الرأي العام

بصمات | من سوريا حتى أوكرانيا: الوحشية الروسية بالأسماء والصور

د. علي حافظ

في الحقيقة، لم أستطع مشاهدة الفيديو، الذي أرسلته لي طالبتي الأوكرانية (سفيتلانا) حتى النهاية، رغم كل محاولاتي الحثيثة والمتكررة. فقد أعادني إلى كوابيس الحرب وفظائعها وتداعياتها، التي لم أتخلص منها حتى الآن، وتلاحقني في كل خطوة من خطواتي.

لكن، بعد جهد جهيد ومعاناة مضنية وشعور مضاعف بالألم، تغلبت على كل هواجسي، وتمكنت أخيراً من مشاهدته.

يصور الفيديو جندياً روسياً يذبح جندياً أوكرانياً أسيراً كالشاة؛ لكن الفرق الوحيد تلخص في أن الأوكراني كان إنساناً، إنساناً حقيقياً؛ وصرخ بأعلى ما يستطيع الكائن الحي فعله قبل أن تسرق روحه من جسده بهذه الطريقة المشينة.. صرخ: “مؤلم، مؤلم، مؤلم…”؛ ومن ثم اختفى صوته عندما وصلت السكين إلى الحلقوم والودجين وهما العرقان اللذان يحملان الدم إلى الرأس؛ وتحول إلى جثة هامدة لا حول لها ولا قوة. تابع ذلك الروسي عمله السكيني بكل حماس وشغف، بينما راح شريكه يحثه من وراء كواليس الجريمة الشنعاء:

– حيوانات اقطعوا لهم رؤوسهم. اقطع رأسه وأرسلوه إلى كييف؛ اكسر عموده الفقري… ماذا؟ ألم تقطع رأساً قط؟

يعقب المصور:

– سأنتهي من التصوير حالاً.

يجيبوه:

– صور حتى النهاية…

يتحدثون فيما بينهم، ثم يتقاسمون زي الجندي الأوكراني.. في النهاية يقول أحدهم:

– أظهرالرأس في الفيديو، وضعوه في كيس وأرسلوه إلى القائد!”.

هذا الفيديو المفجع، والذي سرق النوم والطمأنينة من نفسي لفترة طويلة، يؤكد مرة أخرى وجود جينوم خاص للإجرام لدى هؤلاء؛ فكلنا يتذكر الجندي الأوكراني الأعزل (ألكسندر ماتسيفسكي) الذي وقف وحيداً في خندقه؛ ومن ثم غب نفساً عميقاً من سيجارته وقال “المجد لأوكرانيا” متحدياً جلاديه الروس؛ لينهالوا عليه بالرصاص والشتائم، دون أي رادع أخلاقي أو حس إنساني، أو حتى معرفة بالوثائق الدولية التي تحرم ذلك وتمنع إطلاق النار على الأسرى. لم تتحمل خارطة دمهم الدنيئة نفحة العزة هذه؛ فكانت الأخيرة في حياته القصيرة!

لم تقتصر جرائم الروس على أوكرانيا فحسب، بل كان لهم آثار افتراسية كثيرة في أفغانستان والشيشان وداغستان وأبخازيا، وفي سورية أيضاً…

هناك فيديو انتشر على شبكة الانترنيت في 20 يونيو 2017؛ وهو يصور عملية تعذيب وضرب المواطن السوري الأعزل محمد طه إسماعيل العبد الله (ابن دير الزور المعروف باسم حمادي الطه البوطه) بمطرقة ثقيلة حتى الموت؛ ومن ثم قام أحد المشاركين في الجريمة بقطع رأسه، بينما علق آخرون مقدمين المشورة مع بعض الكلمات النابية:

– قص، هيا أقوى! هيا، اكسر فقرات الظهر! هيا بالمجرفة!

يضيف أحد المشاركين بعد كسر يد الرجل بفظاعة:

– الجندي الروسي هو القوة!

ثم يتم تقطيع اليدين بمجرفة، ويوصي آخر:

– اترك الساقين لأننا سنعلقه من القدمين.

بعد ذلك يُعلق الجسم مقطوع الرأس والذراعين رأساً على عقب، وقد كتبوا على بطنه “من أجل القوات المحمولة جواً”… يصبون عليه البنزين ويحرقونه؛ في حين يستمرون بالاستمتاع والصخب على أنغام الأغنية العنصرية “أنا مقاتل من القوات الخاصة الروسية”، التي انتشرت أيام الحرب الروسية الشيشانية الأولى:

القرية تحترق،

والأم الشيشانية تهرب..

لا تريد أن تعطيني الطفل؛

ألتقط البندقية الثقيلة من على كتفي،

آخذ الطفل وأقتل الأم.

أنا مقاتل من القوات الخاصة الروسية،

ولا يهمني شيء على الإطلاق…

تتم العملية المخزية للبشرية جمعاء باحتفالية وطقوسية سادية غريبة؛ العملية التي شارك فيها مجرمون، تمكنتُ من جمع أسماؤهم وألقابهم بعد عمليات بحث طويلة ومضنية؛ وقد نشرتهم عدة مرات؛ لكنهم – رغم ذلك-  ما زالوا أحراراً، ولم تتم ملاحقتهم قضائياً، ولا محاسبتهم، ولا معاقبتهم في أي مكان:

ستانيسلاف ديتشكو (سكاراب)

ميخائيل ماشاروف (مافر)

جاهونجير ميراتسورف (بامير)

فلاديسلاف أبوستول (وولف)

فلاديمير كيتايف (كيتايتس)

فلاديسلاف بانشوك (روجر)

أوليغ كونغين (كونغ)

أندريه باكونوفيتش (سلينغ)

إيغور كريجانوفسكي (ريكوشيت)

نيقولاي بودكو (قائد مفرزة الاقتحام الرابعة).

هذه الفيديوهات، رغم ندرتها، تدل على أن السلوك السادي المشين في تلك الجرائم يُظهر بوضوح للعالم، العديد من السمات المتشابهة والمخفية سابقاً للأعراض المرضية والتشوهات والشراهة العنفية والقسوة غير المبررة في ما يعرف بـ “الروح الروسية الغامضة”؛ وهذه ليست مجرد مظاهر فردية لسلوك المعتدين، بل هي سمات جماعية.

 يبدو هؤلاء القتلة وكأنهم قد تعلموا الذبح في بطون أمهاتهم، وأصبحوا ذبّيحة بالفطرة.. إنهم لا يؤمنون بحرمة كل حياة بشرية؛ محولين كل مكان تدوسه أقدامهم القذرة إلى مسلخ!

وهنا يمكن أن نسأل: كم قتلوا من الناس بعيداً عن عداسات الكاميرات؟ كم جلبوا من دمار وخراب للشعوب دون رصد أو توثيق؟ وكم ذرفت الأمهات من دموع بسببهم دون أن يراها أحد؟

لا أعرف إلى أي درجة من الانحطاط وصل ذلك الروسي الذي ما زال يعتبر نفسه إنساناً؛ وقدم أدباً عالمياً لا يرقى إليه أحد؟

لا أحد يسألني بعد اليوم عن إنسانية روسيا؛ فسائر معاركها هي مصائب بالنسبة للتاريخ البشري، ففي أفغانستان حاولت خلال 10 أعوام، وبمساعدة جميع شعوب الاتحاد السوفييتي، أن تحتل هذا الشعب وتفرض إرادتها عليه، لكنها لم تستطع!

وفي الشيشان شنت حربين متتاليتين وقتلت 200 ألف من شعبها؛ ولم تستطع أن تضبط الأمور إلا عندما جاءت بمستبد محلي هو قاديروف الابن على حساب شعب مكلوم مقموع ومحروم من كل حقوقه!

وفي سورية احتاجت إلى كل أنواع أسلحتها المدمرة لتخنق شعباً مسلحاً بالحرية والبنادق والرشاشات والقنابل اليدوية والصواريخ محلية الصنع، وتبقي آل الأسد فوق عرش دمويتهم المجرمة. إلا أن نار ثورة الحرية لم تخمد بعد، وهي مازالت قابعة تحت رماد القلوب؛ ويمكنها في أية لحظة أن تشتعل وبقوة وعنفوان أكثر!

وفي روسيا نفسها تكم الأفواه، وتقتل المخابرات كل المعارضين الرئيسيين أو تزج بهم في السجون والمعتقلات، ويُدفع بأجيال كاملة للموت في حروب بوتين الاستعمارية.. هناك يعيش أغلب الناس في فقر مدقع، في حين يبني جزار الكرملين القصور الفارهة ليصبح من أثرى أثرياء العالم… العار عليكم يا دعاة القتل والبربرية إلى أبد الآبدين!

المواطن السوري الأعزل الذي نكل به المجرمون الروس
زر الذهاب إلى الأعلى