في تبرئة القضاء السويدي للعميد السوري: معركة تحقيق العدالة والمساءلة إلى أين؟
رودي حسو – العربي القديم
في خطوة قانونية نادرة وغير مسبوقة في سياق محاكمة مجرمي الحرب السوريين أمام محاكم أوروبا، أصدرت محكمة ستوكهولم السويدية حكماً ببراءة العميد الركن “محمد حمّو”من تهمة المساعدة في ارتكاب جرائم حرب خطيرة في سوريا.
القرار جاء بعد عام ونصف من التحقيقات والمرافعات، حيث أقرَّت المحكمة بعدم كفاية الأدلة المقدمة لإثبات تورط حمّو وفرقة 11 التي كان يقودها في الهجمات على المدن والمدنيين .
من هو العميد محمد حمّو؟
بعد البحث والتقصي، تبيّن أن العميد محمد حمّو كان متخصصاً في تسليح الوحدات العسكرية. قضى معظم فترة خدمته العسكرية في الفرقة الثالثة المدرعة،وهو من مدينة اللاذقية،وتحديداً من منطقة “جبل الأكراد” .
في عام 2008، تمت ترقيته إلى رتبة عميد،ومنذ ذلك الوقت استلم منصب رئيس فرع التسليح في الفرقة11 المتمركزة في ريف حمص الجنوبي. انشق عن الجيش السوري في ربيع 2012،ووصل إلى السويد في عام 2015 حيث قدم طلب لجوء هناك .
الاتهامات والمحاكمة
الاتهام الذي وُجه إلى العميد محمد حمّو من قبل الادعاء السويدي كان يتعلق بمساعدته في تجهيز الفرقة 11 بالأسلحة التي استُخدمت في الهجمات العشوائية على المدنيين في مدينتي”حمص”-“حماة”بين كانون الثاني/يناير وتموز/يوليو 2012. ومع ذلك، خلصت المحكمة السويدية إلى عدم كفاية الأدلة التي قُدّمت لإثبات تورطه في هذه الهجمات.
أقرت المحكمة بوجود نزاع مسلح غير دولي قائم في سوريا بين الحكومة والجماعات المسلحة، وأكدت أن الجيش السوري قد استخدم هجمات عشوائية تخالف القانون الدولي، وخصوصاً في حي”بابا عمرو”-ومدينة الرستن بمحافظة حمص، لكن المحكمة وضحت أنه لم يكن هناك دليل يثبت أن الفرقة 11،التي كان يقودها العميد “حمّو”،شاركت بشكل مباشر في هذه الهجمات أو أنه كان مسؤولاً عن تجهيز الوحدات العسكرية بالأسلحة اللازمة. بناءً على هذه الأسس، تم تبرئة العميد محمد حمّو.
قضاء مستقل لا يأخذ بالشبهة السياسية
إن محمد حمّو هو أعلى رتبة عسكرية سابقة تتم محاكمتها بتهمة جرائم الحرب في سوريا، وقد جذبت هذه المحاكمة اهتمام الحقوقيين ووسائل الإعلام المحلية والدولية. وهنا سنتناول بدقة الأسباب الكامنة وراء تأكيد الحاجة إلى التحقيقات الدقيقة والمساءلة الفعالة لتحقيق العدالة.
إن المحاكم الأوروبية ومحاكم الدول الديمقراطية غالبا ما تكون غاية في النزاهة، فهي لا تهتم بالشبهة السياسية ولا تأخذ بالأدلة الضعيفة، ولا يمكن التأثير عليها من أصحاب القرار أو أركان الحكم، كما نرى في محاكم الدول التي لا تتوفر فيها قيم ديمقراطية راسخة، ولهذا فمن الضروري أن تكون هناك مراجعة شاملة للسيرة العسكرية وتورط الضباط المتهمين بأفعال مجرمة قبل اتخاذ أي قرار بالتوجه لهذا القضاء وتوجيه الاتهام من خلاله لأحد… وفي حالة العميد “محمد حمّو”، منحته المحكمة السويدية البراءة لعدم وجود أدلة كافية تثبت تورطه في الهجمات، مشددة على أهمية الدقة والتفاصيل في التحقيقات.
إن الافتقار إلى الأدلة الكافية لا ينبغي أن يكون مانعاً لمواصلة البحث والتحقيق المتعمق في تورط الضباط ذوي المناصب الحساسة في انتهاكات حقوق الإنسان… لكن من المهم ألا يفقد الناشطون والحقيقيون السوريون مصداقيتهم فيما لو تورطوا في اتهام شخصيات أخرى يمكن أن يحصلوا على البراءة
ضرورة إجراء التحقيقات بدقة لضمان تحقيق العدالة
لتحقيق العدالة للضحايا ومحاسبة الأشخاص المتورطين في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، يجب أن تعتمد التحقيقات على أساس موضوعي ودقيق. إن حالة “حمّو” تثبت أنه بالرغم من الاتهامات الخطيرة، فإن التحقيقات لم تأتِ بالأدلة المطلوبة للإدانة… ما يعني أن هناك تسرعاً في توجيه الاتهام، أو افتقارا للأدلة المقنعة… لذا أرى أنه من الضروري أن تكون هناك جهود إضافية لتحقيق العدالة الكاملة، مع توفير الموارد اللازمة لضمان الشفافية والمصداقية في جمع الأدلة.
تعزيز رسالة المساءلة
تعزيز رسالة المساءلة يعتبر أمرًا حيويًا لمنع ارتكاب مزيد من انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب في المستقبل .
تقديم العدالة للضحايا وتحقيق العدالة الكاملة والشاملة يؤدي إلى بث رسالة قوية وواضحة بأن أي شخص، بغض النظر عن منصبه أو رتبته، يمكن أن يُحاسب على أفعاله قانونياً طال الزمن أو قصر.
تبرئة “حمّو”، على الرغم من كونها مشينة للعدالة في نظر بعضهم، وصادمة ومخيبة لللآمال في نظر بعضهم الآخر تؤكد أهمية المساءلة والمراجعة المستمرة للأدلة والوقائع لأن معركة تحقيق العدالة معركة شاقة وصعبة أكثر من المعارك التي ترتكب فيها الجرائم أحيانا.