المحاسبة وزعماء المكونات الدينية: مساواة أم محاباة؟!
الازدواجية في التطبيق لأي سبب كان تأسيس غير مقبول لاستثناءات فوق قانونية لا ينبغي وجودها في دولة نطمح جميعا أن تكون عصرية

محمود القداح – العربي القديم
منذ اليوم الأول لتحرير سورية من نظام العسف والفساد والظلم تعالت أصوات كل الشعب السوري بمكوناته المختلفة بالمطالبة بدولة القانون والعدل، لإدراكهم أن هذا هو الأساس المتين الذي يمكن أن تبنى عليه دولة عصرية وطنية فوق طائفية؛ فوجود الناس جميعا تحت سقف القانون ومنذ البداية هو الضمانة لتحقيق العدالة، الآن ومستقبلا، فالعدل مطلوب رغم الظروف غير العادية التي تمر بها سورية حاليا لأنه من الخطورة والأهمية بحيث لا يمكن التغاضي عنه أو حتى تأجيله… وهذا حق سيادي لا يجب السماح لأي طرف خارجي بالتدخل فيه، ويقع على عاتق السلطة إيجاد الوسائل لتحقيق ذلك .
ذلك أن عدم تطبيق القانون الآن على الجميع بشكل متساو سيؤسس لحالة من التمييز والتمايز على أسس غير وطنية، سيكون لها آثار سلبية لاحقا. ومن هنا أستغرب من أصوات تعلو وتطالب بعدم تطبيق القانون على بعض الأشخاص بسبب انتمائهم الطائفي، خوفا من أن يؤدي ذلك إلى إرباك و اضطراب مجتمعي، والذريعة هي الحفاظ على سورية الناشئة!
لكن الواقع أن هذا بالضبط ما سوف يؤدي إلى أضرار مستقبلية على سورية الناشئة، أكبر من التي يمكن أن تحدث الآن فيما لو طبق القانون بشكل حازم على الجميع دون تمييز . والمثال الواضح هو زعماء أربعة مكونات كل منهم كان تابعا ومؤيداً للنظام البائد .
الأول: وقد تم القبض عليه وهو مفتي البراميل (السني) أحمد بدر حسون حيث لم يتعاطف أحد معه، كل أبناء طائفته طالب باعتقاله ومحاسبته وقد ابتهج الجميع بفعل ذلك وهذا ما نتمناه من بقية أخوتنا السوريين .
الثاني: فهو غزال غزال شيخ الطائفة (العلوية) الذي لم يكتف بالتبعية فقط بل كان يفاخر بالظهور مسلحا سوية مع جزار بانياس العلوي التركي، فهو قد تعدى صفة التبعية والتأييد إلى التورط في الفعل، ولكن مازال يتحدث باسم طائفته دون أن يتعرض لأي ملاحقة أو نية لذلك… و لم نسمع أصواتا واضحة من أبناء طائفته تطالب بمحاسبته أو على الأقل إزاحته عن المشهد .
الثالث: هو الشيخ حكمت الهجري الذي أضاف للتأييد محاولة الانفصال، وعدم الاعتراف بالحكومة، واتهمها مرارا بالإرهاب، والأخطر طالب بحماية دولية، ودعم الكيان الصهيوني… وكحال غزال لم يطالب الأخوة الدروز بمعاقبته أو عزله . وقليل جدا من تجرأ على انتقاده فقط.
الرابع: هو البطريرك يوحنا اليازجي زعيم الطائفة المسيحية وهو كسابقيه تابع ومؤيد ويستحق الملاحقة والمسائلة والعزل، علما أن الكثير من الأخوة المسيحيين قد طالبوا بتنحيته عن كرسيه الكنسي بسبب تأييده للنظام السابق إضافة إلى ملفات فساد داخلية لكن ذلك لم يجد نفعا إلى الآن ! ربما بسبب فيتو خارجي يتشبث ببقائه.
إن العدل والقانون يقتضي المساواة بين كافة المواطنين بالثواب والعقاب، أما الازدواجية في التطبيق لأي سبب كان فهو تأسيس غير مقبول لاستثناءات فوق قانونية لا ينبغي وجودها في دولة نطمح جميعا أن تكون وطنية عصرية، لا ينجو فيها مطلوب بسبب عرقه أو طائفته، لأنها أسهل الوصفات لتقويض كل الإنجازات التي يمكن أن تتحقق في المستقبل.
لاشك أن تطبيق العدالة وإخضاع هؤلاء و أمثالهم لسلطة القانون قد يثير ردود أفعال طائفية (لا مبرر لها) وهذا بدوره يثير تساؤل مشروع من قبل كل الشعب السوري عن جدية ما يطرحه أبناء المكونات من رغبة حقيقية في بناء دولة المساواة والعدالة.
إلا إذا كانوا يرفعون ذلك مجرد شعارات نظرية تتهاوى عند محاولة تطبيقها بحق زعمائهم أو حتى مطلوبين على خلفية جنائية من أبناء طوائفهم كما حدث قبل فترة قصيرة في محافظة السويداء بكل أسف.