رسائل وطموحات سورية في ظلال الجمهورية الثانية
الدعوة التي أطلقها مستشار رئاسة الجمهورية "أحمد موفق زيدان"، لحل جماعة الإخوان المسلمين في سورية، تحمل في طياتها أبعادا استراتيجية بعيدة المدى لسورية المستقبل القوية الموحدة

حازم بعيج – العربي القديم
تقع الجمهورية العربية السورية في منطقة جيواستراتيجية بالغة الأهمية، متقدمة في معظم الأحيان على فهم النخب والمجتمعات، فهي (المنطقة الشامية) في الوعي الدولي تمثل مركزا وحيدا في منطقة “قلب العالم الإلهي”، وهي محفل تصادم وتلاقح الحضارات الدينية، ومحطة عبور تجارية واقتصادية دائمة، ولم تخرج من التاريخ المعاصر إلا بتقزيمها إلى طوائف وإمارات ودويلات وأشباه حضارات متطفلة قائمة على فتات المال الأجنبي والثقافات المجتزأة من التاريخ.
وما زالت تعيش سورية حالة من الغليان السياسي والاقتصادي المتقلب منذ وجودها كدولة عربية بدايات القرن الماضي، فلم تنعم في كل مراحلها بأي من حالات الاستقرار، لغياب مشروع السياسة الواحدة عن طليعتها ونخبها وأكثريتها الدينية الممثلة بالمسلمين، ولعوامل إقليمية ودولية ترهن سياسة وتطلعات السوريين في منطقة حساسة من العالم، بعيدا عن مصالح المجتمع السوري الحضارية كقوة مركزية تمثل خيمة للمشرق العربي المهلهل، وعاملا للاستقرار الإقليمي الذي لا يفوت مكاسب ومصالح المجتمع السوري، أو يتعارض مع مصالح البيئة العربية المسلمة في الجوار المحيط.
فالعمل الجراحي الناجح والشاق المتمثل في خلق مسار سياسة جديدة لسورية يختلف عن مسارها السابق، المفضي إلى تحرير دمشق، حدث جلل، يمكن التعويل عليه في صناعة وجه جديد للمنطقة قادر على معالجة تحديات سياسية كان من المستحيل تخيل المنطقة بدونها، هذا الأمر الذي يحتاج إلى إيمان وعمل ووحدة عابرة للانتماءات الضيقة أو دون الدولة، في سياق الدولة الحارسة، الدولة الواعدة، الدولة النموذج لدول المنطقة كلها في الخروج من عنق الزجاجة إلى مسارات متصالحة مع تاريخ الأمة وأصالتها وميراثها العظيم، ومتطلعة إلى إحداث تغيير إيجابي في بنية العلاقات الدولية المعاصرة على مستوى الإقليم، كما فعل صدى تحرير دمشق عربيا وإسلاميا.
ففي هذا السياق ظهرت الدعوة الكريمة التي أطلقها معالي مستشار رئاسة الجمهورية للشؤون الإعلامية “أحمد موفق زيدان”، لحل جماعة الإخوان المسلمين في سورية، إذ تحمل في طياتها أبعادا استراتيجية بعيدة المدى لسورية المستقبل القوية الموحدة كما يراها فخامة رئيس الجمهورية أحمد الشرع وفريق عمله، وترسيخا للمرجعية الإسلامية الحقيقية، وهي ليست كما يصور البعض تلميحا بالضغط الحكومي، أو تلويحا بالخصومة، وليست مشترطة على دمج كوادر الجماعة في السلطة بمقابل حل الجماعة نفسها، بل لأن المأمول من كوادر الجماعة في الدولة إنتاجية فريدة نوعية كما عهدتهم بلدان المهجر وجامعات العالم مثالا للفرد المؤمن المتفوق، ووجود التنظيم يحد من الإنتاجية والحراسة المأمولة منهم لأسس كيان الدولة الجديد، فالقوم الذين صقلت خبراتهم تجارب المهجر وخبرات الزمن المتراكمة وشابوا فلم تبرد حرارة الإيمان والعمل في قلوبهم! ليسوا بعيدين عن تطلعات واستحقاقات الجمهورية العربية السورية الجديدة التي ترقى لطموحات قادتها وشعبها. ولن تكون مرحلة الرئيس عبد الناصر أوجب من مرحلة الرئيس أحمد الشرع لتحل الجماعة نفسها، أو لتبادر مبادرة جريئة في تاريخ السياسة الداخلية السورية، ولهذا واجب الدولة اليوم أن تمد يدها لإخوانها بما يبرد هواجسهم، ويدفع الشك والريبة عن واقعية متمثلة للعيان في المشهد السياسي السوري، ويعزز موقف الأشقاء في السلطة وحق إدارة الدولة السورية الحديثة، فبتقديري المتواضع لن تكون الجماعة حالةَ مفاصلة وشماعة لصدام إسلامي – إسلامي، أو ستارة لأعمال سياسية طائفية بذريعة وجود جماعة الإخوان، أو سببا لحروب إعلامية تشن على السلطة الواعدة، في الوقت الذي ندرك مخاطر تأثير إمبراطوريات الإعلام على الرأي العام، وتواضع مقدراتنا الإعلامية في دحض الشبه وتقليل آثارها السلبية على السلطة ومحكوميها.
إن المأمول أن يتحقق نقاشٌ وتعاون يفضي إلى معالجة مخاوف الإخوان النابعة من إدراك تقلبات السياسة وسقف التحديات والإمكانيات السورية للوصول إلى إنجاز الدولة القوية الواحدة، نقاش يتمدد إلى معاينة محايدة لتجارب الإخوان في الأقطار العربية وتركيا دون اعتبارها نموذجا تقدميا، بل متقدما على أقل تقدير، وهذا ما يستلزم مشاورات موسعة وآلية عمل محددة بين الدولة والجماعة للوصول إلى إعلان تاريخي يدمج قوى الجماعة بشكل فاعل في عملية صنع القرار وإدارة الدولة والمجتمع، ويكون اختبارا لمؤسسات الجماعة في العمل الاجتماعي الرديف لعمل مؤسسات الدولة التربوية والدعوية…
فهي بكل تأكيد مسيرة مشاورات ليست قصيرة، بالنظر إلى تاريخ الجماعة العريق وأدوارها الكبرى، وبالنظر إلى طموحات الجمهورية الثانية وتحدياتها، في الوقت بدل الضائع أمام مستقبل سورية والسوريين، فالعلاقة التي تتطلع لها جماعة الإخوان المسلمين في سورية نحو السلطة، ليست علاقة عداوة أو خصومة، أو تنافسية، بقدر ما هي علاقة أخوة قائمة على التعاون على البر والخير، ورفض للإثم والعدوان وما يتعارض مع مصالح الدولة والشعب العليا.
للوصول إلى نقطة متقدمة فاعلة: متى يلتقي فخامة رئيس الجمهورية بفضيلة المراقب العام للجماعة؟!