عضو مجلس الشعب بين التشريع والتنفيذ: هل تتحول الوعود الانتخابية إلى خداع سياسي؟
دور النائب ليس أن يشق أو يعبّد طريقًا، بل أن يصدر قانونًا يضمن تمويل البنية التحتية، ولا أن يفتح مستشفى، بل أن يراقب وزارة الصحة حتى تقوم بواجبها.

عدي شيخ صالح – العربي القديم
في كل دورة انتخابية لمجلس الشعب، تتكرر المشاهد ذاتها: مرشحون يعتلون المنابر، يوزّعون الابتسامات، ويغدقون الوعود على ناخبيهم. وعود ببناء المستشفيات والمدارس، وفتح الطرقات، وتأمين فرص العمل، وإطلاق عجلة الإعمار من جديد. كلمات منمقة تلامس أحلام البسطاء، وتدغدغ آمال المهمشين، لكنها في الواقع لا تتعدى كونها شعارات فضفاضة يعرف مطلقوها قبل غيرهم أنها خارج صلاحياتهم. فالعضو البرلماني ليس رئيس بلدية ولا وزيرًا في الحكومة، بل هو نائب تشريعي ورقابي، مهمته أن يشرّع القوانين ويراقب السلطة التنفيذية لا أن يضع حجرًا فوق حجر.
هنا يبرز السؤال الجوهري: هل مهمة عضو مجلس الشعب إعادة بناء المدارس والمشافي، أم أن وظيفته الحقيقية أعمق وأخطر من مجرد مقاول خدمات عامة؟
أولا: مهمة عضو مجلس الشعب
عضو مجلس الشعب، في أصل مهمته، هو ممثل الشعب في السلطة التشريعية. وظيفته تقوم على أربعة أركان أساسية:
- التشريع: وضع القوانين الجديدة أو تعديل القوانين النافذة بما يخدم المصلحة العامة.
- الرقابة: متابعة أداء الحكومة ومساءلة الوزراء عن تقصيرهم أو انحرافهم.
- التعبير عن صوت الناس: نقل مشكلات المواطنين إلى قاعة البرلمان ومطالبة الحكومة بإيجاد حلول.
- إقرار الموازنة العامة: التصويت على الخطة المالية السنوية للدولة، بما يعكس أولويات الإنفاق.
بهذا المعنى، فإن دور النائب ليس أن يشق أو يعبّد طريقًا، بل أن يصدر قانونًا يضمن تمويل البنية التحتية، ولا أن يفتح مستشفى، بل أن يراقب وزارة الصحة حتى تقوم بواجبها.
ثانيا: التشريع مقابل التنفيذ
الخلط الشائع بين مهمة التشريع والتنفيذ هو ما يفتح الباب أمام المرشحين لاستغلال حاجة الناس.
- التشريع: هو صناعة القوانين والسياسات العامة، وتحديد الإطار القانوني لعمل الحكومة. هذه مهمة مجلس الشعب.
- التنفيذ: هو تطبيق تلك القوانين والسياسات على أرض الواقع، عبر الوزارات والهيئات التنفيذية. وهذه مهمة الحكومة.
فالنائب يستطيع أن يشارك في إقرار قانون يرفع مخصصات التعليم، لكن الذي يبني المدرسة على الأرض هو وزارة التربية. يستطيع أن يصوت على زيادة ميزانية الصحة، لكن الذي يشيد المستشفى ويجهزه هو وزارة الصحة.
ثالثا: أمثلة واقعية من برلمانات العالم
- في بريطانيا، يقتصر دور عضو مجلس العموم على مناقشة السياسات العامة وسنّ القوانين، بينما مشاريع الطرق أو بناء المستشفيات تقع ضمن صلاحيات الوزارات المختصة والحكومات المحلية. النائب هناك قد يطالب بزيادة الإنفاق على منطقته، لكنه لا يملك صلاحية تنفيذية لبناء مدرسة أو مستشفى.
- في فرنسا، يركز النواب على إصدار القوانين التي تنظّم عمل الوزارات، وقد يُعرف بعضهم بأنه “مشرّع قوي” أو “مراقب شرس”، لكن لا يُعرف عنهم أنهم نفّذوا مشاريع خدمية، لأن هذا ببساطة ليس من مهامهم.
- في تركيا، يشارك النواب في البرلمان في سنّ القوانين ومراقبة الحكومة، لكن المشاريع الخدمية كشق الطرقات أو إعادة الإعمار تُنفذ عبر البلديات والوزارات. لذلك نجد الحملات الانتخابية للنواب هناك تركز على السياسات والتشريعات، بينما الحملات البلدية هي التي تتحدث عن الخدمات المباشرة.
هذه النماذج توضّح أن دور البرلماني في الدول ذات التجربة الديمقراطية لا يُختزل في كونه منفذ مشاريع، بل مشرّع ورقيب يحدد القوانين التي تنظم الحياة العامة.
رابعا: الوعود الانتخابية: شعارات براقة أم أكاذيب انتخابية؟
حين يقف المرشح ليعد الناخبين بأنه سيبني مستشفى أو يعيد إعمار حي مهدّم، فهو في الحقيقة يبيع الوهم. لأن هذه الصلاحيات ليست بيده ولا حتى ضمن صلاحيات البرلمان ككل. هي صلاحيات الحكومة التي تمتلك الأجهزة التنفيذية والميزانيات اللازمة. ما يفعله بعض المرشحين هو استغلال حاجة الناس وتقديم وعود يعلمون مسبقًا أنها غير قابلة للتحقق، ليحصدوا أصواتًا على حساب وعي المواطنين.
خامسا: المسؤولية الحقيقية للنائب
المسؤولية الحقيقية لعضو مجلس الشعب تكمن في مكان آخر:
- أن يكون حارسًا على المال العام.
- أن يحاسب الوزير الفاسد أو المقصّر.
- أن يرفع صوت الناس داخل قاعة البرلمان.
- أن يشرّع القوانين العادلة التي تحمي حقوق المواطنين.
نجاح النائب لا يقاس بعدد المشاريع التي “وعد” بها، بل بقدرته على أن يكون ممثلًا صادقًا للشعب أمام الحكومة.
خاتمة
الوعود الانتخابية ببناء المشافي والمدارس وتعبيد الطرقات ليست سوى شعارات زائفة يستخدمها بعض المرشحين كطُعم انتخابي. من يعد بما لا يملك إنما يمارس الخداع السياسي، ويستخف بوعي المواطن، ويحوّل العملية الانتخابية إلى سوق شعارات لا أكثر.
إن عضو مجلس الشعب ليس مقاول إعمار ولا مدير خدمات محلية، لا رئيس مجلس إدارة محلية، بل مشرّع ورقيب باسم الشعب. وعلى الناخب أن يدرك أن صوته يجب أن يذهب لمن يمتلك القدرة على سنّ القوانين العادلة ومحاسبة الحكومة، لا لمن يبيع وعودًا زائفة يعلم الجميع أنها لن تتحقق. عندها فقط يمكن أن يتحول البرلمان إلى مؤسسة حقيقية تعكس إرادة الناس، بدل أن يبقى مسرحًا للشعارات الفارغة.
_________________________________________________________
*كاتب و باحث سوري مستقل في الفكر السياسي والاجتماعي، يهتم بقضايا الهوية السورية، وتحولات الدولة، وإشكالات الانتقال السياسي بعد النزاعات.