قصد السبيل | كلمات في وداع محمد الشاويش

د. علاء الدين آل رشي

مضى ابو صامد فيلسوف التغيير المثمر..أ.د. محمد شاويش. رحل في الخامس والعشرين من حزيران / يونيو المنصرم في منفاه القسري بألمانيا، وهو في الثالثة والستين عاماً، مغترباً عن فلسطين التي انتمى إليها، وعن سوريا التي ولد وعاش فيها.

ما أقسى ألم الغربة وما أشد وطأة الجهل عندما يحاصر الوعي فيغدو الإنسان غريبا بين قومه ويجتمع هم كربة البعاد عن الوطن وغم جهل العشيرة به ..

محمد شاويش، اسم كبير مستقل في عالم لا يصفق إلا للعقل الصفري أو المروجين والمهرجين… ويهمل أهل الحقيقة الناصعة التي يدركها العقل والقلب والإحساس السليم.

 ولد محمد شاويش في سوريا عام 1961. من أصول فلسطينية الجليل الأعلى مهجر قسريا لمرتين قبل الولادة 1948، وبعد الولادة الملاحقة 1990 فأصبح لاجئا في ألمانيا، تخصصه العلمي الهندسة الكهربائية وحصل على إجازة في الشريعة واصول الدين ثم شهادة الماجستير في الدراسات العربية واللغات السامية ثم الدكتوراه في مشكلة ترجمة الظلال الدلالية من النصوص الأدبية العربية الى الألمانية.

د. محمد شاويش مفكر يتميز تأصيله  مفهوم “الوعي” وأهميته في تغيير الواقع الراهن.  يُعرّف الوعي بأنه ليس [مجرد توفر معلومات كافية عن الواقع أو حكم أخلاقي نطلقه عليه، بل هو معرفة كافية بالواقع القائم وبالجوانب التي يلزم تغييرها فيه4.].

يعد الوعي العملي، الذي يقترن بالسلوك المتوجه إلى تغيير هذه الجوانب، هو “الوعي المناسب” الذي يتحدث عنه د، شاويش4.

تحرر د. شاويش من عقد الوفاق المطلق مع الغرب أو الشقاق المتعمد معه، وذلك من خلال  موقفه المعتدل من الغرب وإنجازاته، رغم شيوع النكران المتبادل لأثر الحضارات البيني اي تأثر الحضارة الغربية بالحضارة الإسلامية ورغم أن الحضارة الغربية قد ظلت تخفي هذا الأثر، كما سبق وأن أخفت أثر الحضارة العربية الإسلامية في النهضة الغربية الأولى، فإنه قد صار متأكدا اليوم. وعلى الباحث الحصيف أن يدرك أن الحداثة الغربية في حدّ ذاتها هي جماع رؤى دينية وفلسفية شرقية وشرق أوسطية كثيرة قامت على التمازج والتفاعل، وأنها قد استقت كثيرا من مفاهيمها التي صنعت منعرجات حاسمة في الفكر البشري المعاصر من البوذية والكنفشيوسية والطاوية والزينية وغيرها …

حذر شاويش من تداعيات الواقع العربي الحالي، ودعا إلى امتلاك الوعي المناسب الذي يتميز بأنه يقوم على المعرفة الكافية بالواقع القائم وبالجوانب التي يلزم تغييرها فيه، إضافة إلى أنه وعي عملي، يقترن بالسلوك المتوجه إلى تغيير هذه الجوانب4.

من بين مؤلفاته، يُذكر كتاب “من فتى؟ الوعي المناسب لمجتمع في خطر” وكتاب “نقد الوعي العربي”، وكتاب “الثقافة العربية المعاصرة من الوصف إلى التغيير”، والتي تهتم جميعها بالوعي والنهضة وما يرتبط بهما من إشكالات فكرية واجتماعية4.

يُعتبر فكر د. محمد شاويش مهماً لفهم الديناميكيات الثقافية والاجتماعية في العالم العربي، فهو يُقدم رؤى قيمة حول كيفية التغلب على التحديات الوجودية التي تواجه الجماعتين العربية والإسلامية4.

د. محمد شاويش يُعد من المفكرين الذين يسعون إلى تحليل الثقافة العربية المعاصرة من خلال منظورات لسانية واجتماعية5. يُركز في أعماله على مفهوم “الثقافة” كمصطلح حديث في اللغة العربية، مُشيراً إلى أنه يعكس الطريقة الخاصة لكل جماعة بشرية في التعامل بين أفرادها وبينهم وبين الطبيعة5.

يُعرّف شاويش الثقافة بأنها تشمل جملة القواعد التي تحدد أشكال التعامل بين البشر، وكذلك الطرق النوعية التي تميز جماعة بشرية محددة في تعاملها مع الطبيعة5. يُشدد على أن الثقافة تتضمن الأدوات المنتجة لاستعمال الطبيعة والمنتجات المادية، وكذلك المنتجات الذهنية مثل النثر والشعر والفلسفة5.

من الجديد في فكره هو تأكيده على أهمية “الوعي المناسب” كشرط لتغيير الواقع المأساوي الذي يعيشه العالم العربي6. يُعتبر الوعي المناسب ذلك الذي يقوم على المعرفة الكافية بالواقع القائم وبالجوانب التي يلزم تغييرها فيه، وهو وعي عملي يقترن بالسلوك المتوجه إلى تغيير هذه الجوانب6.

يُعتبر فكر د. محمد شاويش مهماً لفهم الديناميكيات الثقافية والاجتماعية في العالم العربي، ويُقدم رؤى قيمة حول كيفية التغلب على التحديات الوجودية التي تواجه الجماعتين العربية والإسلامية6.

كتاب “نهضات مجهضة” للدكتور محمد شاويش يستعرض مجموعة من المحطات التاريخية الحضارية التي تعرضت للإجهاض بفعل الظروف المحيطة بها. يهدف الكتاب إلى تقديم تجارب هذه النهضات بكل ما اكتنفها من آمال وما أحاط بها من إحباطات، وذلك بهدف استخلاص الدروس التي يمكن أن تجنب المستقبل تكرار مثل هذه الإخفاقات.

يضم الكتاب خمس محطات لخمسة أعلام، ويقدم قراءة في سيرة حياتهم وأهميتهم ليس فقط من الناحية السياسية العامة، بل من منظور أهميتهم في جدلية الهوية والفاعلية. يُعد الكتاب مساهمة قيمة في فهم العوامل التي تؤدي إلى إجهاض النهضات وكيفية تجنبها في المستقبل

في كتاب “نهضات مجهضة” للدكتور محمد شاويش، توقف الكاتب عند خمس شخصيات تاريخية هامة3. هذه الشخصيات هي:

1.         عمر مكرم: وهو شخصية مصرية بارزة لعبت دورًا مهمًا في الفترة الانتقالية في مصر أثناء الغزو الفرنسي وبعد رحيل الفرنسيين.

2.         عبد الكريم الخطابي: قائد المقاومة الريفية ضد الاستعمار الإسباني في المغرب.

3.         عبد الله النديم: كاتب وخطيب مصري، كان له دور بارز في الحركة الوطنية المصرية.

4.         مصطفى كامل: مؤسس الحزب الوطني في مصر ومن أبرز الشخصيات في النضال الوطني ضد الاحتلال البريطاني.

5.         محمد فريد: خليفة مصطفى كامل في قيادة الحزب الوطني ومواصلة الكفاح الوطني ضد الاستعمار.

يُعتبر هذا الكتاب محاولة لتحليل الأسباب التي أدت إلى فشل هذه الشخصيات في تحقيق النهضة الكاملة التي كانوا يسعون إليها، ويقدم دروسًا يمكن استخلاصها لتجنب تكرار هذه الإخفاقات في المستقبل.