العربي الآن

سوريا نحو المستقبل.. ومعارضو الماضي تائهون

فجأة استفاقوا يطالبون بكل شيء دفعة واحدة من العلمانية الى المازوت

أسامة المصري – العربي القديم

فيما تواصل السلطات السورية الجديدة حاثة الخطى لإعادة بناء الدولة السورية على كافة الاصعدة تواصل شخصيات معارضة ونخب وسياسيون وناشطون وضع العصي بالدواليب بأحسن احوالهم دون ان ينتبهوا الى القول المأثور أن تشعل شمعة خير ألف مرة من ان تلعن الظلام فخلال اسبوع مضى اطل رئيس سوريا السيد احمد الشرع بأكثر من حديث صحفي اضافة القاءه خطابين، واعطى صورة شاملة عن الاولويات والوضع السوري وتصوراته للمرحلة الانتقالية بتفصيل لا يحتاج الى اي توضيحات.

قبل أن يتحدث الشرع وعلى مدى شهرين تقريبا يطالب الناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي من كل التيارات الاجتماعية والسياسية بضرورة ان يتحدث الشرع ويخاطب السوريين بدل ان يودع وفودا ويستقبل اخرى فيما ذهب اخرون الى طلبات مثل ضمانات للأقليات والحقوق ووقف الانتهاكات الخطيرة وعقدت الندوات وتعالت الاصوات لدرجة ان مظاهرات خرجت في اوروبا تطالب الغرب بالتدخل بسبب اعمال القتل لكل من هو غير سني فيما استنفر المناضل هيثم مناع من اجل تدخل عسكري دولي وتطبيق القرار 2254.

ومن خلال مراقبتي للنشاط المحموم على مواقع التواصل الاجتماعي ومتابعة الندوات والتصريحات حتى ان الفلسطينيون من داخل فلسطين والعراقيون ربما من اتباع السيستاني والسوداني، ينشطون بعقد ندوات لأشخاص سوريين تكرس لبحث الخطر المحدق في سوريا وبشعبها. ولا أدري أين كان هؤلاء عندما كان يتم التطهير العرقي وتدمير المدن بالبراميل.

لقد تولد لدي انطباع ان الكثير  ممن صمتوا خلال اثني عشر عاما على الأقل كان لديهم جوع للكلام والتعبير عن ما بدواخلهم، ومنهم من يعيش خارج سوريا ولم ينتبهوا الى حجم التغيير الذي حصل بإسقاط النظام و انهم (بعضهم اعتبر أن ما حصل ليس سوى تبديل سلطة بأخرى) أصبحوا أحرار من الخوف لدرجة انهم باتوا قادرون بتعليقاتهم تناول اي شخص يخطر على بالهم بكلمات ساخرة او شتائم حتى لقائد العمليات العسكرية الذي اسقط النظام (حتى ينتابك احساس انهم ضد اسقاط النظام) بل ذهب البعض للحديث عن قضايا شخصية وما شابه ذلك ومنهم من ذهب به خياله لتوجيه انتقادات وتحليلات ليس لها صلة بالواقع حول السلطة الجديدة وافاقها وكذلك ما يحلمون به من يوتيوبيا ليس موجودة سوى بمخيلاتهم..

 والعديد ممن يعتقدون انفسهم انهم سياسيون او مثقفون أو ناشطون ومفكرون لم ينتبهوا ان السلطة الجديدة لم تحضر معها عنفات لتوليد الكهرباء أو مصافي للنفط لحل أزمة الطاقة على سبيل المثال، فهم لم ينتبهوا إلى معاناة السوريين قبل إسقاط النظام، فجأة استفاقوا يطالبون بكل شيء دفعة واحدة من العلمانية الى المازوت الى العدالة والمظاهر المسلحة وترويع السكان الامنين والعفو العام وشكل الدولة ودستورها والقضاء ولون الثياب والشرطة السويسرية، وكأنهم كانوا والشعب السوري خلال اكثر من نصف قرن يأكلون بسكويت ماري انطوانيت واتت السلطة الجديدة بخبز الشعير .

باختصار السلطة الجديدة التي اسقطت النظام احبطتهم فهم كانوا يريدون ان تأتي ديموقراطية الغرب بأحزاب وجمعيات وتنظيمات محملة على عربات فرنسية بيضاء تقودها احصنة ماكرون وربما يقبلون ان قادتها احصنة ميلوني يجب ان تكون السلطة الجديدة على مقاس مخيلاتهم  ومع خطاب الشرع ببدلته العسكرية واعلان حل الفصائل العسكرية ودمجها ضمن وزارة الدفاع انطلق هؤلاء المحللون والسياسيون من كل حدب وصوب بالتحليلات وبناء نتائج ودلالات تؤكد اننا ذاهبون الى الجحيم  وتحذيرات من ديكتاتورية ونظام طائفي جديد فكل العسكر من لون واحد متسائلين من نصب الشرع رئيسا فيما بعضهم اعتبر أن الأمر لا يخرج عن السياق التاريخي للمنتصرين كثورة اكتوبر الشيوعية فيما اعتبر اخرون ان ما جرى انقلاب عسكري بدلالة الحضور العسكري واللباس العسكري وما قاله الشرع ليس سوى البيان رقم واحد الذي غالبا ما كان يتبعه احكاما عرفية وحالة طوارئ عاش معظم السوريين جل حياتهم تحت سلطتها.

وانهمرت سيول التعليقات الغير مرحبة فيما انهالت التحليلات متسائلة (سوريا إلى أين؟) انها الدكتاتورية انها حكم الاستبداد من جديد لنعلن النفير العام وذهب البعض لرسم السيد احمد الشرع بنصف وجه بشار الاسد فيما تداعى الناشطون واليساريون وغيرهم من فلول اليسار كالحزب الشيوعي السوري لينفخ بالصور ان هبوا واستشهدوا بتاريخهم الغير مشرف بلا خجل.

رغم أن خطاب الشرع كان واضحا فهو اجتماع عسكري أعلن فيه عن حل كل الفصائل بما فيها هيئة تحرير الشام (التي يخشونها كفصيل متشدد) وأعلن عن البدء بتشكيل جيش وطني سوري وحل جميع احزاب الجبهة بما فيها حزب (العبث) ومع ذلك رأى البعض ان ليس من حق أحد ان يحل أحد طالما انه لا يوجد سلطة شرعية بمعيار هؤلاء لا بل اعتبر البعض ان حل مجلس الشعب سيضع التشريع في مهب الريح دون ان ننسى البكاء على حل اجهزة الشرطة البريئة كما براءة وزير الداخلية محمد الشعار.

اتى خطاب الشرع بعد أن أصبح رئيسا لسوريا الجديدة في اليوم التالي الذي وضع برنامج للمرحلة الانتقالية التي سترسم مستقبل سوريا بخطبة من خمس دقائق، وبلباس مدني لم يترك اي نقطة غامضة دون توضيح، من تشكيل لجان تحضيرية صولا الى الدستور والانتخابات البرلمانية والرئاسية

الدقائق الخمسة استدعت استنفار كبير هذه المرة خاصة انه لم يترك شيئا هاما دون ان يعرج عليه لكن عبثا تذهب محاولات الرئيس الجديد حيث ذهب البعض الى القول مهما حصل فانا لن اكون الا معارض لم يجد هو وغيره ما ينتقده لذلك حسم خياره ليكون معارضا كون المعارضة والنضال امتياز للمثقفين واليساريين بينما اتجه آخرون للبحث في ما وراء الخطاب مشيرين الى القول (اسمع كلامك اصدقك اشوف افعالك استغرب).

ايام قليلة واذ به يدلي بحديث صحفي لتلفزيون سوريا مجيبا عن كل الاسئلة التي يبحث عنها السياسيون والسياسيات والباحثون والباحثات والمنتقدون والمنتقدات والناشطون والناشطات الغوغائيون والغوغائيات والمتصيدون والمتصيدات والعلمانيون العلمانيات، من وحدة سوريا الى السلطة الى المواطنة، تحقيق العدالة والعفو، حصر السلاح، اعلان دستوري، ومع ذلك اصبحنا كما امسينا (لم يذكر كلمة ديموقراطية والمذيع كان مو فهمان والمذيعة لابسة احمر ) بل ذهب البعض بالمطالبة بتجريم السلطة الجديدة على اعتبارها سلطة امر واقع وترتكب انتهاكات فظيعة بحسب مدرسة هيثم مناع الحقوقية.

أما وأنه باعتقادي ما قدمه من تصورات وما طرحه من أفكار أيضا في مقابلته الاخيرة مع الإيكونوميست جاء مكملا وشارحا وخاصة حول وحدة سوريا وأهمية السلم الأهلي والتفاوض مع الرافضين لتسليم السلاح والتشديد على اعادة بناء سوريا كدولة دستور وقانون وصولا الى الجدول الزمني للمرحلة الانتقالية. وعندما أشار الى أهمية الاختصاصيين في مجال الاقتصاد والقانون والدستور والاحزاب اعتبروا انه لابد من الإفصاح عن هؤلاء لنعرف من سيوظف هل سيأتي بالأدالبة مثلا ام الإيغور.    

اعتقد ان المشكلة تكمن في اعماق هؤلاء الاشخاص الذين تقدموا وبرزوا في  المشهد السوري (الكتروني) مع التحول الاعظم في تاريخ سوريا كمحللين وناشطين وهم في معظمهم سياسيون فاشلون او مثقفون هامشيون او كتاب لا يقرأ لهم احد او بدأوا تجاربهم حديثا في التعبير عن الرأي فيما هناك اخرون يطمحون بالحصول على (لايكات وهي بمثابة التصفيق في التجمعات الجماهيرية) من خلال الاكشن حتى وان كانت الرواية ضعيفة لكن الملفت للانتباه وهو الاخطر  هو ارتفاع منسوب الشعور الطائفي ضد الاغلبية السنية وكأنها هي من حكم البلاد وهي من ارتكب الجرائم طيلة ال 54  والمثال الفاقع ودغدغ مشاعر الشاعرين قول احدهم لماذا الاعتذار يجب ان يعتذر تجار دمشق وحلب لانهم هم من ايدوا الاسد الاب.

اخيرا اعتقد ان معظم الانتقادات لا تتحلى بالموضوعية خاصة انها تأتي بعد اسقاط نظام دمر سوريا واوصلها الى الهاوية على كافة المستويات بما فيها الاخلاقية، ويبدو بالفعل بتنا امام ازمة اخلاق قبل كل شيء، واعتقد ان هناك عدة مسائل تقبع خلف هذه الانتقادات، الاولى هي قصر نظر لا يمكن اصلاحه بالنظارات بالطبع ومحدودية في نمط التفكير اليساري الذي لا يزال يعيش ضمن الايدولوجيا وامتلاك الحقيقة والقوالب الجاهزة، والثانية الخوف، الخوف من اي جديد حتى لو سلطة جديدة ولا تزال تحبو وتلت اسقاط أسوا نظام عرفه التاريخ البشري، اما المسألة الثالثة فهي غياب الثقة فالخائف او المذعور لا يثق بأحد وهذا ما يحدث امامنا في البحث بين الكلمات والسطور عن اي حرف يؤكد (وجهة نظرهم) اي خوف المذعورين وبالتالي لا شرعية لمن يثير الخوف عند الاشخاص المذعورين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى