دلالات وقضايا | السُّقوط الأخلاقيُّ من مجزرة الأقلام حتَّى حرب جنوب لبنان
يكتبها: د. مهنا بلال الرشيد
التقط سَمْعِي ونظري بالأمس محتوى مرئيًّا يتابعه أطفالي في موقع اليوتيوب؛ كان بعوان: (قرطاسيَّة حزينة)، صنعته (عيلة فنِّيَّة) كما تسمِّي قناتها على اليوتيوب، وأفراد هذه العائلة من أخوتنا الَّذين يسكون في جنوب لبنان، وبدؤوا في الآونة الأخيرة يعانون بعضًا من ويلات الحرب، الَّتي يخوضها ضدَّنا نظام المجرم بشَّار الأسد، والَّتي عانينا وما زلنا نعاني منها نحن-السُّوريِّين-منذ ثلاث عشرة سنة. وقد شدَّني محتوى هذه الحلقة منذ حديث الأطفال في بدايتها عن معاناتهم من ويلات الحرب الَّتي سرقت طفولتهم، وجعلتهم يكبرون قبل أوانهم، ويتابعون أخبار الحرب، الَّتي تدمي قلب كلِّ حرٍّ شريف، ولا يمجِّدها، ويمدح آلاتها ومجرميها إلَّا مجرم قذر مثلهم أو مثل حسين مرتضى، الَّذي تصوَّر مع الطَّائرة الحربيَّة الَّتي تقتل أطفال سوريا، وأطلق عليها اسم العصفورة، وتصوَّر في مشهد آخر مع الحافلات الخضراء، الَّتي أرسلها المجرم بشَّار الأسد لترحيل الأطفال والعوائل قسرًا من مدارسهم وبيوتهم، كما امتدح الجرَّافة الَّتي تهدم البيوت في محتوى مرئيٍّ ثالث، وتفاخر بتهجير سكَّان إدلب في محتوى مرئيٍّ رابع، وعبَّر عن فرحته بتناول حلوى (الشِّعيبيَّات) فرحًا بتهجير الأهالي، مع أنَّه لا يعرف شيئًا من طقوس الشِّعيبيَّات الإدلبيَّة ودلالاتها، ويفهم الفرق في الدِّلالة بين إطعامها للغُزاة والمجرمين أو توزيعها في مناسات الفرح، كما تذكَّرتُ دَجلَ الإعلاميِّين السُّوريِّين الخاضعين لسيطرة المجرم بشَّار الأسد وتبريرهم قصف البيوت وارتكاب مجزرة الأقلام الشَّهيرة في بلدة حاس في إدلب بتاريخ 25 تشرين الأوَّل-أكتوبر 2016 والاستطراد بالسُّقوط الأخلاقيِّ وتسمية أهالي الأطفال وأشلائهم وأقلامهم وكتبهم ودفاترهم وأناملهم المتناثرة (بيئة حاضة)؛ فقلت: هل يحقُّ لمن شمتَ بأطفال سوريا أو تجاهلهم أن يتعاطف مع أطفال بنان؟ هل تجوز الشَّماتة أساسًا بضحايا الحرب من أبنائنا في حاس وإدلب وسائر سوريا وأطفال (عيلة فنِّيَّة) وأطفال جنوب لبنان؟ هل يجوز أن نسلبهم طفولتهم لنكون مثل الحرب الحقيرة أو جنودًا من جنود حربها النَّفسيَّة على أقلِّ تقدير؟ هل يجوز أن نقول عن هؤلاء الأطفال (بيئة حاضنة) لمجرمي حزب الله برغم انتشار مجرمي البيجر بينهم؟ هل يجوز تحميلهم تبعات السَّقطات الأخلاقيَّة لإعلاميِّي حزب الله الإرهابيِّ ومرتزقة إيران؛ مثل حسين مرتضى ونساء الخامنئيِّ وفتياته من إعلاميَّات قناة المنار والسُّوشال ميديات اللَّواتي اُشتهرن بسقطاتهنَّ الأخلاقيَّة، واعتبرن أنَّ مجزرة الأقلام، الَّتي ارتكبتها طائرات المجرم بشَّار الأسد ضدَّ أطفال المدارس الأبرياء في بلدة حاس في إدلب بتاريخ 25 تشرين الأوَّل-أكتوبر 2016 نصرًا كبيرًا لهنَّ ولمحور الشَّرِّ الَّذي ينتمين إليه؟
طبعًا هذا لا يجوز، طبعًا لا يمكن معالجة الرَّذيلة أو القضاء عليها من خلال الرَّدِّ عليها برذيلة أو مواجهتها بسقطة أخلاقيَّة مثلها؛ وأدلَّة البديهة المنطقيَّة على ذلك كثيرة، وحديث الفلاسفة والمناطقة وعلماء النَّفس والأخلاق والاجتماع في هذا الباب أكثر من أن تستوعبه كتب كثيرة، ويلخِّص هذا المعنى أبيات لأبي تمَّام الطَّائيِّ؛ ترسم صورة فاضحة للسَّاقطين أخلاقيًّا وفكريًّا وفنِّيًّا وإنسانيًّا، وتكشف ملامح سقطاتهم الأخلاقيَّة أيضًا، وتنصح بعدم النُّزول معهم إلى دركاتهم؛ حين قال:
إذا جاريتَ في خُلقٍ دنيئًا فأنتَ ومن تجاريه سواءُ
رأيتُ الحرَّ يجتنب المخازي ويحميه عن الغدر الوفاء
وما من شدَّة إلَّا سيأتي لها من بعد شدَّتها رخاءُ
يعيش المرء ما استحيا بخير ويبقى العودُ ما بقي اللِّحاءُ
لئيمُ الفعل من قومٍ كرامٍ له من بينهم أبدًا عواءُ
لا شكَّ أنَّ حسين مرتضى وغيره من الإعلاميَّات والإعلاميِّين المؤدلجين بالفكر الإيرانيِّ غدروا بأهلهم السُّوريِّين الَّذين آووهم واحتضونهم بعد حرب تمُّوز في لبنان 2006؛ لكنَّ هؤلاء، وبرغم غدرهم، لا يمثِّلون أهلنا الأنقياء وأطفالنا الأبرياء من شيعة جنوب لبنان؛ لأنَّهم لا يمثِّلون إلَّا أنفسهم، ولا يعكسون إلَّا صدى عواء الذَّنَبِ اللَّئيم بين باقي قوم كرام من أهلنا، نحبُّهم، ونتعاطف معهم، بشرط ألَّا يكونوا من المجرمين أو المناصرين لبشَّار الأسد وحسن نصر الله وجوقة المجرمين وسلسلة جرائمهم الفظيعة ضدَّ أبرياء سوريا وأطفال المدارس فيها.
عصفورة المجرم حسين مرتضى وآلات الحرب عند السَّيَّاب
لم تشغلنا أصوات النَّشاز، الَّتي تردِّدها جوقة المجرمين من مرتزقة الإعلاميِّين جنوب لبنان، ولم تحُلْ هذه الغربان النَّاعقة دون نظرة الإكبار لمواقف بدر شاكر السَّيَّاب النَّبيلة؛ لذلك حفظنا له كثيرًا من شعره، ذاك الَّذي يعبِّر فيه عن إنسانيَّته العالية؛ كقصيدة (الأسلحة والأطفال)، الَّتي يصف فيها فتك الأسلحة وتجَّار الحروب بأجساد الأطفال ومسقبلهم، ويشبِّهه بفتك الشَّظايا بالعصافير البريئة، أو فتكِ طائرات بشَّار الأسد وجرَّافات حسين مرتضى، ودبَّابات نتنياهو بأطفال إدلب وجنوب لبنان؛ حيث قال بدر شاكر السَّيَّاب في تصوير شقاء الأطفال بوصفهم ضحايا الحرب والأسلحة، الَّتي مجَّدها السَّاقط حسين مرتضى؛ فقال:
عصافيرُ أم صِبيةٌ تمرحُ
أم الماء من صخرةٍ ينضحُ؟!
فيخضلُّ عشبٌ وتندى زهور
حديدٌ لمن كلُّ هذا الحديد؟
لقيدِ سيُلوى على معصمِ
ونصلٍ على حلمةٍ أو وريد
وقفلٍ على الباب دون العبيد
وناعورة لاغتراف الدَّمِ؟!
بأقدام أطفالنا العاريه
يمينًا، وبالخبز والعافيه
إذا لم نعفِّر جباه الطُّغاه
على هذه الأرجلِ الحافية
وإن لم نذوِّب رصاص الغزاه
حروفًا هي الأنجم الهاديه
فمنهنَّ في كلِّ دار كتاب
ينادي قفي واصدئي يا حِراب!
وإن لم نضوِّ القرى الدَّاجيه
ولم نُخْرِس الفوَّهات الغِضاب
ونُجلِ المغيرين عن آسيه
فلا ذكرتنا بغير السُّباب
أو اللَّعنِ أجيالنا الآتية!
السُّقوط الأخلاقيُّ وازدواجيَّة المعايير
هل أنت شاعرٌ أو مثقَّفٌ أو أديبٌ أو كاتبٌ أو مفكِّر؟ هل أنت إنسان طبيعيٌّ؟ أَتَّخذتَ موقفًا واضحًا من جرائم بشَّار ضدَّ أطفال سوريا أم أعمت الأيديولوجيا الدِّينيَّة والسِّياسيَّة على بصرك وبصيرتك؟ هذا لا يهمُّ بالنِّسبة لنا؛ ولكنَّنا نطرح هذه الأسئلة لنشيد بإنسانيَّتك إذا اتَّخذت موقفًا واضحًا ضدَّ الجريمة والمجرمين؛ إذا لم تخضع لتأثير الأيديولوجيا، لنقول لك بعد ذلك: إن كنتَ ساقطًا فإنَّنا لن نجاريك في سقطاتك أو سقطاتك الأخلاقيَّة، لا سيَّما إن كنت قد وقفتَ مع المجرم بشَّار الأسد في حربه ضدَّ أطفال سوريا، إن كنتَ قد أيَّدته في جرائمه؛ إن كنت لم تشعر بخطئك إلَّا عندما وجدتَ نفسك لاجئًا أو وجدت أهلك نازحين وأطفالك على قارعة الطَّريق وتحت برد الشِّتاء مشرَّدين؛ ثق تمامًا أنَّنا نتعاطف معك ومع أطفالك؛ وأنا بكيتُ مع أطفالي-على سبيل المثال-عندما شاهدنا حلقة لأطفال (عيلة فنِّيَّة) بعنوان (قرطاسيَّة حزينة) برغم معاناتنا من ويلات الحرب ومرارة الغدر والتَّهجير والنُّزوح واللُّجوء؛ فهؤلاء أطفال أبرياء؛ والمدنيُّون ليسوا بيئة حاضنة، وجرَّافات نتنياهو وطائرة المجرم بشَّار الأسد، الَّتي تصوَّرتَ معها ليست (عصفورة) يا حسين مرتضى! نعم، نحن تعاطفنا، وتضامنَّا، وبكينا، وأنا تذكَّرتُ-علاوة على ذلك-خاطرة لميخائيل نعيمة؛ أديب لبنان الكبير؛ ينتقد فيها ازدواجيَّة المعايير عند الإنسان، يعرِّي فيها سقطاته الأخلاقيَّة، ولا يبرِّئنا من عيوبنا، ولا يبرِّئ نفسه الحسَّاسة المرهفة أيضًا؛ فترفَّع بذلك، وسما؛ فليتنا نتذكَّر كلماته، ليتنا نعرِّي أنفسنا، ليتنا نرى عيوبنا، ليتنا نتعَّلم من هذه الخاطرة، نتعلَّم من إنسانيَّتها العالية، الَّتي نختم بها هذا المقال:
أيُّها الإنسان! أنت الإنسانيَّة بكاملها؛ منك تتفجَّر ينابيعها، وإليكَ تجري، وفيك تصبُّ!
أنتَ حاكمها ومحكومها، وظالمها ومظلومها، وهادمها ومهدومها، أنت صالبها ومصلوبها، وضعيفها وقويُّها، وظاهرها وخفيُّها، أنتَّ جلَّادها ومجلودها، ورفيعها وخسيسها، وملاكها وإبليسها!
أنت ابنُ كلِّ أبٍ وأمٍّ، وأبو كلِّ أخٍ وأخت!
وأنا –كائناً من كنتُ– لا مهربَ لي منكَ ولا لكَ منِّي، أنا وأنتَ كِلانا الإنسانيَّة بأسرِها، لولا الَّذين سبقونا لما كنَّا، ولولانا لما كان في رحم الزَّمان إنسان!
أفِي قلب جارِكَ سعادةٌ؟ ألا فاغتبطْ بسعادته؛ لأنَّ في نسيجها خيطًا من نسيج روحكَ!
أفِي قلبِ جاركَ حُرقةٌ؟ فليحترِق قلبُكَ بـها؛ لأنَّ في نارها شرارةً من موقدِ بُغضك وإهمالِكَ!
أفي عين جارك دمعةٌ؟ فلتدمع بها عينك؛ لأنَّ فيها ذرَّةً من ملح قساوتك!
أعلى وجهِ جارِك بسمةٌ؟ فليبسم لها وجهك؛ لأنَّ في حلاوتها شعاعًا من نور محبَّتك!
أمسِ رأيتك تحصي أرباحَك، وترتِّب نفسك معجبًا بدهائك، وما سمعتك تقول: (هذا ما أكسبني النَّاس)، واليوم رأيتك تحسب خسارتك، لاعنًا دهاءَ غيرك، وسمعتك تقول: (هذا ما سلبني إيَّاه النَّاس) أفلا تخجل من أن تكون في الحياة شريكًا ومضاربًا معًا؟! أنتَ الإنسانيَّة بكاملها عرفتَ ذلك أمْ جهلتَه وأنا صورتك ومثالك!