بين النقد والإنكار: عتابٌ إلى أسامة عثمان لا أكثر
نحن لا نطلب منك أن تغيّر قناعاتك، بل فقط أن تترك مساحة صغيرة لفرحٍ طال انتظاره

بلال الخلف -العربي القديم
خرج علينا المهندس أسامة هذه المرة محمّلًا بنبرة قاتمة لا تشبه ما عرفناه عنه يومًا. نبرةٌ لا تكتفي بإحباط من يستمع إليها، بل تكاد تُقنعه بأن يشكّ في نفسه، وفي محيطه، وفي بلده، وفي نصرٍ منَّ الله به على السورّيين بعد أعوامٍ من الألم.
تحدّث أسامة عن «قيصر» وأنها ملفات إدارية وحقوقية، وأن سعي السوريين لرفع بعض بنودها الجائرة عارٌ أو تنازل، مع أنها عقوبات أثقلت حياة المدنيين قبل أن تمسّ شركات النظام. تجاهل الرجل جهود المنظمات السورية–الأميركية التي عملت لسنوات لإيجاد حلول تخفف عن الناس دون المساس بجوهر العدالة. نسف كل ذلك بجملة، دون أن يلتفت إلى حجم التضحيات التي بذلها هؤلاء في ساحات السياسة والضغط.
ثم عاد ليتحدّث عن عدم توقيع الشرع على شهادات الوفاة، واصفًا إياها بـ «الهدية» لأمهات الضحايا. وهل يمكن لشهادة وفاة أن تكون هدية يا أسامة؟ هل يمكن لوثيقةٍ تحمل ختم الرحيل الموجع أن تُقدَّم بلهجة كهذه لأمهاتٍ انتظرن خبر أبنائهن سنوات طويلة؟
ومتى كانت يا أسامة شهادة الوفاة تحتاج توقيع الرئيس هل أصبجنا في بلد غير بلدنا !!!!
وتساءل بعدها: لماذا لا تُعلن السلطة أسماء الضحايا؟ وهو يعلم قبل غيره أن هناك ضحايا لم يعرف قاتلوهم أسماءهم أصلًا، وأن في كل أسبوع تُكتشف مقبرة جماعية جديدة، تضم وجوهًا أكلتها الأرض قبل أن تُعرَف هوياتها.
ثم نسب إلى الرئيس كلامًا لم يقله، لتصحح له المذيعة. وتارةً يبرر بأن «المؤيدين يقولون»، وتارةً يلمّح أن أفراح السوريين اليوم مجرد حركة تصحيحية أخرى، وأن الناس مُجبرة على الاحتفال، وهذا ما لم يثبت بشاهد ولا دليل.
وما كان أخفَّ على القلب لو اكتفى بهذا، حتى عاد ليشكك في رواية فريد، ويقول إنه ليس مع الفريق، وكأن القصة كلها مجرّد سوء فهم عابر.
يا أسامة…
لقد اجتهدتَ وكنتَ صوتًا مهمًا في مراحل سابقة، ولَكَ مكانك وتاريخك. لكن لا تُنكر على السوريين فرحهم بعد كل هذا الحزن. لا تُطفئ شوقهم للحرية لأنك ترى الصورة من زاوية أخرى. إن كنتَ اليوم تضع نقاطك على السلطة في سوريا، فنحن نضع – وبكل محبة وعتب – أضعافها على خطابك الأخير الذي ظلم الناس أكثر مما أنصفهم.
نحن لا نطلب منك أن تغيّر قناعاتك، بل فقط أن تترك مساحة صغيرة لفرحٍ طال انتظاره، وأن تتذكر أنّ هذا الشعب دفع من دمه ما يكفي… فلا تكن أنت من يحاول سحب الضوء من بين يديه.