أكرم خزام في بودكاست السطر الأول: الجزيرة أصبحت قناة الرأي الأوحد والدويري لا يخرج عن الخط
العربي القديم- محمد منصور
صار البودكاست موضة الإعلام العربي اليوم، فهذا الملل من زحام الأخبار وسفه التحليلات المأجورة التي تعطي كل جزيرة أو عربية أو عربي ما يطلب وما يحب أن يقال حتى وإن بلغ منتهى درجات الكذب والتضليل، دَفعَ الناس نحو الاسترخاء في حضن الحكايا والسير الذاتية، التي يفسح البودكاست المجال الواسع لها… دون أن يحتاج ذلك إلا لمايكرفون ومذيع وكاميرات مثبتة في مواجهة الضيف أو المذيع أو كليهما معاً…
وأي فن أو شكل يتحول موضة في الإعلام العربي، يصبح مرتعاً للهراء والهذر والتقليد الأعمى والاستنساخ الأبله… لكن هذا لا يعني ألا نجد وسط هذا شيئا يستحق الاستماع والتقدير، ومن هذا القليل حلقة البودكاست التي تابعتها مع الإعلامي السوري البارز أكرم خزام، بضيافة الإعلامي الأردني علي الطراونة في (السطر الأول).
أكرم خزام “ابن جمهورية حمص” كما يعرف نفسه، ضد السائد، والباحث عن التميز، الذي اختار المسرح واختارته الصحافة، وأذكر أنني شاهدت عرضه المسرحي الوحيد الذي أخرجه للمسرح القومي بدمشق (العنب الحامض) وأعجبت برؤيته العميقة التي صاغت كافة تفاصيل روح العرض وأعطته هوية تأملية وانتقادية تطرح الكثير من الإشارات والرموز ذات السهل الممتنع… أكرم خزام يتدفق في هذا البودكاست ليقول حقائق، أو ما يعتقد أنه حقائق بتواضع ودون ادعاءات. يتحدث بسلاسة مبتعدا عن الافتعال الأسلوبي الحكائي، أو الاستعراض النرجسي الذاتي… ينتقد (الجزيرة) ويكشف تحول خطها التحريري متماهية مع خطاب التنظيم الدولي للإخوان المسلمين كما يقول… ويقول إن جمهورها قد تراجع، ويعترف أنه قد وصل إلى نقطة اللاعودة مع الجزيرة (هم قطعوا معي وأنا قطعت معهم)
ويكشف أكرم خزام عن حقيقة الخلاف مع مذيع الجزيرة محمد كريشان، الذي وصفه بأنه (ارتكب حماقة كبرى) حيث ذهب إلى تونس ليجري ندوة عن تعامل الدولة التونسية مع قناة الجزيرة، ثم فجأة تحول للهجوم عليه قائلا أن أكرم خزام يأتي إلى تونس ويستقبل رغم أنه ما حدا سمعان فيه… معتبرا أن هذه الإساءة كانت لإرضاء أسياده؟
بعمق وجدية يوجه أكرم خزام انتقادات مهنية لقناة الجزيرة التي يقول أنها تغيرت 180 درجة، وأن عدد جمهورها قد تراجع بشكل كبير… يرثي لغياب فن الريبورتاج وظهور المراسل يتحدث “بتحسه إما محلل سياسي أو خبير…أو… أو… كل شي ما عدا أنه مراسل” يتحدث أكرم خزام بوضوح عن حالة الاجترار الإخباري المحموم ويسأل: “وين صارت في تاريخ الصحافة التلفزيونية قناة تشتغل لحدث واحد طيلة 24 ساعة والحدث ما عم يتغير”
يصف أكرم خزام بمرارة حال الجزيرة التي “كسرت الكثير من المألوف في العالم العربي” كما يقول، وينتقد بشدة تحول شعارها “الرأي والرأي الآخر” إلى “الرأي والرأي الأوحد…” يقول بجدية تستبطن مرارتها التهكمية “يعني لا يجرؤ اللواء دويري أو سواه أن يخرج عن الخط الرسمي ولو 3 ملليميتر تاني نهار بيقولوا ارجاع عن الأردن، ولالياس حنا بيقولوا ارجاع ع بيروت” ويصل إلى حد وصف الجزيرة أنها صارت إذاعة مصورة بعد غياب الريبورتاج عنها، والاستعانة بالمراسل ليظهر في مربع ويتحدث!
باختصار يبدو أكرم خزام متميزاً فعلا… فهو لا يلف ولا يدور. ينتقد بشكل واضح ومباشر. يسمي الأشياء بمسمياتها، دون أن يمثل دور الزميل الحصيف المداهن… الذي لا يحب ذكر أسماء، لكنه يتحدث عن ظواهر فقط. وفي الوقت ذاته يذكر الكثير من زملائه باحترام مشيدا بخبراتهم وتجاربهم. تغيب الأنا وتحضر الذات الواعية المثقفة. ولو أردت أن أنتقد هذا البودكاست في شيء فسأنتقد غياب التوازن في تغطية سيرة أكرم خزام بمحطاتها المختلفة، من روسيا اليوم الروسية، إلى قناة الحرة الأمريكية، ووضع خطة لإبراز ثراء هذه التجربة بتفاصيل أعمق من مجرد مروره مرور الكرام، وتركيز اهتمامه على تجربته في الجزيرة… رغم أن مدة عمله في قناة الحرة لعشر سنوات تساوي مدة بقائه في قناة الجزيرة التي أقيل في عهد مديرها العام وضاح خنفر عام 2004 واصفا خنفر بأنه عضور في التنظيم الدولي للإخوان المسلمين… لكن يبقى ما قدمه أكرم خزام شكل من أشكال البوح الذاتي المسكون بهواجس نقدية، وعذوبة حمصية وروح حرة.
طبعا لا يمكن إغفال ثقافة الإعلامي علي الطراونة ومداخلاته الرصينة والموفقة، وإن كنت أرى أنه أفسدها بالطلب من ضيفه في نهاية الحوار أن يردد لازمته “أكرم خزام الجزيرة موسكوووو) وكأنها ايفيها كوميدياً… فانتقلنا من الحديث عن التنوير والجامعات وحال الإعلام ومستقبل الأمة فجأة، إلى الاستظراف الذي لا معنى له… لكن يبقى هذا البودكاست صورة عن حضور صادق لإعلامي سوري، أكثر ما يزعجه الزعيق – كما قال – إعلامي لا يرتهن للشعارات ولا لعمليات التجهيل الإعلامية التي تمارس في وسائل إعلام كاملة… وهو يستحق التقدير والمتابعة والتحية.