هل يدفن المشروع الايراني مع دفن حسن نصر الله؟

أسامة المصري
قبل أن يدفن حزب الله أمينه العام انتخب اللبنانيون رئيسهم، وتشكلت حكومة وطنية حرة، وتجاوز لبنان عصر سيطرة حزب الله على القرار اللبناني، وأعتقد أن أخر مشهد احتفالي للحزب الايراني في لبنان سيكون مشهد دفن أمينه العام السيء الذكر حسن نصرالله الذي لعب دورا أساسيا طوال أكثر من اربعين عاما من تأسيس هذه الذراع الايرانية لتكون خنجرا فارسيا مسموما في خاصرة لبنان ودول المنطقة. ودفن نصر الله هو دفن لمشروع ايران في لبنان.
فالسيء حسن، وفي محطات اعلامية متعددة، تباهي بأن حزبه مشروع فارسي طائفي يهدف إلى تحويل لبنان لجزء من الدولة الفارسية بقيادتها الدينية المتمثلة بالولي الفقيه، فيما أكد في أكثر من مناسبة أن تمويله وأسلحته وكل شي من سيده الحاكم في طهران.
سبق تأسيس (حزب الله) في لبنان تدفق المئات من عناصر الحرس الثوري الإيراني، الذي فتح له الطريق حافظ الأسد بالسماح لعناصره بالدخول إلى لبنان عبر سوريا، وتأسيسهم قواعد عسكرية في البقاع اللبناني إثر الاجتياح الإسرائيلي للبنان صيف عام ،1982 لتكون بداية لمرحلة جديدة في جنوب لبنان أي (تبديل العدو).
منذ اتفاق القاهرة عام 1969 الذي فرضه عبدالناصر على لبنان والذي سمح بموجبه للمقاومة الفلسطينية بالتواجد في لبنان ومواجهة اسرائيل من جنوبه، وحتى الاجتياح عام 1982 كانت منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات هي عدو اسرائيل الوجودي، وشكلت المنظمة تهديدا حقيقيا لأمن إسرائيل، لكن مع طرد القوات العسكرية للمنظمة إثر الاجتياح الاسرائيلي للبنان، بات الطريق معبدا أمام نشوء (عدو) جديد على حدودها الشمالية لا تعنيه ارض فلسطين ومقدساتها، فسارعت ايران وحافظ الأسد لتأسيس حزب الله لملء الفراغ الذي خلفه إبعاد منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان، وهذا بالطبع ما ترحب به إسرائيل، التي اختبرت حافظ الأسد، بضبط حدود سوريا بعد حرب 1973 .
العدو المفترض الجديد أي حزب الله الذي حل محل منظمة التحرير لا تعنيه فلسطين ولا أرضها ولا القضية ولا الأماكن المقدسة في فلسطين فهو العدو البديل المناسب وهذا ما أرادته اسرائيل وايران بمشاركة حافظ الأسد (عدو منضبط) يعمل ضمن قواعد اشتباك منضبطة، وهذا ما تريده اسرائيل ويعطي الشرعية لوجود ايران في لبنان والمنطقة لتكون هي العدو الصوري لإسرائيل وليس أصحاب الحق أي منظمة التحرير الفلسطينية، أو حتى الدول العربية مع تحويل الصراع من صراع عربي صهيوني، صراع على الأرض والوجود إلى صراع ديني عبثي لا طائل منه، وهذا ما تجلى طيلة العقود الماضية بعد تأسيس حركة حماس وحزب الله ومن خلفهما ايران، ومع تراجع اليسار الإسرائيلي الذي عقد اتفاقات أوسلو واغتيال اسحاق رابين عام 1995ومن ثم ياسر عرفات، وتقدم اليمين الإسرائيلي المتطرف وتوليه السلطة. منذ ذلك التاريخ دفعت اسرائيل لتحويل الصراع العربي الصهيوني بين إسرائيل ومنظمة التحرير والعرب عموما من صراع على أرض ووجود إلى صراع معنوي ديني، صراع على مقدسات. وتبدلت لغة الخطاب السياسي في كلا الطرفين الإسرائيلي والمقابل أي حماس وإيران وحزب الله إلى خطاب ديني متطرف يتحدث عن حرب الاسلام واليهود والمقدسات .
وختام المشهد كان معركة ما سُمي بطوفان الأقصى. وما جرى بعد تلك العملية يعبر عن حقيقة ما خططت له اسرائيل وايران، فالمعركة كانت بين إسرائيل من جهة وايران وأذرعها من حزب الله وحماس والميليشات العراقية وصولا الى الحوثي في اليمن من جهة أخرى، وغاب الدور الفلسطيني وحتى ذكر كلمة فلسطين، وتصدرت المشهد حماس وايران وحزب الله وميليشيات ايران، وطوال الحرب برز بشكل واضح التحول النهائي بشكل الخطاب السياسي الذي يتحدث عن إسلام متطرف وداعش يريدون قتل اليهود، بالمقابل فإن خطابات المحور الايراني لا تتحدث سوى بلغة دينية ضد اليهود حتى أن معركة حماس بحد ذاتها لم يكن عنوانها التحرير بل الدفاع عن المسجد الاقصى والمقدسات الدينية، خطاب عدائي ديني لا يتعلق بأرض فلسطين، ولا بمعركة تحرير، بل إذا أخذنا نتائج المعارك وما تسرب عن تسهيل اسرائيل لهجوم حماس نرى أنها كانت خطة لإنهاء ما تبقى من القضية نفذتها حماس بالتنسيق مع ايران ، ومع تصريحات ترامب واصرار نتنياهو على اقتلاع ما تبقى من الفلسطينيين من ارضهم نلاحظ اننا بتنا امام المشهد الاخير في تدمير القضية الفلسطينية الذي أسست له اسرائيل والأسد وايران.
طوال السنوات التي تواجد فيها حزب الله في الجنوب اللبناني حتى قرار اسرائيل بقتل نصرالله والقضاء على الحزب عسكريا، وعلى مدى أكثر من ثلاثة عقود، شكل نصرالله وحزبه رأس حربة للمشروع الايراني المقيت بالسيطرة على الدول العربية والذي بلغ ذروته بالسيطرة على دمشق إثر انطلاق الثورة السورية عام 2011 .
اما فيما يخص المواجهة المفترضة مع اسرائيل فقد حكمتها (قواعد الاشتباك) المتفق عليها بين اسرائيل والحزب الايراني التي لا تتعدى الازعاج والمشاغبة والمشاغلة كما حدث على مدى عام (معركة اسناد غزة)، وعندما خرج حسن نصرالله عن قواعد الاشتباك بأوامر ايرانية أتى الرد الاسرائيلي بأعنف ضربة عسكرية على الحزب من تفجيرات (البيجر) إلى اغتيال جميع قادته. فقواعد الاشتباك انتهت وانتهى الدور المناط بحزب الله وايران في تدمير لبنان وسوريا والعراق، ووصلت هذه الدول إلى الحضيض؛ دمارا وتخريبا على كافة الصعد الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، فالكهرباء والماء باتا حلما لشعوب المنطقة بفضل المشروع الايراني وعملائه من الأسد الأب إلى الابن والسيء حسن، وصولا إلى نوري المالكي والبقية الباقية من قادة الميليشيات العراقية، فهذه الدول الثلاث أصبحت منهارة كليا ويلزمها عشرات السنين ومئات المليارات من الدولارات لتتعافى، وهذا ما سعت اليه اسرائيل ونفذته ايران وعملائها بمساعدة الادارات الامريكية المتعاقبة.
في مسار هذا الحزب لا بد من التذكير بقضاء الحزب على المقاومة الوطنية اللبنانية التي تشكلت إثر الاجتياح الإسرائيلي، لتحرير لبنان، ليحل محلها ويسيطر على الجنوب ومن ثم أتى الانسحاب الاسرائيلي من الجنوب ليُجير لصالح الحزب ويعتبر نفسه محرر الجنوب مستحوذا على شرعية قل نظيرها لحزب طائفي تابع لدولة اجنبية، وبدأ حصد نتائجها على المستوى الداخلي ليسيطر على القرار اللبناني بالتعاون مع نظام الاأسد الابن فاتحين مرحلة جديدة في تغيير وجه لبنان لصالح الاحتلال الايراني في الخلفية، وأتت عملية اغتيال الشهيد رفيق الحريري وبقية شهداء ثورة الأرز في لبنان التي نفذها الحزب عام 2005 ضمن هذا السياق، فيما أتت الخطوة الثانية وهي حرب 2006 التي شنتها اسرائيل ودمرت معظم ما بناه الحريري من جسور ومرافق حيوية ردا على خطف حزب الله جنديين اسرائيلين وجميعنا يعرف مقولة (لو كنت أعلم) وأنا أعتقد أنه كان يعلم، لأن ما فعلته اسرائيل بحرب 2006 هو استكمال لاغتيال الحريري ومشروعه الحضاري والنهضوي للبنان والذي لا تريده اسرائيل وحزب ايران في لبنان وكذلك الاسد الولد فهم أسيروا الأحقاد والمظلومية والانتقام ويجيدون تجارة المخدرات والاسلحة وصناعة الكبتاجون ولا يعرفون سوى ثقافة الموت وتبكيت الضمير.
ما بين مقتل نصرالله ودفنه، دفنت الثورة السورية مشروع ايران في سوريا، وهرب عميلها إلى روسيا، وباتت سوريا بعهد جديد داس الثوار فيه على قبر حافظ الأسد وانتهى العهد الايراني الذي أسس له حافظ الأسد منذ وصوله الى السلطة عام 1970 حيث بنى الجسور وعقد الاتفاقيات مع شاه ايران محمد رضى بهلوي الذي كان حينها حليفا لاسرائيل وعدوا لدودا للعرب والقضية الفلسطينية، وأكمل الأسد رحلته مع نظام الملالي فاتحا أبواب سوريا للدعاة الايرانيين وبدء حملات التشيع مستغلة حالات الفقر ودفع مبالغ مالية كبيرة لكل عائلة تتبنى المذهب الشيعي، فيما أطلق العنان لأخيه جميل الأسد ليؤسس جمعية المرتضى ويقود هو الآخر بنفسه تلك الحملة.
سلم حافظ الاسد المقامات الدينية للايرانيين في دمشق ومناطق أخرى ليعيدوا بنائها وتوسيعها فيما المراكز الثقافية والقنصليات كانت وكرا لأجهزة المخابرات الذين يمارسون العمل الدعوي الشيعي بين السوريين الفقراء، وفي عقد الثمانينات كانت طائرات ايران تقل الايرانيين لزيارة المقامات الدينية في سوريا، وتعود هذه الطائرات محملة بالأسلحة والذخائر طوال الحرب العراقية الايرانية، داعما نظام الملالي في مواجهة العراق ومنخرطا في مشروع الولي الفقيه، وبنفس الوقت كان الأسد الاب يزاود على العرب بقضية فلسطين التي لم يدخر جهدا للقضاء عليها ابتداء من محاولته بالهيمنة على منظمة التحرير وتشجيع الانقسامات داخلها مرورا بمجزرة مخيم تل الزعتر في لبنان الذي تم تدميره وصولا إلى معارك طرابلس وحصارها وقصفها بشكل همجي عام 1983 ليجبر ما تبقى من منظمة التحرير الفلسطينية بزعامة ياسر عرفات على الخروج من لبنان بعد عام فقط من حصار اسرائيل لبيروت و قصفها بشكل همجي صيف 1982، حتى اضطرت المنظمة الخروج من بيروت، ومن الواضح أن الأسد أكمل مهمة اسرائيل في اقتلاع منظمة التحرير الفلسطينية من طرابلس لبنان وتسهيله دخول الحرس الثوري الايراني ليشكل حزب الله كي يكون عدوا افتراضيا لإسرائيل ضمن مسلسل القضاء على القضية الفلسطينية. ساهم الأسد الأب والابن بكل ما استطاعوا لإنهائه؛ فالابن وميليشياته الايرانية حاصرت مخيم اليرموك قرب دمشق عام 2011 ودمر بيوته فوق رؤوس سكانها وشرد من تبقى منهم في جميع أصقاع الأرض، في مشهد تكرر مع حرب نتنياهو على غزة.
الأسد الصغير ارتكب أبشع الجرائم بحق السوريين لصالح المشروع الايراني وهجر الملايين من السوريين، واستقدم مئات الألوف من شيعة العراق ولبنان وافغانستان وباكستان في مشروع ايراني للتغيير الديموغرافي كان الأخطر على سوريا والمنطقة العربية عبر التاريخ .
حافظ الأسد طوال فترة حكمه سوريا بنى جيوشا تحت شعار تحرير فلسطين كما ايران وحزب الله لكن جميعهم وجهوا اسلحتهم للسوريين واللبنانيين في محاولة لتسييد ايران والقضاء على العرب السنة وهذا ما حصل في العراق، وكاد المشهد يتحقق في سوريا ولبنان. اليوم سوريا قضت على حلقة مهمه من مشروع الولي الفقيه بانتظار أن يدفن لبنان ما تبقى من حزب الله والمشروع الايراني بعد دفن العميل الايراني حسن نصرالله.
بقي أن نقول إن انهيار المشروع الايراني لا يتحقق بشكل كامل إلا بسقوط نظام الملالي في طهران، وهذا سيسقط ما بنته ايران من ميليشيات في العراق واليمن، واليوم بات سقوط النظام الايراني أقرب للتحقق من أي وقت مضى، وبالطبع ليس لأن ترامب يهدد أو نتنياهو (رغم أن الضربة العسكرية الاسرائيلية المحتملة قد تساعد في التعجيل بإسقاطه) بل لأن الشعب الايراني بات بوضعية لم يعد قادرا على التحمل أكثر بسبب الاوضاع الاقتصادية والمعيشية المزرية والقمعية التي يعيشها.
وفي حوار نشرته صحيفة “تلغراف” البريطانية، في 23 فبراير (شباط) الجاري يقول ولي عهد إيران السابق، رضا بهلوي: إن إيران تشهد ظروفا مشابهة لما قبل ثورة 1979، وعلى الغرب الاستعداد لانهيار وشيك لنظام طهران، مشيرا إلى أن فرصة التغيير قد تستمر بضعة أشهر فقط.
و أكد بهلوي على أن الوقت قد حان لكي يستعد الغرب لانهيار وشيك لنظام طهران، داعيا إلى دعم موجات المعارضة المتصاعدة داخل إيران.
وأضاف: إن إيران تشهد حاليا إرهاصات ثورة مماثلة لما حدث عام 1979، مؤكدا أن النظام الإيراني يعاني أزمة داخلية اقتصاديا، وخارجية عسكريا، بينما يواجه انهيارا أيديولوجيا .