلي: “بعد أنْ أغلقَ الرئيس عبد الناصر مضائقَ تيران وطالبَ بسحبِ قواتِ الأمم المتحدة من سيناء، أيقنا أنَ الحربَ واقعةٌ لا محالة، وأن الوضعَ يتطلب من جميعِ الوطنيينَ أن يكونوا على استعدادٍ للمعركة. فعمَّ الرأيُ وأجمعَ الرفاقُ على ضرورةِ توجيهِ رسالةٍ إلى القيادة القطرية والمسؤولينَ في الدولة ندعوهم فيها إلى تشكيلِ جبهةٍ وطنية لمواجهةِ خطرِ الصهيونية، كما طالبنا أنْ يُطلقَ سَراحُ كلِ العسكريينَ الموجودينَ في السجن بسببٍ سياسي، وعلى الأخص كبارَ الضباط أمثال فهد الشاعر. إلا أنَ القيادةَ أغفلت طلبنَا، وعلمنا فيما بعد أن اللواء فهد الشاعر كان قد طَلب أنْ يذهبَ إلى الجبهة جندياً مقاتلاً ليقومَ بواجبِه القومي، إلا أنَ القيادةَ سَخِرت من طلبِه وأجابته أنه عندما لا يبقى في الجبهةِ جنديٌ واحد واقفٌ على قدميه، عندها ستفكر القيادةُ فيما إذا كان فهد الشاعر يصلح لهذه المهمة”
نشأته ودراسته العسكرية
وُلد فهد الشاعر في قرية بوسان في ريفِ السويداء الشرقي عامَ 1927، استشهد والده إثر غارة فرنسية على قرية بوسان، فتربى في كنَفِ جدِّه نصر الشاعر، الذي كان مجاهدا وشيخ دين. بعد حصوله على الثانوية، التحق بالجيشِ السوري عامَ 1947 وتخرجَ من الكلية الحربية بحمص، ثم اتبع دورةَ أركان حرب في الاتحاد السوفيتي في خمسينياتِ القرنِ العشرين وحصلَ على وسامٍ من أكاديميةِ التدريب العسكري الروسية حيث كانَ ترتيبه الأول.
بعد انقلابِ البعث في الثامن من آذار عامَ 1963 كان فهد الشاعر كعضو في مجلسِ قيادةِ الثورة، ضمنَ الفريق العسكري الذي رافقَ الرئيس لؤي الأتاسي إلى القاهرة، في مباحثاتِ إعادةِ الوحدة مع جمال عبد الناصر، وقد عُرف بمواقفِه الأخلاقية الرفيعة، فعندما سعى الضباطُ العلويونَ لإقصاءِ اللواء زياد الحريري قائدِ انقلابِ البعث بعد أنْ أوصلَهم إلى السلطة، صوّتَ فهد الشاعر مع صلاح الدين البيطار ضد نفيِه إلى باريس واعتَبرَ ذلكَ لا أخلاقياً.
قتاله في العراق
في الخامسِ والعشرين من أيلول/ سبتمبر عامَ 1963 قاد فهد الشاعر ما سُمي بـ “لواءِ اليرموك” الذي أرسله النظامُ البعثي في سورية إلى شمالِ العراق، بناءً على طلبِ الرئيس العراقي عبد السلام عارف، للتصدي لحركةِ مصطفى مُلا البارازني الكردية المطالِبة بالانفصال في شمال العراق، وقامت قواتُه بتمشيطِ عشراتِ القرى التي يُسيطر عليها المتمردونَ الأكراد، وصولاً إلى السيطرة على قضاء دهوك.. الأمرُ الذي دفع الرئيس عبد السلام عارف إلى تكريمِه، كما منحه الرئيس أمين الحافظ لدى عودتِه وِشاحَ أمية، ورُفِّع إلى رتبةِ لواء حتى أصبحَ نائبَ رئيسِ الأركان في الجيشِ السوري. وفي عام 1965 كُلفَ بقيادةِ الجبهة السورية/ الإسرائيلية، ووضعَ خُطةً متوقعة لصدِ هجومٍ إسرائيلي على جبهة الجولان، وبعد تعيينِ صلاح جديد لابن طائفته حافظ الأسد وزيراً للدفاع إثرَ انقلابِ الثالث والعشرينَ من شباط عامَ 1966، رمى الأسد بالخُطة، ولفَّقَ له ولعددٍ من الضباطِ الدروز تهمةَ تدبيرِ انقلابٍ عسكري، فسُجن لمدةِ عامين حيث تجرعَ أقسى أنواعِ التعذيب، ثم حَكمت عليه محكمةٌ عسكريةٌ برئاسةِ المقدم مصطفى طلاس بالإعدام، الأمرُ الذي دفعَ الرئيس جمال عبد الناصر للتوسطِ له، وبعد الإفراجِ عنه تم تسريحُه تعسفيا من الجيش.
نهاية مؤلمة
تُوفي اللواء فهد الشاعر في قرية بوسان في السابعَ عشرَ من نيسان/ إبريل عامَ 1994 عن (67) عاماً، وقد ظل حتى آخرِ أيامِه يُعاني من مرضِ السَلس البولي نتيجةَ مضاعفاتِ التعذيب الشديد الذي تعرضَ له في سجونِ صلاح جديد وحافظ الأسد اللذينِ استغلا الجيشَ للتدخلِ في السياسة والاستيلاءِ الطائفي على الدولة، وهو النهجُ الذي كان ينتقده اللواء فهد الشاعر الذي وَصفَ الجيشَ السوري في عهدِهما بالقول:
“إن جيشَنا يشتغلُ في السياسة ثماني عشرة، وينام خمسَ ساعات، ويتدرب ساعةً واحدة في اليوم… إن هذا الجيشَ لا يُرتَجى منه نفعٌ ساعةَ المِحنة”.
إن التعريف بسيرة اللواء فهد الشاعر، يبدو لوحده كافياً للإجابة على سبب رفع صوره في مظاهرات السويداء، فهو يمثل نموذجا للظلم والاضطهاد الذي تعرضت له شخصية وطنية بارزة، بدوافع وأحقاد سلطوية وطائفية معا، فرغم أن حافظ الأسد قام بانقلابه الذي سماه (الحركة التصحيحية) على اللواء صلاح جديد، إلا أن وضع اللواء فهد الشاعر لم يتغير طيلة سنوات حكمه، فلم يعد له الاعتبار، ولم تتم إعادته إلى الجيش.. ومات قهرا وكمدا في قريته دون أن يلقى أي تكريم، سوى تكريم الناس الشرفاء الذي أعادوا اليوم التذكير بسيرته ورفع صورته.
كان واضح أن الحكم في سوريا سيتجه إلى حكم طائفي بعد تصدر المشهد من قبل أسد وجديد بدعم غربي . والتفاف أسد على جديد بتوافق غربي هو ماوعد أسد بتقديمه من تنازلات للإستيلاء على السلطة في سوريا . وهو ما أثبته الواقع .
لقد كان حاكمآ خائنآ لشعبه أمام جبنه ولله أمام داعميه من زعماء الدول الغربية وإسرائيل التي كانت المخطط والاستفيد الأول من حكم أسد منذ حكم الأب مرورآ بحكم الوريث القاصر و حتى يومنا هذا .