التاريخ السوري

الارتياب من الحرية: عن الخطاب السفسطائي في زمن البعث القائد

الحرية كانت (مصدر قلق دائم) لسياسات حكومات البعث منذ استلامه الحكم في سورية في 8 آذار 1963

صبري عيسى – العربي القديم

 منذ منتصف القرن الماضي اعتمدت الأنظمة والأحزاب (الثورية) العربية خطاباً سياسياً هدفه المعلن تحرير فلسطين وتحقيق الوحدة العربية، واعتمد منظرو البعث جملة سفسطائية مفادها أنه لا شرط لتحقيق الوحدة سوى (تحقيق الوحدة)، ومع ذلك لم ينجحوا خلال حكمهم الأبدي لسورية من تحقيق أي تفاهم مع أي دولة لتحقيق الوحدة حتى مع شقيقهم (البعث العراقي)، ولو تنازل كل منهما عن قطريته وأقاموا الوحدة بين البلدين لحدث تحول كبير في مسيرة البلدين وجنبوا شعبيهما كل هذا الدمار، وأصبحت هذه الدولة الموحدة سداً في وجه الاطماع الفارسية في المنطقة

لقد رفع الرفاق أصواتهم عالياً وبحماس شديد لتسويق (الاشتراكية) وبعد أن تنعمنا بإنجازات الاشتراكية، وامتلأت بطون (شعبنا) وحققنا الرفاهية ، انقلبنا عليها ودخلنا عصر (اقصاد السوق الاجتماعي)، لتحقيق المزيد من الإنجازات لكل جماهير شعب (نا) وارتفعت أسعار كل السلع وحققنا إنجازا كبيرا بزيادة معدلات البطالة والفساد الى أعلى المستويات، والإنجاز الأهم هو ما يتعلق بشعار(الحرية) الذي أصبحنا نتغنى به صباحا ومساءاً مع شقيقيه الوحدة والاشتراكية حيث يقع في منتصفهما باعتبار أن الوحدة شعار إستراتيجي يأتي في المقام الأول وفي مقدمة أهداف البعث الذي كرس وجوده ونضاله لتحقيقها، حتى أنه الغى كلمة (الجمهورية) من اسم الدولة لتصبح (القطر العربي السوري) على افتراض ان الدول العربية هي أقطار افتراضية رسم حدودها الاستعمار وأعوانه، وسياتي اليوم الموعود إن عاجلاً أو آجلاً لندخل منظومة الوحدة العربية الشاملة كما يقول الرفاق!

الحرية كانت (مصدر قلق دائم) لسياسات حكومات البعث منذ استلامه الحكم في سورية في 8 آذار 1963 وسحب امتيازات الصحف الخاصة، ومصادرة آلات الطباعة والنشر، لقد كانت الحرية محور لسياساته المرتابة، لذا قام بحذفها من التداول خوفاً من تسلل الثورة المضادة إلى عقول (جماهيرنا) حسب التعبير السائد، على افتراض أن الجماهير العربية من المحيط إلى الخليج هي الفصائل والرديف الداعم لقواعد (حزبنا) التي لا تنام، وهي في حالة استنفار دائم لرصد وتعقب كل عمليات التسلل المشبوهة التي تستهدف الوجود العربي، لذا بقي شعار (الحرية) تحت الإقامة الجبرية، وتم استبداله بإعلان حالة الطوارئ وتخصيص (مخبر) مرافق لكل مواطن يلاحقه مثل ظله حتى عندما يذهب الى الحمام، ويظهر له أثناء نومه على شكل كابوس يحرمه من التمتع بنوم هادئ ومريح!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى