مسلسل ولاد بديعة: شيطنة المجتمع والركض الملتوي وراء الغنيمة!
أحمد صلال- العربي القديم
حتى نضع القارئ والمهتم المفترض في عمق الصورة، بلا تأويل لها؛ فالهجوم ليس نشوة في الكتابة بالنسبة للناقد، وهو ليس غاية هذه الكتابة؛ بل هو المسار الذي تدفعك إليه سوية هذا العمل أو ذاك، وأنت تبحث عن الفن والمضمون واحترام عقل وذوق المشاهد فلا تجد سوى الهراء!
الإساءة للصورة الشعبية
وفي هذا السياق يحظى مسلسل “ولاد بديعة” للكاتبين علي وجيه ويامن الحجلي وإخراج رشا شربتجي، بالكثير من الشغل الشاغل لتبيض صورة النظام والإساءة للصورة الشعبية الشامية، والذي فرض علي مثلما فرض على غيري، وضعه في مكانه النقدي المناسب؛ نصوص أمنية باتت أكثر شراسة في استعمال صناع الدراما السورية لأجندة سياسية ومعنوية في شرايين الدم الدرامي من أجل الاستحواذ غير الشرعي على المشاهد وتوجيهه أو تشويشه، هذا المشاهد الذي يعيش بشكل أو آخر على واقع ومنتوج هائل وغزير من التشبيح الأسود التي تخرج بشكل أو آخر من مكاتب الفروع الأمنية.
حبوب بندول درامية عن الصمود والتصدي والمقاومة والانتصارات”الخلبية”التي لم تعد تجدي نفعاً عن واقع بلد أصبح أهله يعيشون الفقر والتشرد ومحاولة الهروب من جحيم مملكة الصمت الأسدية، دس السم بالفن ويختلط الإبداع بالأموال، لتصبح دراما رشا شربتجي على أبعد تقدير تجارة درامية يتمظهر فيها البيع والشراء في سوق نخاسة حكم البعث العلوي، و يجعل من صناع الدراما مجرد برغي في ماكينة أمنية، و يجعل الرسالة الفنية غائبة بل مغيبة، مقابل حضور الرسالة التشبيحية الرخيصة، ويغيب عنها الجودة والجدة وليس لها أي أبعاد تخيلية ومجتمعية، وحتماً سيكون لها سوق على ضفة المشاهد الموالي المستلب لباً وعقلاً.
شيطنة الشعب الفاسد
تدور أحداث العمل حول الجميلة الشريدة “بديعة” ذات القدرات العقلية المحدودة وغير المتزنة، والتي خطفت إمارات رزق قلب “عارف الدباغ” فادي صبيح، منذ أن وطأت قدمها منطقة الدباغات في”ريف دمشق”، فصاحب ورشة الدباغة لم يقاوم جمال هذه المسكينة، وأقام علاقة غير شرعية معها أثمرت عن التوأم “ياسين”و”شاهين” اللذين بقيا في كنف الأب وتحت عينيه دون أن يثبت نسبهما. وبالمقابل هناك “مختار الدباغ” ابن “عارف” الشرعي من سيدة ثرية لطالما عاملته باستعلاء، ليندلع الصراع بين الإخوة الثلاثة، حول شرعية النسب، وثروة الأب التي انتزعها التوأم من ابنه الأكبر، وتقاسماها مع “سكر”، بعدما قتل “مختار” أمهم “بديعة”.
تركيبة الشخصيات، وشكلها، وتعابيرها، ولوازمها اللفظية في “ولاد بديعة”، تقدم خدمة كبيرة لصورة النظام الحاكم حيث يمثل ثنائية الخير والشر، حيث شيطنة الشعب الفاسد المندفع وراء صراعات واقتتالات منبعها الفساد وضياع النسب، وتبرئة النظام القاتل، ليس الجميع يفكر بعقل”سكر”سلافة معمار قائلين “ما بيشغلني”، ويصنع كل هذا؛ ترند تسويقي يبحث عن التداول والتفاعل معه.
ولعل ممثلي”ولاد بديعة”محمود نصر، وسامر اسماعيل، ويامن الحجلي مع سلافة معمار بالإضافة لكامير رشا شربتجي، عوامل ساهمت في غياب النجومية عن العمل وتصنيفه بالغريب عن البيئة الشعبية الدمشقية، حيث الحكاية غير المثيرة للاهتمام رغم كل التوابل التجارية والعنفية التي أضيفت لها، فهي لا ترقى أن تكون حكاية جديرة أن تروى بصرياً.
صورة متخبطة غارقة في الأذى
إخراج شربتجي يقوم على الارتجال والعشوائية التي تتخبط فيها الصورة والحكاية، ويحضر الاسفاف الفكري! وغياب الحس النفسي، والموسيقى لا علاقة لها بالمشاهد. موسيقى تشويقية/suspenses لا علاقة بالتشويق والإثارة؛ أما الملابس لم تتغير على جلد الشخصية الملابس هي ذاتها من الحلقة الإولى حتى الآن؛ وتكرار الحوار بشكل فظيع ومملل.
والسؤال الجوهري لماذا أصبحت الدراما السورية عبارة عن صراع دموي ومفرط بالعنف، أجواء قتل هابيل لأخوه قابيل تفوح من حمولات الحوار والسيناريو والصورة البصرية وحركة الكاميرا، صراع دموي في خلفيته ملامح سياسية لا يمكن أن تقاوم حجم العفونة التي تشبه البصل العفن في صحن”شنكليش”!
القضية بكل بساطة؛ يعود لزيف العطاء الفني؛ وعدم الإيمان بقضية الفن؛ وغياب البحث الجدي والابتكار. صراعٌ دموي، بكل ما تعني الكلمة من معنى، تنقله كاميرا المخرجة رشا شربتجي بقسوة مفرطة، قد لا تتناسب مع طبيعة مسلسل يقدم للعائلة في رمضان، ودون تنويه لحساسية المشاهد وقسوتها، ومنها مشهد انتقام التوأم في “ياسين” و “شاهين” من “مختار” بإخصائه في الحلقة التاسعة. وكذلك مشهد قيام الطفل “مختار” بشنق قطط “ياسين” و”شاهين”، و”سكر” انتقاماً منهم على تنمرهم المستمر عليه في حلقة سابقة، ورداً على بعض الأصوات المنتقدة لهذا المشهد بالذات أكدت المخرجة رشا شربتجي، في منشور عبر حسابها الرسمي على إنستغرام، أنه لم يتم إيذاء القطط، أثناء تصويره. لكن تكريس صورة الإيذاء بصرياً ولو بخدع بصرية أمر مؤذ تربويا وإنسانيا، كذلك الحال بالمشاهد الحرجة نسبياً ولا تتناسب مع قيم وتربية وفكر مجتمعنا المحافظ، منها مشهد الممثل غزوان الصفدي مع سلافة معمار في غرفة النوم. ناهيك أيها القارئ الكريم عن المقاصف وحياة الليل الحمراء والملابس الفاضحة التي تظهر أكثر مما تخفي بكثير، والكحول والمخدرات الخفيفة والثقيلة والدعارة.
دراما الانحطاط المجتمعي
إذن فهذا الانحطاط والانحدار الدرامي؛ طبيعي أن يحدث أمام التهافت والركض على خطى ثابتة وصلبة تجعل من المشاهد غنيمة يركض ورائها صناع الدراما بطرق ملتوية؛ لاستقطاب وتدجين مشاهد يجب أن يستسلم لقيم الفساد الاجتماعي التي تحيط به كما يقول لنا هذا العمل الغث… إنه عمل فريق كامل يقوم على عبادة البوط العسكري من أجل ان يستمر في دوس هذا المجتمع المتفسخ المتعفن الغارق في العنف والقسوة والهمجية.