فنون وآداب

اللغة الصينية في اليوم العالمي للغة العربية: مقارنة للصور والمعاني

رأيتَ حُلى البَيان منوَّراتٍ... تضاحكُ بينها صُورَ المعاني

د. حسام عتال – العربي القديم

بدلاً عن تعداد مناقب العربية وميزاتها، ومن ثم بسرعة تقريع القراء بسبب جهلهم بقواعد لغتهم وأصولها وبلاغتها. أو، بالمقابل، التثليب على اللغة العربية وتعداد عيوبها ونواقصها. بدلاً عن الجنوح لأقصى هذين الحدّين، ظننت أنه ربما من المفيد مقارنة العربية بلغة أخرى كطريقة في تقييمها.

المقارنات مع اللغات اللاتينية والرومانسية كثيرة، فرأيت أن أقارنها بلغة أخرى، فنظرت للروسية (خصوصاً بسبب تأثيرها الأخير في الثقافة السورية حيث اجد كثيراً من السوريين قد كتبوا أسماءهم بالروسية للتعريف عن انفسهم في وسائل التواصل الاجتماعي). لكني وجدت صعوبة في المقارنة لأن الروسية لم تكتب بشكل بدائي فج حتى منتصف القرن العاشر، ولم تكتب بشكل واضح جيداً حتى منتصف القرن الخامس عشر. وهي في الواقع لم تكتمل كلغة حتى جاء پوشكين (الكاتب الذي جعلني أندم أني لا استطيع قراءته بلغته الاصلية، فقنعت بالترجمات) وهو الذي جعلها اللغة الروسية التي نعرفها اليوم. لذلك لجأت للغة أعرق وأسبق كتابة (أي أقرب زمنياً العربية)، وهي الصينية. 

ولهذا الغرض اخترت أن أعرض لكم قصيدة شعرية باللغة الصينية في محاولة للمقارنة بالعربية. 

هذه القصيدة “منظر ربيع” كتبها الشاعر ‘دو فو’ في القرن الثامن ميلادي (عام ٧٥٧ تحديداً) حين كانت الصين في عهد إمبراطورية تانغ. وهي تعد من أرقى وأجمل الشعر الصيني حتى أن الأطفال في الصين يحفظونها بصماً ويرددونها تكراراً.

إليكم القصيدة مع ترجمة عربية وإنكليزية حرفية لها، ثم بتصرف (خاص مني) ويتلوها شرح بسيط.

ترجمة حرفية

SPRING VIEW (春望)

منظر ربيع

作者:杜甫    (Author:  Du Fu, 8th Century) للشاعر فو  دو 

国破山河在   nation ruined mountain river exist

أمة خربة جبل نهر يوجد

城春草木深   city springtime grass tree deep

مدينة وقت ربيعي عشب شجر عميق

感时花溅泪   feel time flower splash tear

شعور وقت زهرة طفح دمع

恨别鸟惊心   hate goodbye bird startle heart

كره وداع طير فزع قلب

烽火连三月   beacon fire last three months

منارة نار آخر ثلاث شهور

家书抵万金  home letter worth 1000 gold

منزل رسالة تستحق ١٠٠٠ ذهب

白头搔更短  white hair scratch more short

أبيض شعر حك أكثر قليل

浑欲不胜簪   hardly can hold hairpin

صعوبة يقدر يحمل دبوس شعر

ترجمة بتصرف

Spring View

منظر ربيعي

Our nation is defeated; the mountains and rivers remain

أمتنا مهزومة، تبقى الجبال والأنهر

In spring, the city lies deep in grass and trees.

في الربيع، تستلقي المدينة عميقاً في العشب والشجر

Feeling the times, I cry at the sight of flowers.

حادساً الوقت، أبكي على منظر الزهور

Grieving over separation, my heart is startled by birds.

حزيناً على الفراق، قلبي يجفل من العصافير

The signal fires have burned for three months now,

إشارة النار قد اشتعلت لثلاثة أشهر الآن

And a letter from home is worth a thousand pieces of gold.

والرسالة من المنزل تثمّن بألف قطعة ذهب

I scratch my thinning white hair.

It can barely hold a hairpin anymore.

أحك شعري الابيض الخفيف

لا استطيع أن أضع فيه دبوس شعر الآن 

شرح وتحليل:

هذه أكثر قصائد الصين شهرة، قد ترجمت كثيراً للغات كثيرة ولكننا لن نجد لها ترجمة تشابه الاخرى للاسباب التالية:

١- ليس هناك من رابط بين الفعل والفاعل في اللغة الصينية لذلك، مثلا، يختلف المحللون من هو الفاعل، فهل كانت الوردة هي التي تبكي أو العصفور أم الشخص الناظر إليهما. نفس الشيء ينطبق على كره الوداع، يختلف النقاد على من هو الكاره في السياق .

٢- وكذلك الأفعال ليس لها تصريف زمني فهي قد تكون قد حصلت في الماضي، تحصل الآن في المضارع، أو مستقبلاً. فالتفسير يأتي من سياق الكلام وليس من قواعد الكلام.

٣- وليس هناك ضمائر في اللغة الصينية فيصعب معرفة الدلالات الغائبة في النص. فالقارئ بهذا الحال يمكنه أن يختار الدلالة التي يراها مناسبة لفهمه لغرض الكاتب وينتهي إلى معنى يختلف عما وصل إليه سواه. مثلاً، في هذه القصيدة، غير واضح هل قصد الشاعر أنه حك شعره الخفيف أو حك بشكل خفيف شعره.

٤- ولانجد صيغة للجمع في الصينية، فغير واضح للمفسرين لهذه القصيدة هل يتكلم الشاعر عن رجل أو رجال، زهرة أو زهرات، طير أو طيور، جبل أو جبال، نهر أو أنهار.

لهذه الأسباب اختلف علماء اللغة وأدباؤها في الصين بشكل  شديد في معناها فيما بينهم، فالأمر لايتعلق هنا بالترجمة (أي نتيجة اختلاف استعمال وتكوين وثقافة اللغات، وهي عوامل هامة لاشك)، ولكنها مشكلة داخلية في اللغة الصينية، فكما ذكرت فإن قّراء القصيدة يختلفون في معناها فيما بينهم (في الصين)، ولاعلاقة لذلك بكون القصيدة قديمة الكتابة.

ومن الطريف أن هذا الاختلاف انعكس في جدل حاد في اواسط التعليم الصينية المختلفة، فهناك من يدعو إلى تقديم شرح واضح لمعنى القصيدة للطلاب الدارسين وللقراء الآخرين، بينما يرى آخرون أن تقديم الشرح والتفسير يضعف من جمال القصيدة ، الجمال الذي يكتمل فقط عندما يفسرها كل شخص كما يرى فيها ويفهم منها مايفهم.

ولا يستغرب هنا أن سلطات الحزب الشيوعي الحاكم هي التي تدعو (بطريقتها اللطيفة الخاصة) أن تُقَدّم القصيدة للطلاب والقراء مع تفسير وتبيان وتنويه وتوجيه؛ بينما يتبنى الليبراليون (المعارضون للحكم الشيوعي) فكرة التفسير الشخصي.

الآن وهنا، لا أجد أني مضطر لتلخيص الفروق بين الصينية والعربية، فأكتفي بما قاله إبراهيم بن العبَّاس الصولي:

إِذا ما الفكرُ أضمرَ حُسنَ لفظٍ * وأدَّاهُ الضميرُ إِلى العيانِ

ووشَّاهُ ونمنمَهُ مُسَدٍّ * فَصِيحٌ بالمقالِ وباللِّسانِ

رأيتَ حُلى البَيان منوَّراتٍ * تضاحكُ بينها صُورَ المعاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى