نصوص أدبية || خياراتٌ قليلةٌ... قصيدة د. ابتسام الصّمادي
وقلْتُ أنْتظرُ،
رُبّمَا نَلتقي،
هلْ تَعْرفُ مَعنى أنْ نَلتقي؟!
تَتماهَى الخُطوطُ المُتوازِيةُ في أُفُقِ عُمْرَينَا، حتّى تَذوبَ المَسَافةُ..
يَعنِي: أنْ أَهْدلَ على قِرْميدِكَ ذاتَ شِتَاءٍ،
وأنتَ تُطْعمُ المِدْفأةَ مِن حَطبِ المَجَازِ،
فيُطقْطقُ المَعنى، وأحْترِقُ،
أُرْسلُ هَدِيلي إليكَ، عبْرَ الزُّجَاجِ،
يَسِيلُ معَ الغَبَشِ والدِّفْءِ،
مَنْثورَاً مِنْ لُحُونِ الشّفِيفِ والنّارِ،
فكيفَ أحْملُ كَفَّيّ، بِدُونِ دِفئِكَ، قلْ لي؟!
نلتقي؟!
يَعْني: أنْ يَمُرَّ الغَمَامُ على ضِفَافِ الوَقْتِ كَغَزْلِ البَناتِ،
نَخْرُجُ مِنْ ثَوبِ الزَّمانِ، فلا يُبَاغِتُنا فِرَاقٌ
يَعْني: أنْ أَتَحالَفَ مَعكَ ضِدّي،
أنتَ المُجنَّحُ فِي قُرْبِكَ، المُحلِّقُ في بُعْدِكَ، الغَنِيُّ في ظِلِّكَ، والفَقيرُ في بَوحِكَ..
ما زَالَ الوَقتُ يَرْعَى بَينَنا، وكلُّ غَزَالاتِ الرُّوحِ تَمْضي،
وأنتَ كَثَافةُ الغَاباتِ فِي دَغَلِ الهَشِيمِ
تَعالَ نَجُوبُ المُدُنَ المَنْسيّةَ، نَسْتدْرجُ ذَاكِرتَها المَفْقُودةَ، نَحْوَ تَغريدِ المَقَاهِي والرَّصِيفِ،
زَخّتِ الدُّنيَا … سأفْتحُ مِظَلَّةَ صَوتِكَ، تَقيني المَطَرَ والوَحْدةَ،
لِأقِفَ طويلاً على الرّصِيفِ المُوَازي لِحُلْمِكَ،
أَنْتَظرُ اللَّهْفةَ، تَعْبُرُ مُسْرِعةً، تُطرْطِشُ أوْجَاعنا..
يا للشَوقِ، كمْ يَحْتاجُ إلى بِلادِكَ!
يقولونَ: العُمْرُ قَصيرٌ،
ليتَهمْ جَرّبُوا الأشْواقَ، كيفَ تُكتَبُ، أو تُرسَمُ!
بَكيتُ، بَكيتُ حتّى آخِرِ لَونٍ في اللَّوحَةِ
نَلْتقي؟!
يَعْني: أنْ نأويَ إلى الشَّهْقةِ في صَمْتٍ مَريرٍ
أكتبُ بِحَبّاتِ خَرَزٍ نَحيلَةٍ، أعْبُرُ مِن سُمِّها إليكَ، وأَترُكُ خَيطَ رُوحي، يَرْفُو جِراحَكَ،
ولِأنّني امرَأةٌ مِنْ جُنُونِ الرِّيحِ،
أَتْرُكُ فِي غَابِ صَدْرِكَ حُبيباتِ طَلْعِي، أُعَوْسِجُ ما مَضَى، وأُيَسْمِنُ ما هُوَ آتٍ…
يَمُرُّ مِنَ اليُمنَى، يَتسلّقُ الأَزْرارَ، ويَدْلفُ إلى اليُسْرى،
فلا يَنامُ مِنْ ضَجيجِ النَّبْضِ، ولا يَصْحو مِن سِحْرِ المَكانِ،
هُوَ هَكَذا طَيفُكَ عَصِيٌّ على المُكوثِ أبدَاً،
أَطْلقْني قَمَراً، ألتَقطُ بَثَّ رُوحِكَ، أنّى تكونُ،
لِأنامَ فِي صَوتِكَ، مِثلَ أهْلِ الكَهْفِ مئةَ عامٍ وعامٍ، وأصْحُو صَبِيَّةً من بَنفْسَجٍ…
كُلُّ مَا في الأَمْرِ، أنّي سقطْتُ مِن يَدِها كَآنِيةٍ ثَمينَةٍ،
بِلادٌ ما عادَتْ يَدَاها تَقْوَيانِ على حَمْلِ النُّذُورِ،
إلى أينَ تَبْقَى مُرْتحِلاً هَكَذا؟!
طَيِّب، على الأقَلِّ، اترُكْ لِيَ السَّهرَ،
لمَاذا تَأخذُهُ إلى بَيتِ اللَّيلِ وتَمْضي؟!
تَعالَ… أسْكبُ في قَهوتِكَ صُبحَاً من لَيالٍ،
وعلى ارتِفاعِ أَلْفِ مِيلٍ منَ الشَّهْقةِ،
أعْلُو فوقَ سَمائِكَ صِنْوَ الدَّهْشةِ، وصِنْوَ الأنِينِ…
ليتَهمْ يَجدونَ مُخدِّراً للحَنينِ،
استبدَّتْ….استبدَّتْ بِنا المَسَافاتُ،
أرْكضُ باتجاهِ طُفُولتي، أَشْحنُها من خَيالِي، لِأبْقى على قَيدِ المُنَى،
نَطِيرُ مُمْسِكينَ بِنسَائمِ الشَّامِ، تاركِينَ لَها نَوْماً خَفِيفاً،
كمْ يُشْبهُ المَوتُ النَّومَ كَثيراً، لكنَّهُ أَبْعَدُ…يَنقطِعُ البَثُّ، فلا نعودُ
يَخْتبِئُ الرَّبيعُ خَلفَ ظَهْري، كَطِفلٍ أرْعبَهُ الظَّلامُ،
يُمْسكُ ذُيولَ ثَوبي، وأنا أُهدْهِدُ خَوفَهُ،
قطعُوا الكَهْرباءَ عنْ بلدٍ مَنْقوعٍ في حَوضِ الغَسيلِ، فلا نَظُفَ، ولا نَشَفَ!
لمْ يَبقَ لنَا سِوى فَوْحِ الحَبَقِ،
الفَوْحُ غَزَالٌ شَارِدٌ فِي الغَيبِ،
والعِطْرُ رُؤيةُ الوَردِ، لمَا بَعدَ الفَنَاءِ،
وأنَا حَبْكةُ رِوايتِكَ الأخِيرةِ،
إمّا تَكتبُني، أو كالسّاحرِ، اسحبْني مَنْدِيلاً حَرِيريّاً مِن سَاعةِ فُؤادِكَ.