فنون وآداب

مسلسل (كسر عضم -السراديب): الحسرة في قلب الأمل.. وتلفزيون سوريا منصة لتسويق مقولات النظام

أحمد صلال – العربي القديم

“إذاً ماذا؟ هل يجب ننغمس في آلامنا؟ يجب أن نعيش يجب أن نغضب”. بهذه الكلمات يواجه رشيد عساف فايز قزق في مسلسل (كسر عضم- السراديب) الذي يعرض في رمضان، وهو عمل من تأليف هلال أحمد ورند حديد والإخراج لكنان موسى اسكندراني. عمل ينعي الدراما السورية التي أصبحت حبوب بندول درامية عن الصمود والتصدي والانتصارات، فهي لا تحكي عن معاناة الحرب السورية بل على قدرة النظام الخفية على البقاء بهمينته وسطوته الأمنية، كأمر واقع وأبدي.

هكذا لا يشهد المسلسل على الحرب ومآسيها وتداعياتها. في كل بيت طرقت بابه، تركت الحرب السورية خلفها، نصيبها من الموت والفراق والمعاناة والنزوح والألم.. لكنه يشهد على كسر عضم الشعب وهو يرزح بعد هذا كله في بيت الطاعة.

وبالطبع كان للإنتاج الدرامي السوري نصيبه من المأساة الناجمة عن الحرب في سوريا، لقد أصبح أكثر أمنيّة وأكثر وفاء لرسائل السلطة. لقد تأثر أينما لجأ حرفيوه، وسقط في نوع من السبات المستمر، رغم المحاولات هنا وهناك لإخراجه منها. ولم يكن هذا الوضع مفاجئا فالفنان الذي يعرف كيف يبقى في المشهد، هو الفنان الذي يعرف من أن يؤكل كتف الشعب ويحمى كتف السلطة. وهذا يجب أن يدفعنا إلى التنديد بهذا السقوط أو الإعلان عن موت صناعة الدراما التي أصبحت دراما البوط العسكري.

 ومن الطبيعي أن يكون لهذا الإنتاج الفني نصيبه من “الألم السوري” وإرهاق سنوات الحرب الذي يعمد إلى تجاهله. وربما تستحق هذه الدراما أن ننتظر عودتها، كما انتظرنا مسلسلاتها، من دون أن نثقلها بالأحكام ومن دون «محاضرة» على فنانيها، على أمل أن تتخلص الدراما السورية من الأعمال التي تخرج من مكاتب ضباط الفروع الأمنية.

ورغم كل المآسي، لا شيء يجذب رجال الأمن في سوريا وخارجها سوى رأس المال السياسي  ووسائل استثماره. في نهاية المطاف، تثبت الحرب – بما تحمله من نصيب من التفكك والنزوح والدمار – أنها مساحة يمكن لرجال الأعمال أن يكملوا فيها أعمال أسلافهم أو يستفيدوا من تعثر الإنتاج الدرامي السوري. وفي هذا السياق يؤكد إياد أبو الشامات الممثل السوري ومؤلف مسلسلي “غداً نلتقي” و”تانجو” أن أصحاب القرار في مجال الإنتاج التلفزيوني السوري هم أشخاص لا علاقة لهم بالمهنة ويتجاهلون احتياجاتهم الحقيقية. وهذا ليس مفاجئاً على الإطلاق في الساحة التي تدور فيها معركة مادية طاحنة هدفها السيطرة على سوق جديدة ناشئة فوق حطام الدراما السورية يدير علمياتها لبنانيون يقتنصون اللحظة بمهارة وخفة.

بضاعة تباع وتشترى

منتجو الأعمال الدرامية السورية هم في الوقت الراهن رجال أعمال وسياسيون يتحكمون في المسلسلات – وبالتالي محتواها تلقائياً – كبضاعة تباع وتشترى وتخضع لأهواء السوق وليس للفن. وهذا أمر شائع جدًا في كل قطاع من قطاعات الإنتاج، حتى الفني. وبالفعل، خلال العقود الأخيرة من القرن الماضي، بدأ القطاع الخاص بدخول مجال إنتاج الدراما التلفزيونية. وكانت شركات الإنتاج مملوكة لأصدقاء أو أقارب للنظام السوري.

أما المختلف اليوم فهو أنه بعد أحداث 2011 ورحيل عدد كبير من الممثلين والمخرجين والمؤلفين وحتى المنتجين إلى المدن القريبة أو الأوروبية، تزايدت أعداد شركات الإنتاج الصغيرة أو المتوسطة، بحجة الرغبة في إخراج صناعة المسلسلات الدرامية التليفزيونية من المأزق ودعمها حتى تستعيد مجدها السابق. وفي المقابل، اضطرت شركات الإنتاج الكبرى إلى إغلاق أبوابها.

أنا ناقد بالأساس.. إنتاج التلفزيون الدرامي هو أحد مجالات خبرتي، يجب أن نرى في مسلسل (كسر عضم- السراديب) أن الدراما السورية فقدت تأثيرها، ودعس النظام أسس صناعها وخطابها ببوطه العسكري وقبضته الأمنية وهذه المرة بمساعدة سماسرة لبنانيون يعرفون كيف يستجروّن المال السعودي لدعم حطام هذه الصناعة. وفي هذا المسلسل يجب أن نرى أن الخير لا ينتصر عندما ينهار كل شيء، حتى وإن وقع الذئب بغلطة دفع ثمنها باهظا، ولكن هذا يعني أن هناك ذئباً جديداً قد كبر وكشر عن أنيابه. مقولة رائعة تصلح لتأديب الربيع العربي كله، لا الثورة السورية وحسب!

المشهد المراد تسويقه حتى الآن، غير صورة بشار التي تزين المكاتب، هو سطوة أجهزة الأمن. تكريس حالة الرعب أو الخوف أو إعادة لحمتها بعد أن كسرها السوريون خلال ثورتهم. ضمن أجواء مافياوية شرعية، هي المصدر والمرجعية والقانون التي على المواطن أن يستجديها ويرضخ لتسلطها. فلا أمل من الفكاك من هذه الشرعية المافياوية التي تستنزف كرامة الآمهات ودموعهن وهن يرجون أصغر ضابط من أجل أبنائهن إلا بالمزيد من الرضوخ أو استجداء الواسطات. إنه جزء من نهج النظام الذي يريد أن يستعيد سلطة الخوف ويكرسها من جديد. 

تلفزيون سوريا هل بات شريكا بالدم الدرامي؟!

تلفزيون سوريا عبر عرضه لمسلسل (كسر عظم-السراديب)؛ فتح نافذة جديدة وغير مسبوقة للتطبيع مع النظام المغتصب، ناسية أو متناسية قيم الحرية والضمير الأخلاقي. عبر عرضها للعمل قدم تلفزيون سوريا خدمة كبيرة للنظام، ووقف مع المشاهد الموالي الذي يحب أن يرى نجومه يضيؤون كل الشاشات، ووجه صفعة لجمهور الثورة.

هذه خيانة عن سبق الإصرار والترصد حيث تزويرالواقع وتسفيه أسباب وجذور الألم السوري، لا يمكن أن يغتفر أو يمر مرور الكرام. يمكن أن يكون الفن للفن حين لا توجد مجازر بالبراميل وذبح بالسكاكين وقصف بالمدفعية والصواريخ وتهجير للملايين، وثأرات تاريخية وهمية وسط كل هذا البحر من الدم… أما حين يكون كل هذا هو الواقع وهو الحقيقة التي عاشها ملايين من السوريين، فهذا يجعل فناني النظام شركاء بالدم الدرامي، والثورة السورية أوضح من عين الشمس، فكيف يمكن تسويق الواقع الموالي، بدل الإضاءة على الثورة وقضاياها؟

دراما النظام تجد في تلفزيون سوريا وسيلة لتمويل ماكينة مهولة من الأكاذيب، إذ لم يقدم صناع العمل مسلسلهم بالمجان، بل قبضوا لقاء عرضه عشرات آلاف الدولارات، من أجل ماذا؟ من أجل تسويق وجهة نظر النظام المجرم!

 وهكذا تعمل إدارة هذه القناة المتخبطة والفاشلة بشكل معاكس لما يفترض  أنها وجدت من أجله،  ألا وهو دعم الثورة السورية “اللي استحوا ماتوا”، وتلفزيون سوريا مسؤول عن ارتكاب مجزرة إعلامية بحق مجموعة مواثيق الشرف الصحفي ومعاييره وقبله الضمير والأخلاق المهنية، وأعتبر أن هناك جهداً غير عادي وغير مسبوق للتطبيع مع النظام يجري بقصد أو ببلاهة وعن غير قصد، ولنقل الصورة مثلما تردد وتكرار كليشهات النظام “هو منيح النظام بس اللي حوالي عاطلين” والتي تبعد عنه شبهة القتل والحصار والاعتقال والتغييب وكل الجرائم التي ارتكبها بحق السوريين.

زر الذهاب إلى الأعلى