قرارات وتفاصيل مرعبة: هذا ما سيحدث في اليوم الأول من رئاسة ترامب بحسب مشروع 2025
دانييل مارتينيز هوسانغ* – الغارديان
مع نطق ترامب العبارة الأخيرة من قسمه الرئاسي: ” فليساعدني الله”، تبدأ المرحلة الأولى مما يطلق عليه مؤلفو مشروع 2025 “دليل اللعب”.
إنه يوم بارد في واشنطن العاصمة في أواخر يناير/ كانون الثاني 2025. وعلى الرغم من خسارة دونالد ترامب للتصويت الشعبي للمرة الثالثة على التوالي، فإن سيطرته الضيقة على المجمع الانتخابي قد منحته الفوز بالرئاسة. خلال الحملة، قدم ترامب بعض الإيماءات الرمزية لإبعاد نفسه عن مشروع 2025 ، وهو المخطط السياسي الذي تقوده مؤسسة هيريتيج للإدارة الجمهورية القادمة، والذي تم مطابقته مع قاعدة بيانات من الموظفين المحافظين لتنفيذ هذه الخطط. ويشرحون ذلك بقولهم: “الموظفون هم السياسة”.
ولكن مع استحواذ الجمهوريين الآن على أغلبية ضئيلة في مجلسي الكونجرس، فقد حان الوقت لخلع القفازات. فمع نطق ترامب بالعبارة الأخيرة من قسمه الرئاسي ــ “فليساعدني الله” ــ تبدأ المرحلة الأولى مما يسميه مؤلفو مشروع 2025 ” دليل اللعب “.
أولا: تأتي عمليات الفصل. يتلقى آلاف الموظفين الحكوميين الفيدراليين غير الحزبيين ــ الهيئات التنظيمية المعنية بالبيئة وسلامة الأغذية؛ والسلطات المسؤولة عن تنسيق الإغاثة من الكوارث؛ والمحامين المشرفين على سياسات مكافحة التمييز في الإسكان والتعليم والتوظيف؛ والباحثين الطبيين والعلميين ــ إخطارات فورية بالفصل من العمل. ولن يتم استبدال العديد منهم، حيث تم إغلاق برامج ووكالات فيدرالية بأكملها. أما الموظفون الجدد الذين يصلون فيأتون من مراكز أبحاث محافظة، أو من الناشطين اليمينيين الذين تقدموا بطلباتهم من خلال قاعدة بيانات طلبات مشروع 2025. والآن أصبحت المحسوبية السياسية هي سياسة التوظيف الرسمية للحكومة الفيدرالية الأميركية.
ثانياً: تأتي عمليات الترحيل. وكما صاغها رئيس حركة ماجا القومي ستيفن ميلر، يتم تفويض مجموعة واسعة من أجهزة إنفاذ القانون، من الحرس الوطني إلى شرطة الولايات والشرطة المحلية لتشكيل جيش ترحيل جديد . تستهدف عمليات الترحيل الأحياء والشركات الولايات والمدن الزرقاء، لكن الإرهاب العام هو هدفها المقصود. يتم إنشاء مراكز الاحتجاز في القواعد العسكرية والمرافق الفيدرالية مع إمكانية الوصول السريع إلى المطارات لتنفيذ عمليات الترحيل الجماعي . يتم تجريد ما يقرب من مليون مهاجر موجودين بشكل قانوني من حمايتهم القانونية، مما يعرضهم للترحيل الفوري. يلي ذلك نهاية برنامج داكا وعودة حظر المسلمين.
ثالثاً: خفض الضرائب على الشركات بسخاء. وفي الأشهر التالية، تتكشف أجزاء أخرى من الأجندة. مثل خفض الضرائب على الشركات بسخاء إلى الحد الذي قد يجعل أباطرة اللصوص يخجلون.
رابعاً: ووقف التمويل الفيدرالي للتلفزيون والإذاعة العامة. الأمر الذي يضطر العديد من المحطات المحلية إلى الإغلاق. وإلغاء برامج Head Start يترك مئات الآلاف من الآباء والأولياء دون تعليم أو رعاية أطفال. وإلغاء وزارة التعليم وبرامج مثل Title I يوقف التمويل والعديد من أشكال الحماية للطلاب ذوي الإعاقة ومتعلمي اللغة الإنجليزية والطلاب من الأسر ذات الدخل المنخفض.
خامساً: المنع والتجريم. إن المواد الإباحية مجرّمة. وينطبق نفس الأمر على حقوق الإجهاض، ووسائل منع الحمل الطارئة، والعديد من برامج الصحة الإنجابية. كما ينطبق نفس الأمر على أغلب نقابات القطاع العام، وحقوق تنظيم العمال، وبرامج مكافحة الفقر.
سمعت تفاصيل مروعة!
قد يكون من الصعب في بعض الأحيان التمييز بين المبالغة التي يروج لها ترامب وحركة (ماجا) وبين الخطط الحاكمة الفعلية. فحملة “بناء الجدار” كانت دائما أقرب إلى أداء حملة انتخابية وحملة لجمع التبرعات وليس إلى مخطط سياسي. ولكن بعد حضور العديد من المؤتمرات والتجمعات اليمينية من أجل البحث في العام الماضي، لم يعد لدي أي سبب للشك في نواياهم هذه المرة.
لقد سمعت ميلر في مؤتمر العمل السياسي المحافظ يصف خطط الترحيل بتفاصيل مروعة. كما سمعت متحدثا تلو الآخر في مؤتمر نقطة تحول في الولايات المتحدة يعد بالعنف والانتقام ضد المعارضين السياسيين، وتفكيك كل السلع العامة تقريبا، ووضع خطط لجلب القومية المسيحية الصاخبة إلى مركز الحكم والحياة المدنية. كما استمعت إلى دفاعات صريحة عن تحسين النسل والعنصرية العلمية، على قنوات إعلامية يمينية لها ملايين المتابعين.
الأكثر إثارة للرعب!
وربما الأكثر إثارة للرعب هو أنني لاحظت أعدادا متزايدة من الشباب والأشخاص ذوي البشرة الملونة وغيرهم، من خارج القاعدة المحافظة التقليدية، ينضمون إلى أتباع ماجا ويتبنون السخرية والشيطنة التي تشكل نبض اليمين المعاصر.
إن المحافظين يحتفلون في كثير من الأحيان بوحدة فلسفتهم الحاكمة، والتي تستمد جذورها من الحكومة الصغيرة، وروح المبادرة، والإيمان، والأسرة. ولكن هذه السياسات لا تتسم بأي قدر من التماسك أو العقلانية. فالنهب هو المبدأ السائد. ولا تقتصر هذه الأفكار على مؤسسة هيريتيج أو ترامب وحدهما. فقد تبنتها شبكة من التشكيلات اليمينية، بعضها يحمل أجندات أكثر تطرفا من مشروع 2025.
ولا يمكن وصف هذه الأجندة بالشعبوية. إذ تشير استطلاعات الرأي إلى أن أغلبية كبيرة من الجمهور الأميركي تعارض بشدة أجندة مشروع 2025. ولن تخفف الهبات التي تقدمها الشركات، والتخفيضات الجذرية في الخدمات العامة، والتمييز القانوني ضد المثليين، من أي من الأزمات الحقيقية التي تواجهها أعداد كبيرة من الناس في الولايات المتحدة وحول العالم.
ما الذي يمكن فعله؟
في مواجهة هذه الكارثة المهددة، ما الذي يمكن فعله؟ من المؤكد أنه يجب الكشف عن العواقب المادية لهذه الأجندة. غالبًا ما يقترح أنصار ماجا أنه يجب أخذ ترامب “على محمل الجد ولكن ليس حرفيًا”. إن وثيقة السياسة المكونة من 920 صفحة لمشروع 2025 ليست مسرحية سياسية، ويجب عرض تهديدها للحياة اليومية لمئات الملايين من الناس بعبارات واضحة. يجب الكشف عن هذه الشقوق.
في الوقت نفسه، لا ينبغي لنا أن نستسلم للقدرية. فقد أوضح خبراء التكتيك اليميني مثل كريستوفر روفو أنهم ينشرون استراتيجياتهم بهدف إضعاف معنويات معارضيهم عمداً. وإذا حذرنا فقط من خطر الفاشية، فإننا نخاطر بترك الناس أكثر خوفاً وعزلة، وسخرية تجاه احتمال حدوث أي تغيير أو مقاومة جماعية.
وإذا كان البديل الوحيد المعروض هو الدعوة إلى الدفاع عن الليبرالية المتدهورة، والتي هي نفسها مشبعة بالعنف والهشاشة والموت المبكر، فإن التهديد الرجعي سوف يتسارع بالتأكيد. ولكن بدلاً من ذلك، لابد أن نربط بين التحذيرات من التهديد الاستبدادي الذي يمثله مشروع 2025 وأمثاله وبين الطموحات الواضحة لإعادة بناء مؤسساتنا العامة الهزيلة، وحماية الناس من افتراس الاقتصاد المزور. وينهار التهديد الفاشي عندما تتاح للناس العاديين فرص ذات مغزى للتواصل الاجتماعي والغرض، وهو الأساس الذي تقوم عليه الكرامة الإنسانية.
______________________________________
دانييل مارتينيز هوسانغ أستاذ مشارك في علم الأعراق والهجرة بجامعة ييل. وهو مؤلف كتاب (المقترحات العنصرية: مبادرات الاقتراع وتكوين كاليفورنيا بعد الحرب) ومؤلف مشارك في كتاب (المنتجون والطفيليات والطفيليات: العرق والسياسات اليمينية الجديدة في حالة انعدام الأمان).
المقال يُهوّل كثيرًا من مخاطر رئاسة دونالد ترامب الثانية – بالطبع لن يكون ملاكًا، إنما الديموقراطيون أشدّ شرًّا منه.
فيما يخص “عمليات الفصل” لآلاف الموظفين الحكوميين، من المُثير للسُخرية أن جو بايضن ارتكب “مجزرة” إدارية عندما فصل كل ما هبّ ودبّ ممن عينّهم ترامب، بعضهم لم يُعيّنهم ترامب بنفسه بل مجرد موظفون بيرقراطيون جاؤوا وفق التسلسل الهرمي المعهود، وصادفَ موعد ترقيتهم ضمن ولاية ترامب وحسب. لكن هذا لم يُعفِهم من الفصل لمجرّد أن بايضن يشكّ بأنهم عملوا مع ترامب. في المقابل عندما تولّى ترامب السُلطة أبقى على كثير من كوادر الإدارة السابقة لكافور باراك علي حسين قوباما الإخشيدي، ولم يبدأ بالتغيير سوى لاحقًا، ومعظم من تنّحى جانبًا أو لم يحتك مباشرةً مع ترامب بقِيَ في منصبه دون تغيير.
أما ما يخصّ “خفض الضرائب على الشركات”: فهي سياسة جمهورية مُعتادة، وجهة نظرهم أن خفض الضرائب يعني توظيف المزيد من الأمريكيين وبقاء الأعمال في البلاد بدل نقلها إلى دولٍ أخرى لأنها أرخص. ورأينا أن الإجراءات الاقتصادية التي قررها ترامب كيف أفادَت الاقتصاد الأمريكي فعلًا وأعادت التصنيع عالي التقنية والثقيل إلى أمريكا، والأهم أنها حدّت من تغوُّل الصين الشيوعية الشمولية على الاقتصاد العالمي.
وفي جُزئية “المنع والتجريم”: تخسر الحكومة الأمريكية مليارات الدولارات الأمريكية في هذه الإجراءات؛ إلغاء حقوق الإجهاض والشواذ وتغيير الجنس كفيلٌ بتوفير هذه المليارات. فيما يخصً حقوق العُمّال، للاتحادات والنقابات حُقوق عمل مستقل أكثر من معظم الدول حول العالم، حتى التي تتبجّح بالاشتراكية وحقوق “العُمّال وصغار الكسبة والكادحين”.
أخيرًا، كما قال الإيمامو علي “لا تصدق كل ما يُقال”، حتى لو أراد ترامب فعل هذا فعلى أرض الواقع قد لا يتمكّن من تحقيق نصف هذا، خصوصًا وأن هنالك تقاسم حقيقي للسُلطة على عدة مستويات: بين رؤوس الحكومة الاتحادية والسلطات، والدولة العميقة، والكونغرس، والولايات والحكومة الاتحادية، لذا معظم هذه الأهداف ستبقى حبرًا على ورق.