العربي الآن

غزوة البيجر وإعادة ضبط المصنع الإقليمي

غسان المفلح – العربي القديم
مطلوب من حزب الله ومن خلفه إيران عودة قوات الحزب إلى ما بعد نهر الليطاني. هذا طلب موضوع على طاولة التفاوض منذ زمن ليس قليلا، ولم يتم تحريكه عسكريا من قبل إسرائيل لفرضه.
بداية أيضا يجب أن نحدد مجال معالجتنا وفقا لمحددات واضحة:
– شرعية حزب الله تتكأ على استمرار خيط المقاومة هذا ومقتضياته بين الفينة والأخرى. إذا قطع هذا الخيط، ماذا سيفعل حزب الله بجيشه الخاص؟ وكيف سيسوق سيطرته هذه على لبنان؟
– إسرائيل ومعها أمريكا تريد بقاء حزب الله مستمرا بالسيطرة على لبنان وفق صيغة شفهية لا دستورية ووفقا لكنوه مقاومة! طبعا بقوة السلاح من جهة وإعادة هيكلة الجيش اللبناني بما يتناسب مع هذه السيطرة.
أكبر دليل المساعدات الامريكية المستمر للجيش اللبناني.
” أعلنت سفارة الولايات المتحدة في بيروت وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) عن إطلاق “برنامج دعم عناصر الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي LAF/ ISF Livelihood Support Program “، والذي سيوفّر 72 مليون دولار على شكل دعم مالي مؤقّت لعناصر الجيش اللبناني (LAF) وقوى الأمن الداخلي (ISF).25‏/01‏/2023″.
هذا البرنامج لا علاقة له بالمساعدات السنوية الامريكية والتي تقدر ب250 مليون دولار.
الجيش اللبناني هذا لا يتحرك إلا بموافقة حسن نصر الله شخصيا ودون وثائق مكتوبة.
– لإيران مشروع إقليمي يترافق مع محاولة نووية ليست سرا. هذا المشروع الإقليمي يتضمن السيطرة على ما تتمكن إيران من السيطرة عليه من دول المنطقة. إما ان تسيطر كليا على القرار في هذه الدولة مثل لبنان واليمن أو يكون لها تواجد قوي في هذه الدولة او تلك سوريا والعراق وحماس في المشهد الفلسطيني نموذجا.  هذا الأمر تراقبه وتدعمه أمريكا بشكل لا قانوني أيضا ولا مكتوب.
– إسرائيل رغم ما حققه لها المشروع الإيراني هذا من خلال دور إيران في الضغط على دول المنطقة من جهة، وتحويل بعض دوله إلى دول فاشلة، إلا أنها لا تثق كثيرا أحيانا بالسياسة الامريكية تجاه الوضع الإقليمي. يكون لها حساباتها المختلفة. او تفاصيل لا تريدها ضمن هذا السياق. مع تلك الخلافات إلا أنها مع بقاء حزب الله مسيطرا على لبنان، وحتى اللحظة هي مع بقاء حماس مسيطرة على غزة. سبق وعالجت هذا الموضوع في أكثر من مادة.
– ما يخص سورية لم يعد خافيا على أحد أن إيران وميليشياتها وحرسها الثوري وحزب الله دخلوا سورية لقتل شعبها بموافقة أمريكية إسرائيلية روسية أوروبية غربية. هذه الموافقة شملت قواعد اشتباك تم الاتفاق عليها كما تم الاتفاق على قواعد اشتباك مع روسيا بعد ما سمحت لها أمريكا أوباما وإسرائيل بالتدخل في قتل السوريين 2015. الدليل أن الطيران الإسرائيلي يصول ويجول فوق سورية منذ ذاك التاريخ ولا تتجرأ روسيا على منعه أو محاولة منعه حتى. بينما روسيا كانت تمنع الطيران التركي أحيانا.
– إيران لكونها صاحبة مشروع تصدير نموذجها خرابا لدول المنطقة، تتفلت أحيانا من هذه الاتفاقات الشفهية غير المعلنة أو المعلنة بأشكال عدة. الموضوع له علاقة بحدين:

الأول بقاء العقوبات الامريكية والدولية على إيران من جهة، وهذا يضيق مساحة الحركة لهذا المشروع. لذا تحاول إيران في رحلة التفاوض مع أمريكا المستمرة منذ احتجاز الرهائن الأمريكيين في السفارة الامريكية في طهران بعد الثورة 1980 وحتى الآن. هكذا هو شكل العلاقة الأمريكية الإيرانية تخادم وظيفي، لكن لن يسمح لإيران أن تتحول إلى دولة طبيعية من جهة، ولا أن يستفيد شعبها من هذا المشروع من خلال تنمية مستدامة، يمكن للقارئ الكريم العودة إلى وضع الشعب الإيراني البائس رغم كل ما تملكه إيران من ثروات.
مصنع الشر هذا كل فترة يتحرك لكي يحوز على مكتسبات جديدة أو يضغط على الأمريكي في سياق التفاوض المستمر، فيجد أن أهم وسيلة ضغط هي افتعال اشتباكات مع إسرائيل عبر ميليشياتها مباشرة او غيرها من أدوات تخادم بينها وبينهم كحماس. لأن إسرائيل هي في الإقليم تجد نفسها تريد من أمريكا أن توافق على إعادة ضبط هذا المصنع دون نسفه من جذوره.
في هذا السياق لا أمريكا ولا إسرائيل ولا دول الغرب الأوروبي وقفت مع انتفاضات الشعب الإيراني ضد الملالي.
ضمن هذه المحددات وغيرها تأتي المعارك المضبوطة بين حزب الله وإسرائيل. ومنها معركة البيجر الأخيرة التي مهما كانت عواقبها لن تتخطى هذه المحددات. لا يوجد مانع لدى إسرائيل وامريكا من ان تقتل إيران كل شعوب المنطقة. لكن يجب ان ألا تحاول فرض أي واقع لا يتناسب مع مصالح أمريكا وإسرائيل.
المعركة بين احتلال إسرائيلي إبادي من جهة وبين احتلال ابادي آخر هو إيران وادواتها. لهذا يمكن تفهم شماتة السوريين الأسديون المتسترين في صفوف المعارضة إضافة إلى بعض النخب التي تستعرض انسانيتها في وقت الشعب السوري لا يحتاجها ولا تخدمه أصلا. ما هي الخدمة أن تقف مع احتلال من هذين الاحتلالين؟ الشماتة فعل لا ارادي من مقهور. هذا العنوان هو ما يصلح لهذه الموجة بعد غزوة البيجر. وأنا أكتب هذه المادة تم اغتيال القائد العسكري في حزب الله إبراهيم عقيل الذي تسلم القيادة بدلا من فؤاد شكر بعد اغتياله من قبل إسرائيل. كل هذه المعطيات تشير إلى أننا أمام لوحة شبه معقدة من جهة ومن جهة أخرى واضح فيها أنها فعلا إعادة ضبط المصنع.
باختصار شديد أنا لست مع إسرائيل ليس لأنها احتلال إبادي لفلسطين فقط، وليس لأنها تقوم بجريمتها المستمرة في غزة فقط! بل أيضا لأنها هي من ساهمت بنسبة كبيرة بذبح الشعب السوري أيضا من خلال سياستها التي تنص على إبقاء الأسدية حاكمة لسورية، والآن بقاء حزب الله حاكما للبنان رغم كل هذا الضوضاء الإسرائيلي، إضافة كما ذكرت لا مانع لديها من بقاء حماس في حكم غزة. لأنها لا تريد وحدة الفلسطينيين سياسيا من جهة وتريد وبقاء سلطة فاسدة في رام الله وسلطة غاشمة في غزة من جهة أخرى. تعقد اللوحة الشرق أوسطية يجعل كثيرا من المشاعر متضاربة. فهدوا على حالكم قليلا.

كل بيجر وأنتم بخير.. ناب كلب بلحم خنزير.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى