الرأي العام

تفاصيل سورية | قصة والدي مع حزب البعث وخاروف شيخ العشيرة

بقلم: غسان المفلح
عام 1975 في شهر نيسان عقد المؤتمر القطري السادس لحزب البعث العربي الاشتراكي الحاكم في سورية. أو من المفترض أنه الحاكم. في تلك الفترة قبيل انعقاد المؤتمر بأشهر تقريبا، صار بيتنا عبارة عن خلية نحل، ولأول مرة أرى سيارات المرسيدس السوداء المخصصة للمسؤولين، تقف أمام بيتنا. أدركت ان هنالك انتخابات لاختيار أعضاء المؤتمر.

 تجري هذه الانتخابات في الشعب الحزبية. كما يطلق عليها في الهيكلية التنظيمية لحزب البعث. ثم عرفت أن بعض أصدقاء والدي رحمه الله قد طلبوا منه الترشح للمؤتمر. هنالك شخصيات أتت كنت أراها في التلفزيون فقط، وجدتها في بيتنا. مجرد شعور مراهق صغير، كان الأمر بالنسبة لي على غاية من الأهمية والمتعة. حيث دوما أن المتكفل بتقديم المشروبات للسادة الضيوف، وأحيانا الوجبات المتأخرة. نقاشات تجري ووالدي لم يكن يمنعني من الحضور في غرفة ضيوفنا كما كنا نسميها. كنت اسمع كل شيء. من الأسماء التي أذكرها لمسؤول كبير كانت لطه الخيرات، الذي كان يحتل منصب عضو قيادة قطرية، وكان ينوي الترشح لهذا المؤتمر على ما أذكر كي يعاد انتخابه من جديد. بالطبع تم له ذلك. شعرت فعلا أنها كانت ورشة حقيقة، من أجل تحالفات في ذاك المؤتمر أو من أجل قوائم انتخابية، أو دعم هذا المرشح أو ذاك.

 البعثيون آنذاك يعتقدون أنهم أصحاب سلطة. قبل أن يصدمهم الأسد لاحقا في المؤتمرات اللاحقة ويرسل قائمة أسماء للمؤتمرات كي تنتخب من قبل أعضائه. في هذا المؤتمر انتخب رفعت الأسد أيضا كعضو قيادة قطرية. كما حاول رفعت حينها استدعاء بعض شخصيات من أجل أن يؤسس كتلة خاصة به داخل هذا المؤتمر. ما أكتبه هنا عبارة عن لقطات علقت في ذهني منذ ذلك الوقت. لكن في هذه الأجواء التي كنت أستمع إليها، شعرت أنني بدأت أعي بعض التفاصيل المتعلقة بحزب البعث. نجح والدي في تلك الانتخابات. لكن بعدها لم أعد أرى الكثيرين ممن رأيتهم اثناء الانتخابات.

بعد تلك الفترة أيضا بدأت أشعر أن زوار والدي من حارتنا في التضامن وحولها بدأوا يتكاثرون. كل منهم له قضية ما في الدولة يريد أن يحلها والدي له. أيضا من أهل قريتنا (الشيخ مسكين) كان يأتيه زوار لنفس السبب. وأشعر أن والدي لم يكن يغلق الباب بوجه أحد. لكنني لا أزال أذكر حادثة لفتت نظري. رن جرس الباب خرجت لأفتح الباب، وإذ بي أرى شيخ عشيرة ربما ومعه شابين كان الشيخ يرتدي ما يعرف بالطقم العربي قلابية وجاكيت تبدو جديدة وحطة وعقال وكان أنيقا. إضافة إلى أنهم أتوا بسيارة تيوتا كانت محملة بالسمن البلدي والجبن وغيره. إضافة إلى خاروف. دخلت وأخبرت والدي بذلك، لكن الشيخ طلب مني أن ادخل هذه المواد إلى بيتنا. فوجدت والدي يقول له: “أعد كل شي للسيارة يا شيخ. أو خذهم لمن أرسلك. وتفضل وطلبك مجاب في حال المقدرة”.

كان يريد أن يدخل ابنه الصغير مدرسة المساحة التابعة لوزارة الزراعة. كان موظفا قريبا لوالدي قد أرسل الشيخ من أجل أن يساعده والدي. كان معروف عن والدي في كل أوساطنا أنه لا يتعاطى أي نوع من أنواع الفساد الذي كان سائدا. وبقي كذلك حتى توفي في تشرين الثاني 1987 بعد اعتقالي الثاني بشهرين. كان بعض البعثيين يتباهوا بأنهم يعرفون ضابط المخابرات هذا أو ذاك، لكنني لم أسمع من والدي أي شيء عن معارفه في الحقيقة، حتى عندما اعتقلت في المرة الأولى لم يتدخل ولم يكلم أحدا من معارفه. تسمع من يقول أعرف رفعت الأسد أو علي حيدر أو علي دوبا أو محمد الخولي. ضباط القمع الأشهر في تلك المرحلة. مرة واحدة والدي طلب مني الانتساب لحزب البعث ورفضت، ولم يعد يفتح هذا الموضوع معي مطلقا. أما عن شبيبة الثورة فقد كان الامر إجباريا تقريبا، حضرت اجتماعا واحدا في ثانوية دمشق الوطنية، ولم أعد بعدها للحضور. لم يعد أسماء البعثيين المسؤولين مهمة بقدر أهمية الضباط، سواء مخابرات او قادة في الجيش. هذه النقلة أعيها منذ تلك الفترة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى