أرشيف المجلة الشهرية

أورينت وحروب غسان عبود الفيسبوكية

عبد المجيد علواني – العربي القديم   

لم تكن الأورينت مجرد قناة تلفزيونية وحسب.. كانت بيتاً للصحفيين السوريين، ووطناً للمضطهدين السوريين في آن معاً. كانت عائلة سورية مصغرة تضم الأعراق والطوائف التي تشكل سوريا التي نحبّ، وكانت تنقل أصواتهم وأوجاعهم وآمالهم.

في جزئية صغيرة، ولكنها مهمة جداً كانت أورينت صوتاً لغسان عبود المالك لها، ولوجهة نظره تجاه أي تفصيل يخص الثورة، وهو الأمر الذي كان بعضهم يتذمر منه.

الأورينت لم تكن غسان عبود، لكنها بالمقابل كانت نافذة له يطل منها بأفكاره على السوريين، رغم المساحة التي أظن -وأنا متيقن- أنها لم تكن متاحة لدى الصحفيين في أي قناة أخرى عربية.  كنا نختار عناويننا اليومية والمواضيع التي سنناقشها، دون فرض أو توجيه من أحد، وليس في القضايا السورية فحسب بل على امتداد الدول.

مهنياً كانت كذلك ومؤسساتياً كانت لا بأس بها، مقارنةً مع بعض القنوات الأخرى.. لكن الصورة لم تكن وردية في أروقتها – لم يكن لدينا غرف سوداء بطبيعة الحال، كما كان يدعي من يدعي- بل كان هناك تسلط المالك على الصحفيين وإشعارهم بأنه الاسم الأهم في القناة، ولكن العكس كان الصحيح. فحروبه الفيسبوكية كانت توقع القناة والعاملين فيها بحروب جانبية لا طائل منها، بل كانت سبباً باستنزاف طاقاتهم.. ففلان عميل، وفلان خائن وفلان جبان، وفلان أحمق، وفلان يتذلل، إلى ما لا نهاية لأحكامه المسبقة على شخصيات وأفراد قدمت ما استطاعت لنصرة شعبها.

وللحق فإن لأورينت دوراً ناصع البياض في تاريخ سوريا، سُيذكر عاجلاً أم آجلاً، وإن طال الزمان، وما إغلاقها إلا صفحة طويت، ولكنها لن تكون الفصل الأخير في كتاب الإعلام السوري، الذي سيعود كما كان رائداً على المستوى العربي، وليس إعلاماً خشبياً يثير ضحك المؤيد قبل الثائر.

أورينت كانت مدرسةً إعلامية، انتشر طلابها في أهم وسائل الإعلام العربية، وأثبتوا كفاءة وجدارة عاليةً؛ لأنهم حصلوا على حريتهم المهنية فيها، وكانت صوت الوجدان السوري الذي خفتَ عن عمد بالسنة الأخيرة، لكنه سيعود يوماً ما أقوى بعد انتصار الضحية على الجلاد.

في النهاية، كانت أورينت شوكةً في حلوق الشبيحة، وعوناً للمظلومين، وهادمةً لأحلام المتسلقين، وصوتاً لطموحات مالكها.. وبالتأكيد كانت سوريةً أكثر من قنوات رسمية لم تقدم سوى النفاق، ولم تحمل من سوريا إلا الاسم فقط.

_________________________________________

 من مقالات العدد السابع عشر من (العربي القديم) الخاص بتلفزيون أورينت – تشرين الثاني/ نوفمبر 2024

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى