حزب العمل الشيوعي في سوريا.. سقوط سياسي وأخلاقي
أسامة المصري – العربي القديم
مذهل هذا التحول لأعضاء حزب العمل الشيوعي السابقين والمعتقلين السابقين في سجون الأسد من ماركسيين قدوتهم لينين، إلى انضوائهم تحت رايات حزب الله وقدوتهم وسيدهم حسن نصر الله، فبعد أن كانوا يحلمون بتحقيق الثورة الاشتراكية وإقامة العدالة المطلقة على الأرض واضعين الثورة البلشفية بقيادة لينين بوصلتهم، باتوا يلهثون وراء إنجازات ميليشيات طائفية امتهنت قتل السوريين، وبعد أن كانوا معارضين للنظام انخرط بعضهم إلى جانب النظام أو بين صفوف ميليشياته، وبعد أن كانوا ينتقدون ويعيبون على الحزب الشيوعي السوري تحالفه مع النظام، وعلى الحزب الشيوعي السوري (المكتب السياسي) تحالفه مع الإخوان المسلمين، فإذا بهم يصطفون إلى جانب النظام وميليشيات ايران.
حاول حزب العمل الشيوعي في سوريا منذ تأسيسه أن يكون مميزا عن بقية الحركة الشيوعية السورية بل والعربية أيضا، فقد اعتبر نفسه ثوريا وليس حزبا شيوعيا كلاسيكيا، وأوجد لغة خطاب سياسي عالي النبرة تجاه السلطة، وكذلك اعتمد أسلوبا تحريضيا حادا عبر منشوراته وبياناته، التي لم يترك مناسبة أو حدث إلا وأعطى موقفا منه، وهذا ما لم تفعله الأحزاب المعارضة وخاصة فيما يتعلق بالحدث الفلسطيني واللبناني. واتبع هذا الحزب اسلوب العمل التنظيمي السري في مواجهة القمع الذي مارسه النظام ضده، ورغم هذه السرية فقد فشل في الاستمرار والأسباب عديدة لست بصددها.
هذا الحزب انتهى في عام 1987، حيث وجه النظام ضربة قاضية له واعتقل جميع أعضائه وحتى حاضنته، لكن ما تبقى من قادته خارج السجن وبعض من كانوا في السجن لم يقبلوا بحقيقة أن الحزب انتهى، وانا برأيي أن الحزب لم يكن حزبا يوما ما، بل كان محاولة لا أكثر، فشل قادته في أن يكونوا حزبا، والسبب الرئيسي ليس القمع بل لإن هذه التجربة كانت بعيدة كل البعد عن الواقع الاجتماعي، إضافة الى أنها أتت مع نهايات المد الثوري اليساري وحركات التحرر في العالم التي تبنى معظمها النظرية الماركسية، وعلى العموم الأحزاب الماركسية كلها فشلت في أن تكون أحزابا في منطقتنا العربية وسوريا وحتى أوروبا، خاصة أنهم اعتمدوا استنساخ التجربة اللينينية، فحتى الأحزاب الشيوعية الأوروبية فشلت سواء التي حكمت ضمن الكتلة السوفيتية أو الأحزاب في الدول الغربية، وأعتقد أن المقولة الأساسية التي هي الغاء الملكية الفردية هي الأساس في سقوط وفشل كل التجارب الشيوعية ما لم تكن بالحديد والنار كما يحدث في كوريا الشمالية الى اليوم.
كانت محطة السجن بالنسبة لحزب العمل الشيوعي مهمة جدا وكان مطلوب المراجعة والإقرار بأن هذه التجربة لم ترقَ لأن تكون حزبا والإقرار بفشلها، لكن ما حدث العكس تماما فالكثير منهم يعتبرون أن مرحلة السجن مرحلة وتمضي وأن الخط السياسي للحزب لا غبار عليه، ورغم أن الحزب انتهى، وبشكل حتى مع المكابرة، في عام 1992 عندما اعتقل ما تبقى منه وأسدل النظام الستار نهائيا على هذا الحزب فلم يعد هناك لا قادة ولا كادر ولا أعضاء والجميع باتوا في السجن، ورغم محاولات البعض في تبني الفكر الديموقراطي متأثرين بالسقوط المدوي لدول ما كان يسمى المنظومة الاشتراكية إلا أن هذه المحاولات كانت فاشلة لأن الماركسي الغير مؤهل ديموقراطيا ولم يعرف الديموقراطية في تجربته الحياتية وهو بنفس الوقت لا يقبل بأقل من دكتاتورية البروليتاريا في نظامه السياسي والاجتماعي الذي يطمح إليه ليس ديموقراطيا بل دكتاتوريا في كل ممارساته الحزبية وغير الحزبية فلنتخيل هذا التحول مع عدم وجود مخزون معرفي لهذ الشخص الذي بين عشية وضحاها أصبح يتحدث بالديموقراطية وحقوق الانسان، وأصبح كل (مفكر) ينسج مفاهيم ديموقراطية على هواه.
بالطبع تبخرت الأحلام وخرج المعتقلون من السجون يبحثون على طرق للاستمرار بالحياة، فيما مضى آخرون لإعادة الحياة لهذا الحزب الذي عفى عنه وعن ايديولوجيته الزمن، وهذه هي المحطة التالية حيث اعتزم قلة العودة إلى العمل السياسي وإعادة تأسيس الحزب بنفس الاسم بعد عام 2000، واعتقد أن كل شخص من هؤلاء له أسبابه ودوافعه، جاء ذلك مترافقا مع المناخ السياسي مع موت حافظ الأسد، في ذلك الوقت كانت هذه المحاولة إلا ان فشلا جديدا بل سقوطا مدويا أصاب هذه المحاولة وعلى جميع المستويات واهمها السقوط الأخلاقي وخاصة مع انطلاق الثورة عام 2011، فالثورة السورية حالة يجب أن يكون الموقف واضحا منها، فإما أن تكون معها أو ضدها، ومن الصعب أن تجد المنزلة بين المنزلتين، كما حاول العديد ممن انضموا للحزب المعاد تأسيسه، أو من كانوا أعضاء ومعتقلين سابقين، أن يضعوا أنفسهم في حيز يحفظون ماء وجههم وتاريخهم كما كانوا يظنون، لكن سرعان ما سقط القناع وانخرط معظمهم في مواجهة الثورة مرددين رواية النظام عن الأسلمة والمندسين والمسلحين لدرجة بات من الصعب أن تصدق أن هذا الشخص الذي أمضى 10 أو 15 عاما في سجون الأسد يقف مع الأسد، ليس موقفا سياسيا وحسب بل ذهب البعض ليكون مقاتلا في الميليشيات الطائفية وشخص آخر بعد أن كان يوصف بأنه أحد مؤسسي هذا الحزب في المرتين، بات صديقا لسفاح ومرتكب مجزرة (قرية البيضاء قرب بانياس)، دون أن ننسى أن بعضهم وصل به الأمر لدرجة التحريض على القتل ضد من يخرج عن طاعة النظام.
الكثير من أعضاء حزب العمل الشيوعي الذي تبنى الخط الماركسي الثوري وتعالوا على بقية الأحزاب الماركسية وغير الماركسية لعقود، عندما انطلقت الثورة رأيناهم في مواجهة الثورة، معتمدين على روايات النظام التي لم يكن يصدقها أطفال سوريا الذين خرجوا بالمظاهرات وقتلوا بالرصاص أو بالمعتقلات، بينما كثر من أعضاء هذا الحزب الذين أمضوا عقودا بالتباهي بأنهم ثوريون وماركسيون وقفوا وأدانوا رفاقهم الذين انضموا للحراك، بل واتهموهم بأنهم مع المسلحين، وحاصروهم بكل السبل مطلقين عليهم أبشع الاوصاف التي استعاروها من إعلام النظام، بل الكثير منهم حرضوا طائفيا ضد الثورة.
كنت أتمنى أن ينصبّ جهد من تنطحوا لقيادة الحزب لسنوات طويلة، ولديهم المعلومات عن التجربة وبالطبع اكثر مني بكثير، أن يبذلوا جهدا لنقد هذه التجربة التي من الضروري أن نعرف نحن والمهتمون بالحقائق – دون تلميع ودون تغطية أو طمر – بل ما حصل هو العكس، مضى معظمهم بتمجيد التجربة وتقديسها وهذا ما حدث الى الآن شعرا ونثرا وصوتا وصورة، ورغم أن البعض حاول أن يقدم التجربة كتجربة فريدة في عصرها في مواجهة القمع المعمم كان مطلوب ان نرى هذه التجربة من زاويا أخرى، لماذا انتهت؟ أين أخطأ الحزب وأين أصاب؟ وبالمجمل ماذا حدث خلال هذه العقود منذ التأسيس الى النهاية؟
لماذا هذا السقوط المدوي لأعداد ليست قليلة منحازين ليس للنظام فقط بل حتى للميليشيات الطائفية التي استقدمها النظام لقتل السوريين، ومع ذلك لا يزال السكوت مخيما على كل من كان قياديا في هذا الحزب، واعتقد أن ذلك مقصودا، فهم لا يريدون الاعتراف لا بالأخطاء ولا بالفشل، مبقين على أنفسهم صفة الأبطال في زمن قل من تحدى النظام .
من جهتي ابتعدت عن هذه المنظومة التي لا تزال ترى في نفسها تجربة خالدة، ونأيت بنفسي بعيدا، لكن ما دفعني للكتابة اليوم حقيقة هو سقوط أخلاقي جديد لدى أعضاء من هذا الحزب، مع اغتيال حسن نصر الله، زعيم ميليشيا حزب الله الذي أعلن عداءه الطائفي للسوريين، وارتكبت ميليشياته المجازر بحق السوريين؛ أطفالا ونساء وشيوخا دون رحمة تحت راياته الطائفية السوداء والحمراء على مدى سنوات، ففي حين صمت العديد من أعضائه السابقين وهم من الناشطين على (فيسبوك) تقاطر آخرون على خيم العزاء التي نصبت في بعض المدن السورية للتعزية، ذهب آخرون من هؤلاء الشيوعيين بالتعبير عن الحزن لزعيمهم المقتول حسن نصرالله، فأحدهم نظم الشعر في رثائه، فيما اعتبره آخر (شهيدا شهيدا شهيدا يازينة الرجال)، بينما قال كبير السحرة: (استشهد المقاوم الكبير الشيخ حسن نصرالله)، وآخر قال (لروحك الرحمة أبو هادي قائد المقاومة وسيد الشهداء)، فيما قال آخر (وداعا أيتها المنارة وداعا يا قمرا لطالما أنرت قلوبنا بالأمل في عهود الظلام الطويلة)، فيما كانت الذروة عندما كتب بعضهم منشورا على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك إلى القول (من يفرح لفرح الصهاينة فليسأل أمه عن أبيه).
وبعيدا عن هذا السقوط الأخلاقي في اعتبار السفاح الذي قتل السوريين شهيدا ومنارة ويرثيه الشعراء والكتّاب، بينما ميليشياته تفرض الحداد على ضحاياها من السوريين في مدنهم، كيف لماركسي متشدد سجن لسنين طويلة رافضا نظام الأسد وسلطته التي ليست دينية، يصبح اليوم قدوته وسيده رجل دين يعبر عن طائفية مقيتة ولا يخفي ولاءه لإيران الدولة الدينية الإرهابية، أليس من المهم الآن فعلا فتح نقاش يسلط الضوء على هذا السقوط السياسي والأيديولوجي والأخلاقي للعديد من أعضاء هذا الحزب؟
الجواب عن هذا التساؤل لا حاجة لتفكير عميق ، الاصطفاف مع نظام الاسد مرده موقف طائفي ليس إلا وكذلك اعتبار مجرم مثل نصرالله شهيد
إلغاء الملكية الخاصة وليس “الفردية” يا فهمان!
أعتقد انّ البعض يستحق توصيف الكاتب ، وكان من الأفضل أن يذكر ” الرفاق ” المقصودين بالاسم …كيف لايبدو في الاتهام بعض التعميم .
المقال يجافي الحقيقة ويتجنى على حزب العمل الشيوعي ، ويتمتع بموتورية عالية. تعرفت على شباب حزب العمل في المظاهرات وفي أعمال الإغاثة ولا أزال أتعامل معهم حتى اليوم . وأعرف أن أحد قيادييهم واسمه عبد العزيز الخير لا يزال في السجن . قد يكون البعض منهم سيئون وهذا حال أي تجمع بشري . لم أسمع باسم كاتب المقال من قبل ، قال لي أحد كهول حزب العمل الشيوعي أنه غادر البلاد إلى السعودية ولم يكن له أي دور في الثورة. قرأت مقالات عديدة لكتاب من حزب العمل مثل الشاعر فرج بيرقدار والاستاذ أكرم البني والدكتور راتب شعبو ولم أجد أحداً لا مع النظام ولا مع إيران. واطلعت على نشرة الآن التي تمثل وجهة نظر الحزب ولم أعثر على مقال واحد يمالئ النظام. من المعيب أن تشوه سمعة الآخرين، وتبدو وكأنك بط\ل على أكتاف الناس الشرفاء.
مقال يفتقر إلى الدقة والمصداقية .
من المؤسف تجلت ظاهرة “عقدة ستوكهولهم ” لدى الكثير من الرفاق العلويين، وأبرزهم كبير السحرة: فاتح جاموس. المقال مُثير وجدير بالنقاش كما فعل الصديق مروان محمد.