مجلس شعب انتقالي: بين الحاجات الطارئة والتأسيس للمستقبل
التمييز ضروري بين الحالات الانتقالية التي يسهل تعديلها وهي التي تخص هذه المرحلة فقط (الانتقالية) وبين الحالات التي تمس السيادة ومستقبل الأبناء

مصعب الجندي – العربي القديم
دارت سجالات السوريين حول مجلس الشعب بين المأمول والسقطات والمفترض أن يكون، بعضها كان عقلانياً متزنْ وواضح بلا محاباة كمقالة الأخ مهنا بلال الرشيد في العربي القديم وإن اختلفت معه في بعض النقاط، وللأسف بعضها الآخر كانت على مبدأ (أدلو بدلوي أو سطلي)، لا يظن أحد أنني أعتبر نفسي أكثر معرفةً وعلماً منه، ولكن من حقي كغيري أن (أدلو بدلوي)… السجالات والنقاشات أياً كان مستواها بهدف (النكايات أو الحرص) هي أمرٌ طبيعي بعد عطالة لانتخابات ديموقراطية تجاوز عمرها ستون عام مع واقع مشرذم لم يصحو بعد من تتابع الصدمات والقهر عدا عن بيئات اجتماعية ما تزال في دوامة البحث عن هوية وطنية واضحة المعالم بعد أن كان ممنوعاً ومحرّماً على الرغم أن هوية سوريا (مصالح الجميع) بين أيدينا، لكن أصحاب العقائد والبرامج والارتباطات الغير سورية ما زالت لديهم إمكانات لحرف الاتجاه. مجمل هذا الواقع جعل من إجراء انتخابات مكتملة الشروط الديموقراطية قريب من الاستحالة، وللأمانة كنت أتمنى عدم اجراءها والاستعاضة عنها بانتخابات إدارة محلية مع توسيع الصلاحيات ومن التكنوقراط حصراً ببنية إدارية متكاملة والتفريق ما بين السياديّ وما غير سيادي، أي لا يؤثر على وحدة الوطن السوري أرضاً وشعباً، وأن تبدأ من دمشق وريفها لأنها القلب الإداري لمجمل الوطن السوري.
لا بأس، حصلت، والواضح أنها كانت بهدف سدّ ثغرة الفراغ الدستوري على الرغم أن الظرف الغير طبيعي يسمح بالكثير من الفراغات التي بالإمكان سدّها بوسائل مختلفة، ويبدو أن السلطة وجدت نفسها بحرج من هذا الأمر لكثرة ما نظّر المنظّرون ومنذ اليوم الأول لسقوط النظام فآثرت هذا الاختيار في المرحلة الانتقالية.
تخطي الأمر يعني أن الأهم من كل ما ذكرت في (دلوي…) أعلاه: هو التعريف الواضح لدور مجلس انتقالي في مرحلة انتقالية واستثنائية وعدم ترك البلاد والعباد في حالة ضبابية مهما كانت أهمية الإنجازات التي حققتها السلطة في السياسة الخارجية والتي عمّت فرح أغلب السوريين.
وهذا الكلام موجه للناجحين وللسلطة معاً: أتمنى التمييز جيداً بين الحالات الانتقالية التي يسهل تعديلها والتي هي تخص هذه المرحلة فقط (الانتقالية) ويسهل اجراء التعديلات عليها أو الغاءها، وبين الحالات التي تمس السيادة ومستقبل الأبناء فليس من حق أحد أن يفعلها إلا ضمن دولة مكتملة الأركان والشروط الديموقراطية والتي لا بدّ من اجماع وطني يتجاوز على الأقل 60% من السوريين. وأن يدفع الناجحون في المجلس باتجاه فتح الأفق والحوار بين السوريين حتى أولئك الذين كانوا الاستثناء بعدم وجود من يمثلهم، أن يعتبر كل عضو في المجلس أنه يمثلهم وبالآن نفسه يحاورهم. وأن يراقبوا أداء السلطة التنفيذية (الحكومة) ومحاسبتها حين تخطئ مع تقديم الاقتراحات لتعديل أداءها. كل ذلك وللأسف أغلب الأعضاء لم يشيروا إليه في برامجهم حين الترشيح وهو أمرٌ مؤلم ويخيفني.
لا يظن أحد أن أقلل من شأن هذا المجلس، بل على العكس إنها مهام صعبة لأنها مفصلية وتتطلب أولاً وقبل كل شيء الضمير الوطني المرتكز على الانفتاح على مواقف السوريين المتناحرة….. والشجاعة.