الرأي العام

النيران تلتهم غطرسة الدب الروسي وتمرغ أنف بوتين: انتهت حلول الأرض.. فليحترق كله!

بلال الخلف – العربي القديم

بينما تتواصل الحرب الروسية الأوكرانية، ويشهد العالم فصلاً جديداً من تاريخ الإرهاب الروسي، يظهر جلياً في الأسابيع الأخيرة كيف انقلبت الأمور رأساً على عقب. لقد خاضت روسيا هذه الحرب معتقدة أنها ستنتهي بانتصار سريع وحاسم لن يتجاوز الأسابيع في أحسن تقدير، ولكن الآن، تجد نفسها غارقة في مستنقع لا تلوح له نهاية. فمن كان يظن أن القوة التي اعتادت على ممارسة الهيمنة والظلم ستنكسر أمام مقاومة أوكرانية صلبة وشجاعة؟ الحرب التي كان يُراد لها أن تكون استعراضاً للقوة الروسية، تحولت إلى مشهد يملؤه الضعف والانهيار.

بكل خطوة تخطوها روسيا في هذه الحرب، يتضح أكثر أنها أساءت تقدير قدرتها على فرض إرادتها بالقوة. فما كان يُعتقد أنه اجتياح سهل لأوكرانيا، تحول إلى كابوس يتجسد في الخسائر البشرية والمادية، وانهيار سمعة روسيا العسكرية على الساحة الدولية. لقد كانت موسكو تتوقع أن تُرهب العالم بأسره، لكنها بدلًا من ذلك أصبحت مثار للسخرية والشجب. الجنود الذين أرسلوا لغزو أوكرانيا عادوا – إن عادوا – وهم يحملون جراحهم النفسية والجسدية، وقد تآكلت معنوياتهم في مواجهة شعب يدافع عن أرضه بكل شراسة.

وفي الوقت الذي تصر فيه روسيا على التوغل في مستنقع هذه الحرب، نجد أن الاقتصاد الروسي يتهاوى تحت وطأة العقوبات الدولية، بينما تتضاءل الموارد العسكرية أمام مقاومة أوكرانية غير متوقعة. كل هذا يعيد إلى الأذهان دروس التاريخ حول الغطرسة والتورط في حروب غير محسوبة

العواقب. فالدب الروسي الذي طالما أرهب العالم بسلاحه النووي، أصبح الآن محاصراً في مصيدة صنعها بيديه.

لقد كانت هذه الحرب نقطة تحول ليست فقط لأوكرانيا، بل لروسيا أيضًا، إذ أنها كشفت للعالم بأسره ضعفًا عسكريًا وسياسيًا كان مستتراً خلف حجاب البروباغندا. ومن كان يظن أن نهاية الغطرسة الروسية قد تبدأ على أرض أوكرانيا؟

كورسك… لم تكن مناورة عسكرية!

وسط كل هذه الفوضى والمعاناة التي سببتها الحرب الروسية الأوكرانية، جاءت محاولة زيلينسكي الأخيرة لغزو كورسك بمثابة خطوة جريئة وغير متوقعة. تلك المحاولة التي وصفها البعض بأنها انتحارية، لم تكن مجرد مناورة عسكرية، بل كانت رسالة قوية للعالم بأن أوكرانيا ليست مجرد ضحية في هذا النزاع، بل خصم شرس يرفض الاستسلام.

وفي الوقت الذي توقع فيه الروس أن يظلوا في موقع الهجوم دون أن يتعرضوا لأي تهديد على أراضيهم، جاءت هذه الخطوة لتذكرهم بأن زمن التفوق الروسي المطلق قد ولى. والمحاولة، بغض النظر عن نتائجها العسكرية، كانت ضربة معنوية لروسيا، التي لم تتوقع أن يجرؤ زيلينسكي على الاقتراب من حدودها، ناهيك عن محاولة غزو إحدى مدنها الاستراتيجية.

الروس، الذين طالما نظروا إلى أوكرانيا على أنها مجرد هدف سهل، وجدوا أنفسهم فجأة في موقف دفاعي، مضطرين لمواجهة خصم استطاع قلب الطاولة عليهم. ورغم أن البعض قد يعتبر محاولة زيلينسكي نوعًا من المخاطرة الكبيرة، إلا أنها أظهرت الشجاعة والجرأة التي يفتقر إليها الروس في هذه الحرب. ففي كل مرة يظن فيها الكرملين أنه قد أحكم قبضته على الموقف، يأتي زيلينسكي ليظهر لهم أن الأمور ليست بهذه السهولة.

ومن هنا، تتحول السخرية من الموقف الروسي إلى مشهد يُظهر هشاشته، فكيف لدولة عظمى أن تجد نفسها في مواجهة تهديدات تأتي من حيث لا تتوقع، وهي التي كانت تطمح لابتلاع دولة صغيرة بنظرة ازدراء؟ يبدو أن الروس بحاجة إلى مراجعة حساباتهم، لأن زيلينسكي أثبت لهم أن المعركة لم تنتهِ بعد، وأن من يضحك أخيرًا يضحك كثيراً.

كارثة مصافي روستوف

في خضم سلسلة الانتكاسات الروسية، جاءت ضربة مصافي روستوف النفطية لتضيف مزيداً من الحرج إلى موقف الكرملين. الهجوم الذي استهدف هذه المصافي أشعل الحرائق فيها لمدة خمسة أيام متواصلة، تاركاً الروس في حالة من العجز التام عن السيطرة على الكارثة. فبينما كانت ألسنة اللهب تلتهم المنشآت، انتشرت بين الأوساط الروسية جملة ساخرة تعكس حالة اليأس: “انتهت حلول الأرض، الأمر متروك لتحترق كلها.”

هذا الحريق لم يكن مجرد حادث عرضي؛ بل كان ضربة موجعة للبنية التحتية النفطية في روسيا، مما أدى إلى تعطيل جزء كبير من الإنتاج وتكبيد موسكو خسائر اقتصادية فادحة. على الرغم من كل المحاولات اليائسة لإخماد الحرائق والسيطرة على الوضع، إلا أن الأضرار التي لحقت بالمنشآت كانت أكبر من أن يتم تجاهلها. ومع كل يوم يمر، كان المشهد يتجلى بصورة أكثر قتامة، حيث أصبحت النيران رمزًا للفشل الروسي في حماية أحد أهم مواردها الاقتصادية.

إن هذا الحريق لم يكن مجرد حادث عابر في سياق الحرب، بل كان انعكاسًا لحالة التخبط والارتباك التي تعيشها روسيا في مواجهة الأزمات المتلاحقة. ومرة أخرى، يُثبت الواقع أن الغطرسة الروسية لم تجلب لها سوى الهزائم المتتالية، لتظل النار مشتعلة، تمامًا كما تتزايد حرائق الحرب التي أطلقت شرارتها روسيا بنفسها.

سريسكي مع زلنسكي: خطط عسكرية جديدة أذلت الدب الروسي

سريسكي رمز للمقاومة والذكاء العسكري

في خضم الحرب الروسية الأوكرانية، برزت أسماء عديدة على الساحة، لكن هناك شخصاً واحدًا أثبت نفسه كالرجل الشجاع والخفي الذي يعمل بصمت وفعالية خلف الكواليس، إنه الجنرال أولكسندر سريسكي. هذا القائد العسكري الأوكراني أصبح رمزاً للمقاومة الصلبة والذكاء العسكري في وجه واحدة من أكبر القوى العسكرية في العالم.

في ظل قيادته الفعالة، لا يمكن إنكار أن سريسكي قد حقق العديد من الإنجازات العسكرية البارزة، حيث ساهم في تغيير مسار الحرب لصالح أوكرانيا في عدة مناسبات. ولكن كما هو الحال في أي عمل، هناك جوانب إيجابية وسلبية يمكن التطرق إليها.

من الناحية الإيجابية، يُعتبر عمل سريسكي في إدارة العمليات العسكرية نموذجاً يُحتذى به في التخطيط والتنفيذ. استطاع أن يستغل نقاط ضعف العدو ببراعة، معتمدًا على استراتيجيات مبتكرة وتقنيات حديثة في الحرب، مما أدى إلى تحجيم تقدم القوات الروسية في العديد من المناطق. أسلوبه القيادي ألهم القوات الأوكرانية للاستمرار في القتال، رغم الظروف الصعبة، وبث روح المقاومة والتحدي في نفوسهم.

ومع ذلك، لا يخلو هذا العمل من السلبيات. فعلى الرغم من النجاح العسكري، يواجه سريسكي تحديات كبيرة تتعلق بالحفاظ على هذا الزخم على المدى الطويل. الضغط المستمر والطبيعة غير المتوقعة للحرب تجعل من الصعب الحفاظ على النجاحات دون تكبد خسائر بشرية ومادية كبيرة. إضافة إلى ذلك، قد يكون التركيز على العمليات الهجومية وحدها دون معالجة القضايا اللوجستية والبنية التحتية تحديًا كبيرًا لأوكرانيا في المستقبل القريب.

بإيجابياته وسلبياته، يظل عمل سريسكي مثالاً حياً على القوة القيادية والإرادة الصلبة. نجاحاته تعزز موقف أوكرانيا في الحرب، ولكنها تتطلب أيضًا التفكير المستمر في كيفية مواجهة التحديات المستقبلية بطريقة تضمن استدامة تلك الإنجازات.

النيران تملأ سماء روستوف وتتسبب في أضرار ام يكن بوتين يتصورها

وفي النهاية، تبدو روسيا اليوم كمن يرقص على حافة هاوية حفرها بنفسه. فبعد كل ادعاءاتها بالقوة والهيمنة، تجد نفسها عاجزة عن إخماد النيران التي أضرمها أعداؤها في قلب مصافيها، وتلهث خلف رجل خفي يوقعها في الفخاخ واحدة تلو الأخرى. وبينما يتراكم الرماد على ما تبقى من غرورها، يبدو أن كل ما يمكننا قوله هو: انتهت حلول الأرض، الأمر متروك لتحترق كلها. ولعلها نهاية تستحقها قوة ظنت يومًا أنها لا تُقهر.

زر الذهاب إلى الأعلى