فنون وآداب

قصة استباحة حي ساروجا كما يرويها عبد الرزاق معاذ: هذا ما فعله رياض نعسان آغا وعلي القيم بالآثار!

اكتملت المصيبة بتعيين رياض نعسان آغا وزيرا للثقافة ليعلن الحرب على الآثار التي هي على حد تعبيره "خانقة"

ابتسام المغربي- العربي القديم

هو أنين عمران مميز حاولت أيادي شذاذ الوطن تدميره ومحو قصور وآثار حي يلقب بإسطنبول الصغرى.. فأي إجرام هذا الذي سطره حبر المحافظين الذين تكالبوا على الحي منذ صدور مخطط تنظيمي واضح النوايا بتدمير دمشق القديمة… أو نفاق أحد وزراء الثقافة الذي كان في عهده سيفا مسلطا على الآثار… وأي مخطط يريد محو التراث وعظمة القصور وألفة العيش مع منمنماتها وأسقفها المزخرفة وخشبها المحفور!

أي جور هذا حين تنتصر تواقيع عملاء الإدارات ومتملقي السلطة من المزاودين، وسيطرة أعضاء وقيادات حزب البعث الذي بات اداة ضاغطة في تنفيذ المشاريع الأسوأ لتشويه دمشق وإتخامها بالبشاعة والقبح… ليسارع مرتزقة العقارات وشركاء البازارات والسياسيون المرتشون لشراء العقارات على أمل أن يحصلوا على ارتفاع شاهق لأبنيتهم!

مخطط المهندس الفرنسي إيكوشار، الذي أراد تنظيم دمشق القديمة، صدر منذ أكثر من ستين عاما مشهراً سيف الدمار في أحياء دمشق التاريخية التي خارج سورها الروماني، وعلى نسيجها القديم الذي ينتمي لعصور شتى. حورب المخطط ممن كانوا حراس دمشق والدفاع عن هويتها، وتم ايقاف المخطط… وبقي الآثاريون على أمل يتجدد بتغيير الحكومات الفاسدة المفرطة بحماية الهوية وتراث الوطن، والتي تتالت على الوطن لتصبح هي القاعدة وغيرها استثناء! وكلما سنحت لهم فرصة لقاء مع محافظ او رئيس حكومة يجددون الأمل ويشحذون الهمم وهم يواجهون التخريب والتفريط…  وبهمة الأصلاء الغيورين على دمشق، كان ينتصر الحق الذي يدافع عن اهم عاصمة مأهولة بالتاريخ بصعوبة  وعناء كبيرين، وكان من بين هؤلاء الدكتور عبد الرزاق معاذ، الباحث والاختصاصي بالعمران القديم ومدير آثار سابق ومعاون وزير ثقافة كرس عمله لحماية النسيج العمراني القديم… الذي تحاوره (العربي القديم) ليقدم لنا صورة كاملة عن فصول استهداف حي سوق ساروجا الأثري، وعن تلك المعركة الشرسة التي واجهها هذا الحي بتواطؤ اثنين ممن خانوا دورهم الثقافي المنوط بهم، وهما وزير الثقافة الأسبق د. رياض نعسان آغا، والباحث علي القيم معاون وزير الثقافة، الذين يذكر د. معاذ ارتكاباتهم بالاسم والواقعة.

وهنا نص الحوار:

د. عبد الرزاق معاذ: عاشق دمشق وتراثها الذي عانى الأمرين مع مرتزقة الثقافة والعقارات

مخالفة كل مفاهيم الحماية

يقول الدكتور عبد الرزاق معاذ يقول عن مأساة ساروجا:

 “إن الاجتماع الذي عقد في حزيران من عام ٢٠٠٠ في رئاسة مجلس الوزراء وتم  فيه إقرار هدم ساروجا!!!! والغريب  توقيع جميع الجهات المعنية بما  فيها مديرية الآثار ممثلة بعلي القيّم معاون وزير الثقافة ومدير الآثار تكليفا وقتها، وكلية العمارة ممثلة بعميدها الدكتور طلال عقيلي… ولم يكن الأمر سهلا عندما استلمت منصبي كمدير عام للآثار في ١٦ ايلول  من العام نفسه، لأجد على مكتبي ورقة واحدة هي قرار هدم ساروجا. لم يكن سهلا إيقاف هذا القرار والعمل وللأسف خلال السنوات السبع التي عملت بها سواء كمدير عام للآثار، أو كمعاون وزير الثقافة لشؤون الآثار، فقد تسلم رئاسة مجلس الوزراء اثنان من أكثر الذين مروا على هذا المنصب عداء للتراث والآثار، ولحي ساروجا تحديدا.. وهؤلاء كانوا يوجهون تهديدات لكل من يعرقل مسيرة الهدم بالسجن بتهمة عرقلة القوانين!

‎وتكتمل المصيبة بتعيين رياض نعسان آغا وزيراً للثقافة ليعلن الحرب على الآثار التي هي على حد تعبيره “خانقة” فمفهوم حماية النسيج التاريخي غير موجود لديه ولدى كثر من المسؤولين آنذاك.. المفهوم الذي ثبته ميثاق واشنطن للإيكوموس عام ١٩٨٧ والذي يؤكد على حماية النسيج العمراني القديم”.

قصة عشق واهتمام

وعن علاقته بهذا الحي وسبب اهتمامه به يقول د. معاذ لـ”العربي القديم”:

“الكلام يطول عن حي ساروجا او سوق ساروجة كما تسميه الناس، أو سويقة صاروجا كما تذكره المصادر التاريخية، نسبة لمؤسسه الأمير المملوكي صارم الدين صاروجا، وعلاقتي بهذا الحي وسبب اهتمامي به يطول، ويرجع إلى الثمانينات حيث بدأت بدراسة التاريخ والآثار، وكذلك دراسة المدينة القديمة، وقمت بجولات التوثيق والتصوير منذ التسعينيات عند عودتي لسورية من فرنسا، حيث كنت أعمل كباحث في المعهد الفرنسي للدراسات العربية. وفعلا عملنا سنتين ونصف عملا ميدانيا، خلالها تم توثيق ورفع سبعين بيتا وإجراء دراسات ميدانية كثيرة على الحي. تبعه دراسات قمت بها بمفردي على وثائق المحاكم العائدة للعصر العثماني استغرقت أيضا عامان ونصف، وذلك بضغط من البروفسور ريمون الذي كان يريدني ان أطلع على أكبر قدر من الوثائق، وأجمع أكبر قدر من المعطيات تسمح بإعطاء تصورات مقبولة عن السكان وأصولهم ومستواهم الاجتماعي، وأسعار البيوت والعقارات وصعودها وهبوطها عبر الوقت، وتأثرها بالأحداث السياسية ودور الأعيان في ساروجا، كلها أسئلة تحتاج لمادة علمية كافية حسب القواعد العلمية… وقد كان هذا الحي وتاريخه وعمرانه مجالا ممتازا للبحث والمعرفة.

حي سوقساورجا الدمشقي العريق بعدسة الفنان التشكيلي والآثاري البارز خالد معاذ

إعادة تنظيم ما تم تنظيمه

حسب ما أوضح د. عبد الرزاق معاذ فقد واجه الآثاريون المخلصون لهوية دمشق وحماية تراثها، مشكلة يجب حلها لحماية الأحياء التاريخية الواقعة خارج سور دمشق الروماني، مثل حي ساروجا، وقد تمثلت المشكلة القانونية بقانون أو مادة تمنع إعادة تنظيم ما تم تنظيمه، ومن المعروف أن عمر اي مخطط تنظيمي هو 15 عاماً فقط، وإن لم ينفذ فيكون لعلة فيه وهذا ما قاله إيكوشار نفسه.

والمشكلة اليوم أن هناك أحياء – ومنها حي سوقساروجا – قد نظمت بطريقة خاطئة وفق مخطط إيكوشار، الذي قال أن كل الأحياء القديمة خارج السور الروماني يجوز هدمها، وبناء عليه أصبح الواقع الراهن او الموجود على المخططات السابقة ملغياً، وتم تقسيم مناطق الى مقاسم اشتراها اشخاص اخرون والغيت الصحائف العقارية وحل مالكون اخرون مكان أصحاب البيوت الأصليين والشاغلين الحاليين. والمحافظة كانت تقول دائما بأنها ليست صاحبة مصلحة في بقاء هذه المناطق التي تم تنظيمها، ومن يريد ان يحفظها فيجب ان يدفع ثمنها بالسعر الرائج.

تهديد ووعيد ضد من يحمي التراث

ويكشف د. معاذ في حديثه لـ “العربي القديم” أنه مرات عديدة قام المحافظ بتهديدي حين كنت مديرا للآثار قائلا: “بلبسك ياها هه” . وبالمقابل قلنا للمحافظ بأن هذا تراث وتاريخ المدينة وليس فقط من واجب مديرية الاثار حمايته، فذكر المحافظ سعرا لعملية التعويض هذه المالكين الحقيقيين مقابل حماية الحي. فقال له الدكتور موفق دغمان الذي كان يشغل منصب مدير آثار دمشق القديمة: يا سيادة المحافظ الرقم الذي تذكره هو سعر بنايتين في المالكي فقط ومن واجب المحافظة المشاركة في حماية التراث.

والإشكالية الكبيرة التي كانت موجودة هي عدم تأهيل كوادر لتستلم زمام الامور، ولم يتم إيفاد اي عنصر لصالح المديرية العامة للآثار خلال عقود طويلة، وتدريجيا منذ الثمانينيات بدأ المدراء في المديرية في التقاعد مع عدم وجود كادر مؤهل يحل محلهم الا ما ندر. ولذلك لم تكن مواقف المديرية حازمة بالنسبة لحماية الآثار.

كنوز حي سوقساروجا التي أراد رياض نعسان آغا وعلي القيم إباحة هدمها (العربي القديم)

رياض نعسان آغا تطاول على قانون الآثار

ويكشف الدكتور عبد الرزاق معاذ الدور الذي لعبه بعض المسؤولين والوزراء المنافقين في التطاول على الآثار وتسهيل مهمة نزع الصفة الآثارية عن كثير من المناطق والمباني في دمشق وحمص وحماة فيقول في سياق حديثه المستفيض عن مشكلة حي ساروجا:

” من المهم جدا التأكيد على الناحية القانونية في قضية ساروجا وقضايا الآثار جميعها، وخصوصا بعد تغول القضاء وبعض وزراء الثقافة السابقين على الآثار خلال العقود الماضية، والتواطؤ في نزع الصفة الأثرية عن مبان ومناطق أثرية، إن كان هذا في ساروجا وما حولها أو في حمص وحماة. ويفترض أن تستند الأحكام في هكذا قضايا الى القانون المختص وليس إلى تأليف لجان من قبل القاضي هدفها البت في مدى أثرية البناء وهذا أمر غير مقبول، والتغول على الاثار وقانون الآثار، وان في سورية المديرية العامة للآثار هي السلطة الوحيدة المخولة قانونا البت في اثرية المباني، ولكن هناك استقواء عليها في ظل ضعف المديرية وجهل بعض رؤساء الدوائر. فاذا كان وزير ثقافة مثل رياض نعسان آغا قد تغول على قانون الآثار ولوى عنقه أمام انظار الجميع ورفع صفات اثرية عن عدة مناطق اثرية منها جنوب ساروجا وسوق العتيق وأرواد وغيرها فما بالك ببقية السلطات القضائية والتنفيذية فلماذا لا تستقوي هي أيضا على الاثار.

كذلك نعيد التأكيد على ضرورة إعادة النظر في المادة القانونية  التي تمنع إعادة تنظيم ما تم تنظيمه، فكما ذكرنا أي مخطط تنظيمي مدة صلاحيته لا تتجاوز الـ ١٥ عاما وان لم ينفذ او لم يطبق كله فيكون لعلة فيه، وبالتالي يجب إعادة النظر فيه ووضع مخطط تنظيمي جديد يكون اقل اجراما بالمدينة التاريخية المسجلة لدى اليونسكو التي نبهت مرارا أنها عندما سجلت دمشق مدينة تاريخية على لائحة التراث العالمي لم تقصد المدينة داخل السور فقط وانما خارجه أيضا، ورجعت وسألت السلطات المختصة ماذا فعلتم في مجال الحماية للمدينة سجلت وطلبوا معلومات تفصيلية. وتم تسجيل شرائح من دمشق خارج السور ولكن تحت ضغط المحافظة اضطرت مديرية الاثار الى الاكتفاء بالحد الأدنى، وأدعو الى توسيع رقعة النسيج العمراني المسجل والتشدد في حماية هذا النسيج التاريخي.

الكتاب / الوثيقة 2004: مدير عام الآثار يقترح هدم الآثار، ود. معاذ يدافع ويرفض ويقول كلمته للتاريخ (العربي القديم)

-من ناحية اخرى، ونظرا لعجز المحافظة عن القيام بإنجاز مخطط تنظيمي جديد او تكليف جهة بذلك والكلام عن هذا الموضوع يتم منذ نصف قرن، وعام ١٩٩٦ قامت جامعة هارفارد بتقديم عرض بإنجاز مخطط تنظيمي جديد للمدينة دون أي مقابل اسوة بما فعلته في مدينة فاس، لكن لم يأخذ احد هذا العرض على محمل الجد. ولجأت المحافظة لحلول ترقيعية كتكليف كلية العمارة بإجراء دراسة تنظيمية لمنطقة ساروجا عام ١٩٩٦ ولكنها لم تأخذ بها.

-وكانت منطقة جنوب ساروجا القرماني – سوق العتيق وما حولها مركز ضغط كبير من اجل هدمها لوجود مشروع اماراتي كان رئيس مجلس الوزراء ميرو قد اتصل معي وقال لي بصراحة عن ذلك ثم استخدم لغة التهديد والوعيد.

وقد حاولنا وقتها وشكلنا فريق بالتعاون مع الدكتور سعد الله جبور رئيس قسم تخطيط المدن في كلية العمارة وقتها والذي له افضال كثيرة في محاولة ايجاد حلول لساروجا، ورأينا تشكيل فريق عربي اوربي من الخبراء منهم خبيرة من الاردن وخبيرة من لبنان وخبير ايطالي ولفت نظرنا الخبير الايطالي الدكتور سيموني ريكا الى ان سوق العتيق وما حوله يشكل ايضا تراثا ماديا تاريخيا لمدينة دمشق حيث اعتاد الناس عبر قرون شراء حاجياتهم منه، بالإضافة لأهميته التاريخية الاثرية. وان كانت هذه اللجنة قد أجهضها تدخل عميد كلية العمارة السافر وقتها ومحاولة اخذ المشروع لنفسه

 ضياع أم إغراق بالتدمير وتشويه الهوية

  بعد ما تم الاطلاع عليه من ضياع في مجال مصور دمشق التنظيمي والاجتماعات التي لم تسفر عن نتائج ملموسة للانطلاق فعليا برفع الإذى عن المدينة الاجمل والأعرق!!

هل من المعقول أن ينتصر حفنة من رعاع العقاريين بالاتفاق مع لصوص الادارة والمحافظين والوزراء!!! ويتركون هذا الحي وأمثاله من نفائس النسيج العمراني القديم عرضة للتهديم ليلا وللحرائق المفتعلة والإشعارات الاسوأ في قصور تشهد جدرانها عظمة تاريخها ومجتمعها..

إن القانون واضح وجلي البيان في حماية النسيج العمراني القديم ومثل ساروجا جدير بالانتصار لحمايته والحفاظ عليه وترميم قصوره وحاراته!!!هو معلم سياحي مميز في وسط بشاعة العمران التي احاطته!!

القانون يقول ببطلان أي مصور تنظيمي مضى على صدوره اكثر من خمسة عشر عاما ولم ينفذ، ويكون ذلك لعلة فيه!! الا تكفي ستين سنة على صدور مخطط تنظيمي جائر ومبرر للهدم لينتصر المسؤول اليوم لدمشق وعراقتها؟!

الأمل كبير حاليا بوجود من يقدس عظمة دمشق التي لا تريدها أقوالا… لا قصائد من وزير معني بحماية التراث الذي هو اهم اعمدة الثقافة!! ومن محافظ يؤكد على أهمية دمشق وآثارها،… ووجود مدير آثار نبيل يسعى لترسيخ قواعد صارمة لحماية هذا التراث.

نحن في مرحلة جديدة عنوانها الثورة وانتصارها، والتحرير وآفاقه، فهل نجد من ينتصر لإلغاء مخطط تنظيمي صار بحكم الملغي بمرور العقود والسنوات؟!

إن دمشق التي لا تكرر في عمران المدن تستحق منا أن نعمل لنحمي ما بقي منها، بعد سقوط النظام الهمجي الذي ترك أسوأ الصور والنماذج المشوهة لجمالها وعراقتها، وهل نسعى لنبعد عن دمشق القديمة عمارة الأبراج التي ستشوه التميز والهوية !! دمشق جوهرة التاريخ كما تقول لنا أوابدها وعصورها وشواهدها… فلنبعد عنها فساد الشاقوليين الباحثين عن الأرباح فقط، وغير المكترثين بقيمة الأثر وفرادة العمران وإرث الهوية الحضارية.

تعليق واحد

  1. شهادة من الواقع: في عام ١٩٩٢ تم تكليفي برئاسة مجموعة من المهندسين والفنيين لوضع تصور عام لما سمي مشروع الحجاز أو وسط المدينة ، وتم تقديم التصورات إلى محافظة دمشق ومنها تكملة محاور مخطط ايكوشار واقتراح مشروع مترو وأبراج وكراجات طابقية ، وتعديل في اتجاه جسر فيكتوريا أي ازالته ووضعه في الاتجاه الآخر ، وللأمانة كان لدينا مخططات تتضمن مباني مصنفة على أنها محمية من الآثار والمتاحف وكان التعبير ( ملحقة ضمن السور) وكنا نتجنب التعدي عليها في تصورنا.
    وبعد ما يقارب عام من العمل لم ينفذ شيء من المقترحات من قبل المحافظة وكان الرد أن القرار يأتي من القيادة السياسية.
    طبعاً بعد بدء الثورة بدأت بعض أفكار المشروع تظهر إزالة كراجات البرامكة وكازية ومقهى الحجاز.

زر الذهاب إلى الأعلى