المقال | كيف شطب رضوان زيادة أورينت من تاريخ الثورة كله!
هل كان هؤلاء الشهداء والمختطفون والمغيبون من أبناء سوريا مجرد هباء يتم تجاهلهم من قبل من نتوسم فيه أنه "باحث موضوعي"
محمد منصور – العربي القديم
لم أصدق ما نقله لي أحد الزملاء السابقين في قناة (أورينت) من أن د. رضوان زيادة كتب منشورا يقول فيه إنه بين عام 2014 و2018 أي ما قبل تأسيس تلفزيون سوريا الممول قطرياً عام 2018، لم يكن هناك قناة تنقل صوت السوريين وتنطق باسمهم إلا قناة (الجزيرة) بإدارة ياسر أبو هلالة. ومبعث عدم التصديق أنني أعرف الدكتور رضوان زيادة باحثاً رصيناً وموضوعياً، ناهيك عن أنني أفترض أنه رجل يخاف الله…. ولهذا صرخت في وجهه واتساب-ياً: رضوان زيادة…. معقول يا رجل؟!ً
منشور د. رضوان زيادة
وعندما أبديت لزميلي السابق هذا النوع من الدهشة الاستنكارية، أرسل لي على الفور رابط منشور د. زيادة على منصة إكس، الذي يوضح فيه سبب حذف صورته مع مجلس إدارة تلفزيون سوريا، التي أثارت استنكار وغضب بعضهم بسبب ظهور السيد ياسر أبو هلالة في تلك الصورة الجماعية، وها أنذا أنقل نصه كاملاً حتى لا أتهم بالاجتزاء، مع أن موضوع مقالتي ليس السيد أبو هلالة ولا الصورة المحذوفة التي أشبعت شتماً:
” إلى الأخوة والأخوات الذين أحترمهم وأقدر دورهم وحرصهم على الثورة السورية، وأخص (….) وآخرين لم أستطع قراءة تعليقاتهم بسبب انشغالي الشديد في زيارة المناطق المدمرة في جوبر والقابون
أولا أنا لم أحذف الصورة لأسباب شخصية وما إلى ذلك، أنا حذفتها لأنني لا أريد أن يتحول النقاش حول ياسر أبو هلالة بينما وددت أن يكون النقاش والتركيز على خطة تلفزيون سوريا المستقبلية، آلمني جدا أنني لم أقرأ تعليقا واحدا على سبيل المثال يقترح برنامجا جديدا أو اسماً للصحيفة الجديدة التي ستكون أول صحيفة مطبوعة في سورية الحرة، كل ما قرأته تعليقات شخصية مسيئة لشخصي ولشخص ياسر، فعلا شعرت أن لدينا مشكلة كبيرة في أولويات بناء وطننا إذا كان كل هدفنا القيام بحملات إساءة ضد أشخاص بناء على تعليقات نتفق او نختلف معها.
ثانيا السيد ياسر أبو هلالة كان مديرا عاما للجزيرة من عام ٢٠١٤ وحتى عام ٢٠١٨، تأسس تلفزيون سوريا عام ٢٠١٨، حينها كانت الجزيرة القناة الوحيدة التي تنطق باسم السوريين وتدافع لا أقول عن حق السوريين في الثورة وإنما الحياة، سنوات ٢٠١٤ و٢٠١٥ كانت أسوأ سنوات القصف البراميلي للنظام على دوما وحلب وإدلب، وكان مراسلو الجزيرة الذين عينهم ياسر ينقلون لحظة بلحظة هذا الموت السوري المعمم، أصبت وقتها باكتئاب حاد من مجتمع دولي يرانا نقتل بالعشرات قصفا ببراميل غبية دون ان يفعل شيئا، أدخل العشرات من أجهزة البث الفضائي ومن زال يتمتع بالذاكرة يذكر كيف كانت الجزيرة أشبه بصوت البرية في تلك الفترة
أخيرا اختلف في الكثير مع السيد ياسر وخاصة موقفه من حرب الله وهذا واضح ومعلن من مواقفي وكتاباتي، لكن يجب أن نكون أذكياء في كسب الحلفاء والأصدقاء ونحن نعمل على بناء وطن تركه الأسد لنا ضعيفا مفككا معدما وفقيرا، فنحن نطلب من الدول التي طبعت مع الأسد حتى وقت قريب أن تعترف بنا، أيضيق صدرنا على من كان في خندقنا سنوات سنوات لكنه أخطأ التعبير لحسابات سياسية أصبحت من الماضي. أرجو ان يغلق هذا البوست صفحات من التعليقات لا مبرر لها ونتشارك معنا في بناء سورية الحرة التي تنتظر منا وقتا أثمن في المستقبل من إضاعته في الماضي”.
هل نسيتها أم تناسيت؟
ما أثارني في منشور الدكتور رضوان زيادة هو بالضبط الفقرة الثانية، التي يزعم فيها أنه بين عامي 2014 و2018 كانت (الجزيرة) وبالحرف: القناة الوحيدة التي تنطق باسم السوريين وتدافع لا أقول عن حق السوريين في الثورة وإنما الحياة!
وماذا عن أورينت؟ هل نسيت يا سيد زيادة أن هناك قناة اسمها أورينت كانت تبث 24 ساعة من دبي، على أقمار: النايل سات والقمر الأوربي، وهي ممسكة بالملف السوري لوحده من أول بثها اليومي حتى نهايته، بخلاف قناة الجزيرة التي نعلم أنها تتابع كل الملفات الحاضرة على الساحة العربية والدولية؟!
هل نسيتها أم تناسيت، وبين عامي (2014- 2018) يا سيد زيادة كان عدد مراسلي أورينت في مختلف المناطق السورية يفوق عدد مراسلي الجزيرة (في سوريا) بأضعاف، وفي عام 2012 صورت أورينت برنامجا داخل الأراضي السورية قدمه الأب باولو داليوليو باسم (إقامة مؤقتة) كان برنامجا حواريا يضم سوريين من أطياف متعددة، يوم كانت الجزيرة بالكاد تخرج تقارير إخبارية لبرامجها التي تبث من الدوحة، أو تأخذ بثا مباشرا من مراسليها وضيوفها على نشراتها أو فتراتها الإخبارية…
هل نسيتها أم تناسيت… وفي عام 2013 كانت تملك أورينت سيارة بث تلفزيوني (إس. إن جي) في الشمال السوري، استولت عليها داعش يوم خطفت مراسل أورينت عبيدة البطل مع فريقه التقني المصور عبود عتيق وتقني عربة البث حسام نظام الدين، ونجا المخرج عبده مدخنة الذي كان يخرج البرنامج بأعجوبة… وفي العام نفسه استشهد مراسلها محمد معاذ، متاثراً بجراح أصيب بها قبل أسابيع، نتيجة قصف قوات الأسد على حي القابون وكان محمد معاذ كان من أوائل النشطاء الذين ظهروا بالصوت والصورة على شاشة أورينت ، لتغطية أخبار الثورة السورية
وفي عام 2014 قدمت القناة في الجنوب السوري الثائر ثلاثة شهداء، قدم مسؤول في الخارجية الأمريكية تعزية بهم، كما نقلت (قناة) الجزيرة نفسها، التي تقول أنها القناة الوحيدة التي تنقل صوت السوريين، نقلت على موقعها الإلكتروني، خبر استشهادهم وهم يغطون الأحداث في درعا. فكتبت تقول بتاريخ: 12/9/2014
” قتل ثلاثة إعلاميين من قناة “أورينت” أثناء تغطيتهم المعارك الدائرة في درعا (جنوبي سوريا)، والتي شهدت تقدما للمعارضة المسلحة في بلدة الشيخ مسكين، بينما قتل تسعة أشخاص بقصف لقوات النظام على الغوطة الشرقية بـريف دمشق. وقال مراسل الجزيرة في درعا محمد نور إن الصحفيين يوسف الدوس ورامي العاسمي والمصور سالم خليل قتلوا أمس الاثنين إثر استهداف سيارتهم بصاروخ حراري موجه، وذلك أثناء تغطيتهم القتال الدائر بمدينة الشيخ مسكين. وأوضح أن المعلومات تضاربت بشأن مصدر الصاروخ؛ ما بين قائل إنه أُطلق من بلدة قرفا القريبة أو من كتيبة النيران باللواء 82 المحاصر في مدينة الشيخ مسكين”.
هل كان الشهداء والمختطفون والمغيبون مجرد هباء؟
هل كان هؤلاء الشهداء والمختطفون والمغيبون من أبناء سوريا مجرد هباء يتم تجاهلهم من قبل من نتوسم فيه أنه “باحث موضوعي” أم أن التبعية الوظيفية للمؤسسة القطرية التي تعمل فيها، أعمتك عن أن تعترف بجهود ودماء إعلاميين من أبناء بلدك استشهدوا وهم يؤدون واجبهم الإعلامي في نقل صوت السوريين!
وما دمت أنك تحدثت في منشورك عن سنوات القصف البراميلي، هل نسيت يا دكتور أن أورينت أنتجت أول فيلم وثائقي عن سلاح الجو السوري الذي كان يقصف الشعب بتلك البراميل، وسجلتْ فيه شهادات ثلة من الطيارين المنشقين إلى جانب رائد الفضاء اللواء المرحوم محمد فارس، وأنك كنتَ أنت من بين من استضفناهم في ذلك الفيلم الذي حمل عنوان (نسور الديار) وقمتُ بكتابة السيناريو له بنفسي وبث عام 2015؟
لقد صوّر لك انتماؤك للمؤسسة القطرية يا دكتور رضوان بأن (الجزيرة) لوحدها كانت صوت السوريين في ذروة سنوات الثورة، ثم حمل الراية منها تلفزيون سوريا بعد انطلاقته عام 2018 لتكمل مشوار شطبك لأورينت من تاريخ الثورة… لكن من المضحك المبكي يا دكتور (وهو ضحك كالبكاء في زمن الظلم والافتراء) أنك تعلم أن معظم من أسسوا تلفزيون سوريا (نصفهم على الأقل) قد أتوا من تلفزيون أورينت الذي تنكر وجوده… وتدربوا في تلفزيون أورينت الذي تسقط ذكره… وبعضهم ليس في سيرته الذاتية من عمل إعلامي قبل أن يأتي إليكم في تلفزيون سوريا الوليد آنذاك سوى عمله في أورينت.
أي شهادة زور يا دكتور أن تصور السوريين أنهم كانوا رعايا الإعلام القطري في ثورتهم، هو وحده من كان ينقل صوتهم، وهو من كان يسلم الراية من قناة لقناة؟ مع أنك تعلم أن تلفزيون سوريا ولد ضعيفا مهزوزاً يعتمد على خبرات ومؤسسات الآخرين دون رؤية مضافة وظل كذلك لسنوات… ولولا حالة التشنج الإداري التي كان يعاني منها الموظفون في أورينت نتيجة أجواء إدارية لا مجال للخوض فيها لما أتى الكثير منهم إليكم… لأنهم كانوا يعلمون أن أورينت على المستوى التحريري، وعلى مستوى أفق العمل الصحفي كانت تعطيهم حرية لنقل الصوت السوري والوجع السوري ومتابعة الحدث السوري بكل تفاصيله بلا أي قيود، وكثير من الإعلاميين الذين يعتبرهم تلفزيون سوريا اليوم جزءا من إنجازاته، عملوا وجربوا أدواتهم في أورينت قبل أن يأتوا إليكم جاهزين… كما بالنسبة لنور حداد التي تعرفت على تجربة الإعلام الجديد والبرامج الساخرة في أورينت ثم أتت هي ومؤسس قسم النيوميديا في تلفزيون أورينت الزميل المبدع لواء النعساني والمصمم المتميز عمر بعيج إلى تلفزيون سوريا لتقدم برنامج التوك الشو ساخر كـ (نور خانم)!
لقد استمر تلفزيون أورينت صوت السوريين بقوة حتى بعد ان انتقل إلى السوشيال ميديا وأوقف بثه الفضائي في السابع من نيسان عام 2020، وفي الوقت الذي كان يتلهى فيه تلفزيون سوريا بأخبار الفنانين وخلافات سلاف فواخرجي وما قصة استبعادها من مسلسل حبق الذي حضرت له، وكيف تفاعل الممثلون السوريون مع إصابة أسماء الأسد بالسرطان… وماذا علقت سلاف فواخرجي على تصريح يارا صبري الأخير… فيما كان تلفزيون أورينت قبل إغلاقه يخوض معركة شرسة مع الاستهداف العنصري التركي للسوريين في بعض المناطق، ومع جرائم القتل والحرق التي كانت تستهدفهم، وكان صحفيوها أمثال الزميلين علاء فرحات وأحمد ريحاوي يعتقلون ويقدمون إلى محاكمات، وكان مدير عام التلفزيون الذي يصفه رضوان زيادة بأنه حمل الراية من (الجزيرة)، يصفق لمن سمى الثورة في كتاب مطبوع بالحرب الأهلية، ويصف من أغضبه هذا الوصف بـ”التهويش الكراجاتي”… فيثير ضده أهاجي العديد من الكتاب والمثقفين السوريين…
ومن نكد الدنيا بعد كل هذا التخبط والميوعة والتذبذب في المواقف يا سيد زيادة، أن يظهر مبدع مصطلح التهويش الكراجاتي الذي أعجب بوصف الثورة بالحرب الأهلية وبارك للمؤلف والناشر، أن يظهر ليحدثنا في حفل فني بدمشق بعد التحرير أنه عندما تأسس تلفزيون سوريا قال لهم الناس تأخرتوا… لكن إيمانه القوي بالثورة جعله يرفض ويكمل المسيرة!
بلا شك في معارك التحرير كان لتلفزيون سوريا حضور نابع من الفراغ الذي خلفه إغلاق تلفزيون أورينت ومن وجود قاعدة مراسلين جيدة لدى التلفزيون، ومن تفاعل الشباب المراسلين على الأرض مع حدث يعنيهم، ويمس وطنهم ومصائرهم، ويشكل مفاجأة لهم بكل المقاييس… وأيا كانت الأسباب فقد نجح تلفزيون سوريا في تغطية الحدث حيث تمنعنا موضوعيتنا أن ننكر ذلك لأي سبب كان، نعم لقد نجح وسعدنا أننا رأينا في معارك التحرير مراسلين على شاشات تلفزيون سوريا، بدأوا أولى خطواتهم كمراسلين مع تلفزيون أورينت، كالمراسل إبراهيم خطيب الذي فقد عينه أثناء عمله كمراسل في تلفزيون أورينت، وفقد شقيقه محمد الذي كان مراسلا قبله مع أورينت واستشهد عام 2013
الآن بعد كل هذه الوقائع من المعيب جدا يا دكتور رضوان، وأنت تعرف حجم حضور أورينت في تغطية الحدث السوري كما يعرفها كل سوري حر أو غير حر، وخصوصا أنك ظهرت على شاشتها عشرات المرات، أن تنكره وتسقطه من أجل أن تقول لم يكن من صوت للثورة السورية سوى الإعلام القطري أو الممول قطرياً…
ثم تعتب أن الناس تعبر عن غضبها وسخطها على أبي هلالة الذي وصفهم بحزب البقلاوة لأنهم فرحوا بمقتل مجرم طائفي أرسل عناصر حزبه إلى بلادهم بأوامر إيرانية ليساند قاتلهم وجلادهم ويحاصرهم ويجوعهم ويرفع الرايات الطائفية في وجوههم، بدل أن يقترحوا عليك برنامجاً لتلفزيون سوريا أو اسماً للصحيفة المطبوعة التي تبشرنا أن قطر الشقيقة تعتزم أن تصدرها لنا في دمشق؟
بالله عليك؟
هل تصدق أن السوريين لا يرون إعلاما معبرا عنهم وصوتا لهم سوى المؤسسات الممولة من قطر الشقيقة؟ وهل تظن أن الناس فقدوا ذاكرتهم… رحم الله الأمس القريب، القريب جدا يا دكتور زيادة حين كتب الإعلامي والشاعر السوري ماهر شرف الدين على صفحته قبل يوم واحد فقط من تحرير حلب: “لولا # فيصل_القاسم… لما بقي هناك أي فرق بين الجزيرة والميادين!! ومن ناحية فنية بحتة، “أيرنة” بن جدّو أخف وطأة من “أيرنة” ياسر أبو ريالة وجمال ريالان وبقية الشلّة!”
حفظ الله الثورة السورية من الإعلام القطري : الجزيرة، العربي، تلفزيون سوريا
أحب أن أضيف أن أورينت كانت هي مصدري الوحيد الذي اخترته لمتابعة أحداث وتفاصيل الثورة السورية منذ 2011، وأنا بالمناسبة مغربية ولست سورية.
أورينت استمرت حتى الإغلاق نفَس الثورة وصوتها، في الوقت الذي ألغت فيه الجزيرة وبناتها الخبر السوري من نشراتها وكرست نفسها لأربعينية الهالك قاسم سليماني ومن تبعهم من محور القتلة.
سقطة معيبة
كانت اورينت صوت السوريين في لحظة كان يمكن أن يودي بحياة كل العاملين فيها، ما زلت أذكر بث أول مظاهرة خرجت في دمشق لتتابع بعدها بث كل مظاهرات سوريا. نعم لقد اتخذت اورينت الموقف الأخلاقي الذي يحسب لها ولا يمكن نسيانه للثوار الحقيقيين أصحاب الصيحة الاولى، لانعتب على الملتحقين في صفوف الثورة بعد سنوات فهم لا يعلمون شيء عن تاريخ الثورة.