الرأي العام

تفاصيل سورية |  كسوريين يجب أن نتصارح ونصارح العلويين أولاً

في كل مدينة وقرية في سورية. أفرع أمن ضباطها من الطائفة العلوية، ويتعاملون مع تلك المناطق بوصفهم مندوبين ساميين لسلطة احتلال

يكتبها: غسان المفلح

 نظام العصابة الأسدية على مدار خمسة عقود ونصف استباح سورية بطريقة لم تعرفها الدول المعاصرة. مزق نسيجها الاجتماعي شر تمزيق. لم يكن هذا النسيج قبل الأسدية وقبل حزب بعثها على ما يرام، لكنه كان يتطور ويسير نحو مزيدا من التماسك. حاله كحال أي مجتمع ضمته دولة حديثة العهد. لكنه حفر فيه عميقا من تطييف وتمييز على كافة المستويات. استطاع أن يحول طائفة كاملة الى عسكر يخصّونه وحده، ولا يخصون دولة أو وطنا أو مجتمعاً سورياً.


الديكتاتور يهرب.. الجيش يهرب معه لماذا؟

 الجيش الذي يبلغ تعداد محترفيه أكثر من 250 ألف متطوع أغلبهم إن لم نقل 80% منهم من الطائفة العلوية. هل هذا الجيش هرب لأنه خائف من الجولاني كما يشاع؟ ام لأنه خائف من انتقام الشعب السوري؟ أم لأنه بالمحصلة الجمعية يعرف ماذا ارتكب بحق الشعب السوري من جرائم؟

 هذه أسئلة تحتاج لأجوبة. سنسأل كثيرا إنها ستة عقود من حكم البعث والأسد، لا تزال ملفا سريا في الواقع. ملف أسود يحتاج لتبييض بأن يتم الكشف عن كل تفاصيله للشعب السوري، كي ندخل صفحة جديدة على بياض كما يقال. من المهم أن نعرف كي لا تتكرر الكارثة، كي لا يتكرر هذا الهولوكوست الأسدي.
-عشرات المقابر الجماعية ومئات الاف الجثث، سجون لا تعد ولا تحصى. قتل بجيشه شباب سورية بطريقة انتقامية تعبر عن حقد شخصي وطائفي إجرامي. كانت سورية تحت الأرض جثثا ومقابر وفوق الأرض سجونا منتشرة في كل بقاعها. كان لديه أفرع مخابرات ومفارز في كل مدينة وقرية في سورية. أفرع ضباطها من الطائفة العلوية، ويتعاملون مع تلك المناطق بوصفهم مندوبين ساميين لسلطة احتلال. يحكمون السوريين بالحديد والنار وينهبونهم بشكل واضح وفاضح. البحث بثروة كل ضابط أمن في تاريخ الأسدية، نستطيع أن نعرف حجم هذه السرقة الكبرى لهذا البلد.

كتلة صلدة طائفية

كل هذا لا ينفي أن هنالك من شاركهم من المكونات الأخرى. لكننا نتحدث عن كتلة صلدة طائفية على كل الصعد. يتفننون في قتل السوري، يقتلونه ليس بدم بارد فقط، بل أيضا وهم يطلقون النكات. هذا ملف اسود يحتاج لفتحه من اجل عدالة انتقالية، كي تعبر سورية هذا النفق.
– الفساد الذي بدأ برأس الاسدية حافظ الأسد، عندما استولى على ميزانية النفط بشكل كامل يتصرف بها كما يشاء دون ان تدخل في ميزانية الدولة. منذ عام 1970 وحتى عام 1998. من يشاهد فيديو منزل ماهر الأسد شقيق بشار وكم صرف فيه، يعرف حجم الأموال التي نهبتها هذه العائلة وضباطها وبعض عسكرها من هذا البلد. هنا لابد من التنويه إلى أصوات الناشطين المنحدرين من أصول علوية في العمل من اجل السلم الاهلي المستدام، وهم كثر وبدأوا فعلا، مهمتهم العسيرة.
هذه المسائل وغيرها يمكن الآن اعتبارها تركة سوداء وسيتحملها الشعب السوري برمته. كيف الخروج منها وتنظيف نتائجها؟


معضلة قسد والعمال الكردستاني

 الفصائل التي وجدت نفسها تحت الوصاية التركية وبات جل همها محاربة قسد. بناء على أهداف تركية. هذه يجب أن تسلم أسلحتها لسلطة مركزية. لم يعد لسلاحها ضرورة وعناصرها يمكن لهم الالتحاق بوزارة الدفاع أو الداخلية كشرطة. الخوف هنا هو خلاف مع السلطة الجديدة، يمكن أن يثير إشكالات. تماما كفصيل أحمد العودة في حوران وبعض فصائل تركيا. فصيل احمد العودة يتلقى الدعم والغطاء من قبل روسيا والإمارات حتى اللحظة.
– قسد لم تستطع مأسسة وجودها في شرق الجزيرة، ولا حتى في المناطق الكردية. بل بقيت جهاز عسكري يفرض سلطته بقوة السلاح. الآن قسد محكومة بالموقف الأمريكي. من الواضح ان الامريكان يريدون حلا وتسوية بين قسد والسلطة الجديدة. لسحب البساط من تحت الطرف التركي. ثمة مطلوب من قسد قطع علاقتها بحزب العمال الكردستاني في تركيا. لتصير فقط وفقط جزء من اللوحة السورية. هل تمتلك قسد هذه القدرة؟ اعتقد بمساعدة أمريكية وتنسيق مع السلطة الجديدة يمكنها ذلك. هذا من شأنه أيضا سحب ذريعة تركية أخرى.

خطأ فادح يرتكبه الصوت الديمقراطي

 الصوت الديمقراطي صوت مشتت وغائب، وحتى اللحظة غير مصدق أن أمريكا نفسها تقود المرحلة في سورية. أمريكا تقود هذا التحولات من الخلف سواء على المستوى الداخلي او الخارجي. الصوت الديمقراطي الآن يريد تدخلا دوليا وأمريكيا لفرضه كقوة على الساحة. هذا خطأ فادح يرتكبه هذا الصوت. غير مصدق أن أمريكا تميل بشكل شبه مؤكد إلى تمثيل الأقليات تمثيلا أقرب لما حدث في العراق أو في لبنان. إسرائيل ليست بعيدة عن هذا الخيار مطلقا. إسرائيل غيرت موقفها جذريا من نظام الأسد وهذا أحد أسباب سقوطه، شعرت أنه لم يعد مهما لها، وتغييره أفضل لها. لأنه بات جثة هامدة لا تملك قرار سورية أمام إيران وروسيا. كذلك الحال بالنسبة للروس، لكن حتى اللحظة لا نعرف تفاصيل الصفقة ولماذا الروس رفضوا مساعدة النظام عسكريا. الملف السوري الآن كما ازعم هو ملفا أمريكيا بشكل شبه كامل. وأي تغير نوعي يمكن أن يؤدي إلى فوضى في سورية ستكون مسؤولة عنه أمريكا. بالطبع لا أرجح ذلك. أمريكا تريد اغلاق هذا الملف أمريكيا. وليست كثيرة معنية بالصوت الديمقراطي! معنية بحماية الأقليات وتمثيلها بطريقة طائفية كما فعلت في العراق. بالطبع ليتني أكون مخطئا في هذه القراءة. لهذا الصوت الديمقراطي مطلوب منه النضال سياسيا ضد ما يمنع صوته دستوريا وحقوقيا وسياسيا فقط. ويبدأ ببناء نفسه، وأنا اراهن على الشباب.

الإسلاموفوبيا الديمقراطية
– لايزال أكثرية هذا الصوت الديمقراطي يتعامل مع السلطة الجديدة وفقا لنموذج الاسلاموفوبيا. لم يعي بعد أن ما حدث في سورية خلال الأسابيع الثلاثة يشكل نقلة نوعية أمريكية وغربية في التعامل مع هذا الملف. لايزال يعتمد مقولات تجذر عدائه أكثر فأكثر للإسلام، وليس للإسلام السياسي كخصم سياسي. سمعت من أحد الأصوات الديمقراطية المهمة يقول” أن السنة في سورية احتمال كبير أن ينقسموا بين داعش والنصرة” وأن من مصلحة هذا التيار” الديمقراطي ذلك لكي يضعف الطرفين! هذا صوت لا يمكن أن يجد نفسه إلا في ضعف مستمر.
– ما اريد قوله أيضا أن عشرات الاف المقاتلين في الهيئة الذين حرروا سورية، مشغول عليهم أمريكيا بشكل ممتاز على كافة الصعد. وشكرا أمريكا بالطبع. هذا ما اعتقده حتى اللحظة، وما أراه أقرب للحقيقة.
– على الصوت الديمقراطي أن يرمي كل نماذجه النظرية في سلة المهملات، ويتعامل بشكل جديد كليا مع هذا التحول الكبير سوريا وإقليميا ودوليا. على فرض أن السلطة الجديدة لن تتخلص من عقيدتها الإسلامية، فهل تستطيع سياسيا تطبيق ذلك حرفيا كما يشيع بعض أصوات الديمقراطيين؟ بالنسبة لي لا أظن ذلك. لأن للفعاليات الدينية والتجارية داخل الطوائف والأديان أكثر حضورا من الصوت الديمقراطي، وامريكا تتعامل مع قوى على الأرض ولا تتعامل مع حفنة من المنظرين.
– الخوف على سورية لا يزال موجودا وسيبقى حتى نرى دستورا جديدا وانتخابات دستورية ترسم نتائجها مستقبل سورية. الخوف الرئيسي بالنسبة لي يكمن بشكل رئيسي من تغير في الموقف الأمريكي كما قلت. الخوف أيضا من بقايا النظام البائد على افتعال حمام دم.
– الخوف الآخر هو من الإسلام السياسي الريفي الذي تشبع خلال السنوات الماضية بإسلام متشدد. يجب على السلطة الجديدة ان تبدأ ببرنامج فعلي من أجل انهاء هذا الفصام بيت المستوى السياسي وبين هذا التشدد وتحديد موقف واضح.
– الخوف الأخير حتى لو اقر دستور ديمقراطي وتبني لشرعة حقوق الانسان يبقى الخوف من ديكتاتورية فردية في المستقبل القادم من قبل السيد احمد الشرع.
مسائل للحوار والنقاش..

يتبع..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى