رحيل فرحان بلبل: عاشق المسرح السوري ومعلم أجيال من المسرحيين
رحل فرحان بلبل الذي عاش طويلا في زمن الاستبداد في زمن النصر والحرية
محمد منصور- العربي القديم
نعى الممثل نوار بلبل والده الرائد المسرحي المؤسس فرحان بلبل الذي رحل اليوم الجمعة في مسقط رأسه بمدينة حمص السورية، عن عمر ناهز الثامنة والثمانين عاماً. قضى أكثر من ستة عقود منها في العمل المسرحي.
وكتب نوار بلبل على صفحته على فيسبوك:
في ذمة الله وداعاً والدي وصديقي فرحان بلبل
أما المسرحي القديم أكرم خزام الذي درس المسرح قبل أن يشتهر في مجال العمل الإعلامي، فقد كتب ينعاه بالقول:
“ببالغ الاسى انعي أستاذي و معلمي الكاتب و المخرج المسرحي فرحان بلبل. كتب وسيكتب عنه الكثير لما قدمه للمسرح على صعيد مدينتنا حمص و لبلدنا سورية. الرحمة له و العزاء لعائلته فردا فردا و لأعضاء فرقة المسرح العمالي بحمص”
صورة نشرها أكرم خزام على صفحته للأستاذ فرحان بلبل وفرقة المسرح العمالي بحمص، وهو ينعى “أستاذه ومعلمه”
وكتب المسرحي عبد الكريم عمرين الذي ألف كتابا عن تجربة فرحان بلبل المسرحية:
“رحل المعلم صديق العمر فرحان بلبل… رحل رجل المسرح العربي.. ستفتقدك سورية وحمص وخشبات المسارح. وداعاً.. أبا عمار”
ولد محمد فرحان بن عبد الرحمن بلبل في حمص سورية عام 1937، درس اللغة العربية وآدابها في جامعة دمشق وتخرج عام 1960 بدأ العمل في المسرح منذ عام 1968 في الأندية الفنية في مدينة حمص، وقدم أولى عروضه المسرحية كاتباً ومخرجاً عام 1969 وكان يدور حول القضية الفلسطينية في عز صعود العمل الفدائي.
وقد تحدث فرحان بلبل عن هذا العرض وأصدائه في حوار صحفي لجريدة (الخليج) قبل 14 عاماً، قائلاً:
“أول عرض مسرحي قدمته، كان مسرحية (الجدران القرمزية) التي عرضت في عام 1969 في سينما الزهراء في حمص على مدى يومين، وحضرها تقريباً ثلاثة آلاف متفرج، وأقيمت حولها خمس ندوات فكرية ونقدية، في بعض المؤسسات الثقافية، وظل أهل حمص يتحدثون عنها إلى وقت طويل، لأنها تتناول القضية الفلسطينية، وقد اختلف سكان مخيم اللاجئين في حمص في شأنها، وتضاربوا بالأيدي لشدة اختلافهم، بل إن بعضهم رفع السلاح في وجه بعضهم الآخر، وكادوا يطلقون النار لولا تدخل العقلاء، وهذا الذي جرى لهذه المسرحية هو الذي وجهني في العمل المسرحي طوال الأعوام الأربعين التالية، وهو إن أقدم ما يهم الناس، على أن يكون ذلك في شكل فني قريب منهم، وقادر على أن يحرك مشاعرهم وقلوبهم، وعقولهم، وأنا مازلت أسير على هذا المنوال، ولأن الذوق الجمالي يتغير، فقد كنت باستمرار أغير من أدواتي الفنية، حتى ألاحق تغيرات الذوق الجمالي، وبعد أربعين عاماً، أستطيع أن أقول بفرح: لقد حققت نجاحاً كبيراً، في هذا المجال، رغم أنني أخفقت في بعض الأحيان”.
سارت تجربة فرحان بلبل في الإخراج المسرحي جنبا إلى جنب مع تجربته في الكتابة، ومما لاشك فيه أن هذا جعل نصوصه أكثر حيوية وقدرة على مراعاة متطلبات الخشبة المسرحية ومزاج الجمهور خلال نصف قرن من العمل المسرحي المتواصل.
موهبة فرحان بلبل ككاتب مسرحي أهلته لأن يكون عضواً في اتحاد الكتاب العرب منذ عام 1971. في عام 1973 أسسس (فرقة المسرح العمالي) بحمص التي كانت فرقة رائدة في ميدان المسرح العمالي في سورية وفي الوطن العربي. حيث تميزت هذه الفرقة بتقديم عروضها المسرحية في عدد من المدن السورية وفي مناطق الريف والتجمعات العمالية. ناهيك عن مشاركتها في مهرجان دمشق للفنون المسرحية عدة مرات، وفي العديد من المهرجانات السورية. أبرزها مهرجان المسرح العمالي.
كتب فرحان بلبل أكثر من 30 نصاً مسرحياً… وإذا كان نصه الأول (الجدران القرمزية) قد لفت الأنظار لموهبته بقوة، فإن شهرته الأساسية ككاتب على المستوى السوري والعربي جاءت مع نصه المسرحي الشهير (الممثلون يتراشقون الحجارة) الذي كتبه في مطلع سبعينيات القرن العشرين، بعد: (البيت والوهم، العيون ذات الاتساع الضيق، الطائر يسجن في الغرفة، الحفلة دارت في الحارة) فكان سادس نصوصه المسرحية، وقد قدم لأول مرة على المسرح بإخراجه في فرقة المسرح العمالي بحمص عام 1974م. ومن بطولة: أحمد منصور وربيع الأخرس وفاطمة ضميراوي. أما عربياً فقد قدم نص (الممثلون يتراشقون بالحجارة) لأول مرة في البحرين عام 1978 بإخراج الفنان البحريني عبدالله يوسف ثم في العراق بإخراج الأستاذ عز الدين ذنون سنة 1979
أما نصوصه المسرحية الكاملة، وبينها ستة نصوص مسرحية للأطفال، فقد صدرت في ثلاثة مجلدات عن دار حوران بدمشق عام 2003، ناهيك عن مجلد رابع ضم النصوص المسرحية التي قام بإعدادها عن نصوص عالمية ك (جوهر القضية) التي أعدها عن مسرحية الكاتب التركي ناظم حكمت (هل كان إيقان موجوداً) و(تأخرت يا صديقي) عن مسرحية (إنسوا هيروسترات) لغريغوري غورين، و(التاجر يعود) عن رائعة شكسبير (تاجر البندقية) وغيرها…
كتب فرحان بلبل في النقد والتأريخ المسرحي في سورية، وأصدر عددا كبيرا من الكتب التي لامست قضايا المسرح السوري بالعمق من فنان وهب حياته للمسرح، ليس ككاتب فقط ومخرج فقط، بل كمؤسس ومدير فرقة، وكأستاذ في المعهد العالي للفنون المسرحية، درّس منذ عام 1986 مادة الإلقاء المسرحي… ومن أشهر كتبه في مجال النقد المسرحي: (المسرح العربي المعاصر في مواجهة الحياة) و(مراجعات في المسرح العربي منذ النشأة حتى اليوم) و(المسرح السوري في مائة عام 1847 1946) و (المسرح التجريبي الحديث عالمياً وعربياً) و (النص المسرحي: الكلمة والفعل) و(من التقليد إلى التجديد في الأدب المسرحي السوري) و(مسرحنا العربي واقعُه وآفاقه). وآخر كتاب في النقد المسرحي صدر ضمن إصدارات مجلة (دبي الثقافية) المحتجبة وحمل عنوان (قضايا وشؤون مسرحية) عام 2012 إلى جانب كتاب في النقد الأدبي: (أحزان الشعر العربي الحديث بين حزيران 1967 وتشرين 1973) الصادر عن دار حوران 2003
ولا يمكن إغفال دور فرحان بلبل في مسرح الطفل وهو الذي اتجه منذ عام 1979 إلى تقديم (مسرح الأطفال) فكانت تجاربه رائدة في هذا المجال… وقدم فيها نصوصه (البئر المهجورة الصندوق الأخضر الجزيرة الخضراء). كما أخرج نصوصاً من تأليف غيره في عروض مسرحية لقيت صدى وحضورا جماهيرياً، وخصوصا بالنسبة لأطفال حمص الذي نشؤوا على مسرحيات فرحان بلبل في ثمانينات وتسعينيات القرن العشرين… وقد ظل الحنين لمسرح الطفل يراود فرحان بلبل فعاد في عام 2010 ليصدر عير وزارة الثقافة السورية (مسرحيتان للأطفال: حكاية الملك يونان والسرير السحري).
شارك عضواً في عدد كبير من لجان التحكيم في المهرجانات العربية والسورية. وقد كرَّمه مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي عام 1995ضمن عشرة من أهم المسرحيين في العالم. كما كرمه اتحاد الكتاب العرب في سورية عام 2001. ونقابة الفنانين السورية ضمن مهرجان حمص المسرحي السادس عشر عام 2003 ووزارة الثقافة في سورية عام 2004 ضمن مهرجان دمشق للفنون المسرحية الثاني عشر عام 2004 وجامعة حلب في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2010 ضمن فعاليات الندوة الدولية للنقد التطبيقي. إلى جانب تكريمات محلية أخرى. وصدرت عن أعماله المسرحية العديد من الدراسات النقدية، كان آخرها (إضاءات على مسرح فرحان بلبل وفرقة المسرح العمالي بحمص: 1973- 2011) الصادر عن دار كنعان بدمشق للمسرحي عبد الكريم عمرين.
رحل فرحان بلبل الذي عاش طويلا في زمن الاستبداد في زمن النصر والحرية. مات بعد أن شهد ولادة سوريا الجديدة الخالية من سفه وابتذال البعث ومن وحشية وإجرام الأسد. رحل فرحان بلبل وقد عانق ابنه الممثل والمخرج المسرحي نوار على ثرى حمص التي عاد إليها بعد غربة 13 عاماً بعد أن تحقق حلمه بسقوط نظام الأسد… ليودع أباه وصديقه وزمنا من الثقافة والإبداع المسرحي الحي الذي كان فرحان بلبل علما من أعلامه ومنارة من منارته السورية البارزة دون شك