دفاتر نكسة التَّشبيح في حلب: انجُ سعد فقد هلك سعيد
غيَّب صنَّاع الأيديولوجيا هؤلاء أعلام الكتَّاب، وعتَّموا عليهم، ولم يدرسوا أدبهم
د. مهنا بلال الرشيد – العربي القديم
في يوم الجمعة الثَّاني عشر من آذار- مارس 2004 حدثت مناوشات بين جماهير نادي الفتّوَّة في مدينة دير الزُّور ونادي الجهاد من مدينة القامشليِّ، والرَّاجح أنَّ بعض المدسوسين من قبل النِّظام السُّوريِّ أشعلوا هذه الفتنة بين العرب والكُرد؛ ليتمكَّن بعدها نظام البعث المجرم بقيادة بشَّار المخلوع وأخيه ماهر الأسد من تصفية خصومهما من الطَّرفين بالدَّبابة والحلِّ العسكريِّ على طريقة الفرقة الرَّابعة الَّتي يقودها ماهر الأسد؛ فقد جاءت هذه الأحداث بعد انتخبات الهيئة الإداريَّة وممثِّلي الطُّلَّاب بمشاركة الطُّلَّاب الكُرد بالانتخابات الطُّلَّابيَّة في جامعة حلب، وتكلَّلت الانتخابات بمؤتمر حضره عن حزب البعث في الجامعة (علي العلي حفيد صالح العليّ ونائب عمَّار ساعاتي رئيس الاتِّحاد الوطنيِّ لطلبة سوريا في زمن المخلوع بشَّار الأسد)، وطالب بعض الأصدقاء من الطُّلَّاب الكُرد في المؤتمر بتدريس اللُّغة الكرديَّة في جامعة حلب…وقال واحد منهم: هناك أكثر من مليون كرديٍّ يرغبون بدراسة اللُّغة الكرديَّة وتعلُّمها في الجامعة….فقاطعه عليّ العليّ؛ وقال حرفيًّا: (عجبًا من الأخوة الأكراد…تتكاثرون كالفئران…واحد يقول مليون كرديٍّ…وآخر يقول مليونين)! وبعد ذلك بمدَّة وجيزة حدثت مناوشات مباراة الفتوَّة والجهاد…وتبعها اقتحام فرقة ماهر الأسد الرَّابعة مدينة القامشلي في يومي الجمعة والسَّبت في 12-13 آذار/مارس 2004.
المدينة الجامعيَّة في حلب خلال المناوشات واقتحام القامشلي
تظاهر الطُّلَّاب في المدينة الجامعيَّة في حلب بعد ظُهر يوم السَّبت وليلة يوم الأحد، وألقى بعضهم منشورات من شرفات الغرف في المدينة الجامعيَّة ومن فوق أدراج النَّجاة؛ وقد قرأتُ واحدة منها: (ستبقى مجزرة القامشلي خالدة في وجدان كلِّ كرديٍّ)؛ وكانت المفارقة أنَّ بعض الطُّلَّاب المتظاهرين من طلَّاب الهيئات الإداريَّة المرتبطين بحزب البعث كانوا يصوِّرون الطُّلَّاب الآخرين، ويكتبون بهم التَّقارير إلى شعبة حزب البعث في كلِّيَّة الاقتصاد المعروفة باسم شعبة (الشَّهيد عدنان المالكيِّ)، والَّتي يرأسها الدُّكتور أحمد دواليبيّ عميد كلِّيَّة الآداب وأستاذ الأدب الأمويِّ في جامعة حلب قبل تحريرها وتحرير سوريا وإسقاط قائد حزب البعث المجرم المخلوع بشَّار الأسد في معركة ردع العدوان في الثَّامن من كانون الأوَّل-ديسمبر 2024.
يوم الأحد 14 كانون الأوَّل-ديمسبر 2004…. يوم ليس كباقي الأيَّام في كلِّيَّة الآداب في حلب
خرجنا في صبيحة ذلك اليوم لحضور محاضرة صباحيَّة لأستاذ النَّقد الحديث نضال الصَّالح، فوجدنا المدينة الجامعيَّة كلَّها مع كلِّيَّة الآداب غرب المدينة الجامعيَّة مطوَّقة بالعساكر والجنود الَّذين يحملون بنادقهم المذخَّرة، ويفصل بين الجنديِّ والآخر أمتار قليلة… دخل أستاذ النَّقد الدُّكتور نضال الصَّالح إلى محاضرته، وكنَّا ننتظره داخل المدرَّج فقال: أَأعجبتكم هذه العسكرة؟ أأعجبتكم هذه المظاهر؟ لماذا تتظاهرون في المدينة الجامعيَّة؟ الجامعة للدِّراسة وليست للتَّظاهر… حافظوا على سوريا… ثمَّ انطلق في محاضرته، وسألنا عن درجاتنا بعد صدور نتائج اختبارات الفصل الأوَّل لمادَّة النقَّد الحديث؛ فاعترض البعض على درجته؛ وكانت (63)؛ فقال نضال الصَّالح: هل تعلم أنَّ نضال الصَّالح ذاته كان معدَّله في هذه الحدود؛ هذه درجة ممتازة، وتابع: سندرس في هذا الفصل أدباء مدينة حلب، سندرس أدب (وليد إخلاصيّ وهو من مواليد لواء إسكندرون)؛ وأنت يا مهنَّا ستكتب عنه حلقة بحث! وستجري مقابلة معه، سأعطيك رقم هاتفه، ستقابله، وتكتب عنه، ونستضيفه هنا في هذا المدرَّج في الأسبوع القادم، وفعلًا قابلت وليد إخلاصي، وكتبت عنه، وأهداني مجلَّدًا من أعماله القصصيَّة الكاملة (خان الورد وقصص أخرى) خلال اللَّقاء به بعدما أرسلني نضال الصَّالح إليه، لكَّنه لم يحضر مناقشة حلقة بحثي، وقال نضال الصِّالح: لقد أعتذر الأستاذ وليد، عنده سفر إلى دمشق، لكنَّ سعد الدِّين كليب ونضال الصَّالح استضافوه في الكلِّيَّة في أوقات لاحقة، ووجَّهوا طلَّابهم لدراسة أدبه في حلقات البحث ورسائل الماجستير والدُّكتوراه، وهذا رابط لمقطع فيديو عن مديح وليد إخلاصي للجرم بشَّار الأسد بعد انتخابه زورًا وبُهتانًا وقبل خلعه، وقبل موت وليد إخلاصيّ الَّذي منحه المجرم بشَّار الأسد وسام الاستحقاق من الدَّرجة الممتازة مكافأة له على تشبيحه! وحرم من هذا الوسام أدباء سوريا الحقيقيِّين!
سعد الدِّين كليب ونضال الصَّالح طلَّاب الدُّكتور الرَّاحل فؤاد مرعي
كان التَّنافس على أوجه بين اثنين من أشهر طلَّاب الدُّكتور المرحوم فؤاد مرعي، لا، بل حرب وغيرة مهنة وتنافس على المناصب وسعي نحو الشُّهرة والارتقاء بطرق متشابهة قليلًا ومختلفة قليلًا بين اثنين من أخطر طلَّاب الرَّاحل فؤاد مرعي. ويعود الاختلاف والتَّشابه إلى فروق في تكوين الطَّالبين خلال سعيهما إلى المنصب والشَّهرة؛ أسفرت عن وصول نضال الصَّالح إلى رئاسة اتِّحاد الكتَّاب العرب واللِّقاء بالمجرم المخلوع بشَّار الأسد بعدما درس تجربة حزب البعث في القيادة من خلال رواية الأسوار لمحمَّد أبي معتوق في كتابه معراج النَّصِّ، وكتب عن الانتماء للأرض وفلسطين ومحور المقاومة في نشيد الزَّيتون والمغامرة النَّقديَّة الثَّانية. في حين قدَّم سعد الدِّين كليب نفسه لحزب البعث (الَّذي يدَّعي معارضته) بوصفه صانع أيديولوجيا ومنظِّرًا فيها من خلال فصل مشهور في آخر كتابه (وعي الحداثة) درس فيه (علاقة الشِّعر بالأيديولوجيا)، وسار على هذا المنوال في صناعة الأيديولوجيا؛ فتبنَّى شعراء وكتَّاب قصَّة وروائيِّين مؤدلجين بفكر حزب البعث، ونشر أسماءهم بين الطُّلَّاب؛ فتحدَّث عن فايز خضُّور وصقر عليشي وحيدر حيدر، وغفران طحَّان الَّتي قالت في واحد من منشوراتها على الفيس بوك: إنَّه لفخر وشرف كبير لي أن يشير الدُّكتور سعد الدِّين كليب لاسمي في محاضرته، ويتحدَّث عن سردي في رواية (فاصلة بين نهرين)، الَّتي نشرها لها محمَّد عثمان صاحب دار موزاييك النَّاشطة جنوب لبنان أثناء عدوان قاسم سليماني على سوريا؛ مقابل أن تقرأ غفران للدَّار بعض الأعمال، وتدقِّقها لغويَّت؛ ليفوز عصام كنج الحلبيِّ زوج غفران طحَّان بمسابقة نزار قبَّاني الَّتي تقدِّم فيها دار موزاييك للفائزين نشر المجموعة الشِّعريَّة مجَّانًا، ويحصل الأستاذ محمَّد عثمان على درجة الماجستير من الجامعة اللُّبنانيَّة بغشراف سعد الدِّين كليب كما قال.
وفي المقابل غيَّب صنَّاع الأيديولوجيا هؤلاء أعلام الكتَّاب، وعتَّموا عليهم، ولم يدرسوا أدبهم، مثل: خالد خليفة ومحمَّد الماغوط والشَّاعر السُّعوديِّ عبد العزيز خوجة، وقد وجَّهني سعد الدِّين كليب إلى دراسة سعيد عقل بعدما رفض لي خططًا بحثيَّة عدَّة في مرحلة الماجستير، ثمَّ رفض لي خطَّة حول شعر عبد المقصود خوجة في مرحلة الدُّكتوراه، وقالت لي الدُّكتور أسمهان الصَّالح: إذا لم يوافق لك الدُّكتور سعد الدِّين كليب على الخطَّة لا أستطيع الإشراف عليه؛ لأنَّه رئيس قسم اللُّغة العربيَّة، لو تقدِّم مئة خطَّة دون موافقة سعد الدِّين كليب لا فائدة منها؛ يجب أن تُقنع سعد الدِّين كليب قبل كلِّ شيء!
رحيل نضال الصَّالح
توفِّي نضال الصَّالح في الثَّامن من آذار-مارس 2024 بعدما أقصوه عن رئاسة اتِّحاد الكتَّاب العرب، ولم يشفع له دهر من التَّشبيح لحزب البعث العربيِّ الاشتراكيِّ؛ لأنَّ الوقت جاء لخصومه ومنافسيه (سعد الدِّين كليب وفاروق اسليم ومن يدور في فلكهما في اتِّحاد الكتَّاب وأساتذة الجامعة)؛ فقد كان سعد الدِّين ينافس نضال في الخفاء والعلن، أمَّا فاروق اسليم فقد كان يشي بنضال الصَّالح خلال مناقشاتنا معه على حوارات الفيسبوك، ويكتب هذا ما فعله: (ن ص)، وطعن به مرَّات عدَّة، ثمَّ أبَّنه فاروق اسليم بعد رحيله، وأخذ موقعه؛ أي موقع موقع (ن ص) الرَّاحل في لجنة اتِّحاد الكتَّاب العرب المركزيَّة في دمشق، وشغل منصب رئيس تحرير مجلَّة التُّراث العربيِّ بعدما أفرج عنه الثَّوَّار الَّذين احتجزوه بسبب تشبيحه في إدلب بعد وساطات عدَّة، ولها تفاصيل كثيرة، ثمَّ فاز فاروق اسليم بلقاء المجرم المخلوع بشَّار الأسد!
انجُ سعد فقد هلك سعيد!
بالتَّأكيد كانت وفاة نضال الصَّالح قبل سقوط المخلوع بشَّار الأسد نجاة له مقارنة بما يفعله فاروق اسليم وسعد الدِّين كيب ومريداته في أدلجة التَّعليم الجامعيِّ واتِّحاد الكتَّاب العرب وزارة الثَّقافة وجمعيَّة العاديات في حلب مع جوقة الملتفِّين حولهم في صفحة سعد الدِّين كليب التَّشبيحيَّة في الفيسبوك وأصدقائه ومريداته من كُتَّاب (الهُشُّك بُشُّك) لا سيَّما المقيمون خارج سوريا ممَّن يعارضون حكومة الثَّورة المنتصرة منذ اليوم الأوَّل لانتصارها بعد معركة ردع العدوان. وقد كان نضال الصَّالح يعتمد على جملة من الأدوات في جمع المعلومات وكتابة التَّقارير البعثيَّة ببعض الثَّائرين والمعارضين من الطُّلَّاب والزُّملاء، وطالباته وطلَّابه الموثوقون والمقرَّبون من جزء مهمٌّ من مصادره عن قصد أو دون قصد منهم. وبمثل هذه الطَّريقة يعمل فاروق اسليم وسعد الدِّين كليب الَّذي سيعتمد أسعد وسعيد وفلانة وعلتانة وباقي طلَّابه وطالباته ومريداته في جمع المعلومات وكتابة التَّقارير ونشر أيديولوجيا البعث الَّتي يريدونها مع تهميش الكتَّاب الأحرار وتلقيم الطُّلَّاب في المحاضرات ذلك الأدب (التَّافه) الَّذي يريد سعد الدِّين كليب ومريداته أن ينشروه؛ لهذا يقول المثل العربيُّ: انج سعد؛ فقد هلك سعيد! وقصَّة هذا المثل أنَّ الشَّقيقين بالدَّم (أسعد وسعيد) وليس الشَّقيقان في كتابة التَّقارير ونشر ثقافة قاسم سليماني في العراق وجنوب لبنان قد خرجا لقتال أعدائهما الَّذين يناضلان ضدَّهم، فسبق سعيد أخاه سعد إلى الأعداء؛ فقتلوه: فعاد رفيق سعيد؛ وقال: انجُ سعد! فقد هلك سعيد!
مريدات سعد الدِّين كليب وأعدقاؤه وظاهرة التَّكويع الثَّقافيِّ
شكَّل سعد الدِّين كليب خلال التَّنافس مع نضال الصَّالح وبعد رحيل نضال ظاهرة تشبيح ثقافيٍّ نعرف كثيرًا من تفاصيلها، وفي الآونة الأخيرة عندما بدأنا بكشف بعض معالم هذه الظَّاهر مع قُرب انتصار الثَّورة السُّوريَّة المباركة خرج سعد الدِّين كليب؛ ليدَعي المعارضة مثل كثير من المكوِّعين بعد انتصار الثَّورة الَّتي لم يتوقَّعوا انتصارها، وهدَّدنا بعض من مريداته وكلابه أيضًا؛ لأنَّهم لم يصدِّقوا أنَّ الثُّوَّار حرَّروا مدينة حلب في معركة ردع العدوان؛ لذلك تأنَّت جوقة التَّشبيح هذه الإيعاز من سعد الدِّين كليب قائد أوركسترا التَّشبيح قبل الإعلان عن تأييد الثَّورة المنتصرة حتَّى يتَّضح لهم الخيط الأبيض من الخيط الأسود مع أنَّه لا خيط أبيض إطلاقًا بين خيوط التَّشبيح. ومن المفارقات الَّتي حدثت معي أنَّني باركت لصديقة (شاعرة وكاتبة قصَّة قصيرة ومسرح وكلِّ شيء) بتحرير مدينتها مدينة السَّلميَّة من عصابة الأسد؛ فحذفت صداقتي على الفيسبوك بسبب المباركة!
والحقُّ أنَّ مباركتي لها كانت مقصودة ولم تكن مباركة خبط عشواء أبدًا؛ فقد كانت هذه الكاتبة تمارس نشاطاتها في معرض بيروت للكتاب وغيره من منابر الإرهابيِّ نوح زعيتر وقريبته باسلة زعيتر بالتَّزامن مع أنشطة (الثَّقافيَّة الإيرانيَّة) في جنوب لبنان والعراق، تلك الَّتي ترفع صورة المجرم قاسم سليماني المعادي للعرب والعروبة؛ لأنَّهم يرون في (عديقتنا من مدينة السَّلميَّة) حفيدة من أحفاد حسن الصَّبَّاح صاحب قلعة آلموت. نعم! لقد مارست نشاطها مع بعض الأعدقاء السُّوريِّين في ذروة تشبيح قاسم سليمانيِّ وإجرامه ضدَّ الأحرار السُّوريِّين، وتنقَّلت مع زملائها بسبب المحسوبيَّات الطَّائفيَّة بين ندوات العراق (الثَّقافيَّة) وندوات جنوب لبنان وهنا وهناك، ومن المفيد للثَّورة السُّوريَّة أن يضيقوا بمباركتنا لهم بانتصار الثَّورة وحصولهم على شهادات الدُّكتوراه المزوَّرة؛ فقد باركت لها بتحرير سلمية وله بكرتونته المكتوب عليها: شهادة دكتوراه، وأجمل من غَيظِ جوقة التَّشبيح الثَّقافيِّ هذه هو التفاف المريدات والمريدين على أبيهم الرُّوحيِّ وعرَّاب أيديولوجيا التَّشبيح الثَّقافيِّ سعد الدِّين كليب؛ وبهذا يصنعون لأنفسهم دائرتهم التَّشبيحيَّة الممتدَّة على بقعة غير صغيرة من أرض سوريا الطَّاهرة وما جاورها من بلدان عربيَّة شقيقة! وفي آخر المطاف بقي أن نشير إلى أنَّنا لم نأبه بعائلة الاستبداد المجرمة ورئيسها المخلوع بشَّار الأسد حتَّى نتخوَّف من تهديدات مرتزقتهم الموثَّقة لدينا؛ تلك الَّتي تأتينا منهم بين الحين والآخر بسبب خوفهم من (مآلات) تشبيحهم ويقينهم بعدم جدوى قشَّة تكويعهم بعد فوات الأوان!