العربي الآن

تفاصيل سورية | تعذيب اليساريين وتعذيب الإخوان المسلمين في سجون الأسد

يكتبها: غسان المفلح
الحديث عن سجون الأسدية لا يمكن لنا تجاوزه، دون أن نتطرق لمعتقلين بعشرات الألوف من قوى كان يطلق عليها يمين. هذه تشمل معتقلي الاخوان المسلمين بالدرجة الأولى ثم ما يطلق عليهم” بعث العراق”

هم عماد تحالف حاول إسقاط الأسدية في نهاية سبعينيات القرن الماضي. لا أجد وثيقة دقيقة تؤرخ لحفلات الإعدام الأسدية لهؤلاء ولا أعدادهم. حيث نصبت لهم المحاكم الميدانية في سجون تدمر والمزة وسجون الفروع الأمنية أيضا. إضافة إلى أن من بقي منهم أحياء فقد كانوا يتلقون أسوأ معاملة، لم تعرفها سجون سورية قبل الاسدية.

كانوا يطحنون قشور البيض لكي يحصلوا على شيئا من الكلس، لأن عظامهم بدأت تعاني من نقصه بطريقة ملحوظة. لكم أن تتخيلوا كيف يصلهم الطعام، وماذا يصل منه. حاول الأسد أن يربي بهم سورية برمتها. في الواقع أن معتقلي اليسار لا تقارن معيشتهم في سجون الأسد بمعتقلي اليمين. هؤلاء بغض النظر عما فعلوه، بغض النظر عن خلاف المرء السياسي معهم، لكن تاريخهم في سجون الأسد ومحاكمه الميدانية، هو التاريخ الحقيقي الابرز للعقلية الاسدية.

 اعتقل عمره ستة عشر عاما، عندما ابلغوه أن” يضب أغراضه” إفراج. أصابته سكتة قلبية، وهو لم يكمل الثلاثين من عمره. لماذا فعل الأسد ما فعله وورثه لابنه كي يفعل أكثر أيضا مما فعله أبوه. كان الأب لديه ضوء أخضر من كل الدول الفاعلة بالعالم، وبقي هذا الضوء الأخضر حتى اللحظة ليفعل بالشعب السوري ما تسول له نفسيته وعقليته الإجرامية.
يقول الكاتب الناجي محمد برو” لم تكن المشنقة في تدمر رأسية بل أفقية و”أيام الإعدام يجمع الضحايا الذين تم استدعاؤهم في زاوية، ثم يلقى الضحية على الأرض وتوضع رقبته في حبل، وبعد أن يتحقق القاضي من هوية الجميع، يشد الحبل في حين يثبت 4 حراس جسد المعذب على الأرض، ثم ينتقلون إلى اللاحق، مما يسمح بإعدام أكبر عدد ممكن من المحكوم عليهم في أقصر وقت ممكن، ربما 100 في أقل من نصف ساعة، وقد شبه برو حركة الأجساد وهي تنتصب ثم تسقط وتعلو وتهبط أثناء الإعدام بمفاتيح البيانو”.

***

سجن تدمر ليس سجنا عاديا، بل هو سيرة عصابة حكمت سورية ولاتزال بالطريقة التي لاتزال قائمة حتى اللحظة. هذه الطريقة تتجسد في تعليم السجانين الصغار فن التعذيب وفن القتل، وفنون الإهانة اليومية. تدمر كان سجنا انتقاميا كي تصل دروسه إلى كل الشعب السوري. الكتابة عن سجن تدمر وما كان يحدث فيه، تمت تغطية معظمه من قبل كتاب سوريين ومن قبل ناجين من هذه المجزرة المفتوحة. هكذا ارادته عقلية حافظ أسد.
يقول الكاتب الفلسطيني المرحوم سلامة كيلة الذي قضى عامين في السجن من 1998 حتى 2000 “ليس من العدل أن نطلق على هذا المكان سجنا، ففي السجن تتمتع بحقوق أساسية، لكن في تدمُر لا يوجد أي شيء، فأنت تعيش فقط في خوف ورعب”.
في مطالعاتي عن هذا السجن الذي لم ازره لأني اعتقلت في سجن صيدنايا، يمكن لي أن أضع عنوانا يصلح تماما لما عاشه من عاش بتدمر خاصة من جماعة ما يسمونه اليمين. إخوان وبعث عراق” لا تعرف متى تشنق ولا تعرف متى يأتيك بول السجان على رأسك”.
حافظ الأسد كان بإمكانه إعدام الجميع في لحظة واحدة، لكنه لا يريد ذلك يجب أن يبقى ناجون كي يرووا ما حدث. بالمناسبة يمكننا هنا أن نجد في ملف ادب السجون الروائي الذي تتحدث عن يوميات سجن تدمر، قطيعة مع عالم التخييل الذي ينتج نصا روائيا، الروائي التدمري لا يحتاج إلى مخيلة كي يحبك روايته ويوصل رسالته، بل كل ما يحتاجه إلى ذاكرة قوية فقط. ذاكرة تستطيع تسجيل تفاصيل ما حدث فعلا. لا يحتاج لتعذيب مخيلته مطلقا. ما حدث هناك في تدمر، يفوق أية مخيلة.
بعد محاولة اغتيال حافظ الأسد الفاشلة، اعطى أوامره لشقيقه رفعت بأن يقوم بمجزرة مدروسة بعناية، مجزرة لا تقتل كل السجناء بل تعطي درسا فقط.
حيث مازالت المجزرة الدموية التي وقعت بين جدران سجن تدمُر عام 1980 محفورة في ذاكرة السوريين. وقعت المجزرة في اليوم التالي لمحاولة الاغتيال الفاشلة للرئيس حافظ الأسد. وانتقل أعضاء سرايا الدفاع الشهيرة، التي كان يقودها رفعت الأسد شقيق الرئيس، بطائرة مروحية من دمشق إلى تدمُر وأعدموا السجناء رميا بالرصاص في الزنازين. ولم يعرف أحد على وجه الدقة عدد القتلى، لكن في عام 2001 قدر تقرير لمنظمة العفو الدولية عددهم ما بين 500 و1000 شخص، لقوا مصرعهم في دقائق قليلة، وكان غالبيتهم أعضاء في جماعة الإخوان أو مشتبه في دعمهم للجماعة. جثث القتلى دُفنت في مقبرة جماعية كبيرة خارج السجن.


***

هكذا تدار سورية بعقلية شفاهية. كنت قد مررت على هذا الموضوع في زاويا سابقة وكتابات عديدة. الأوامر بقتل هذا العدد أوامر شفهية تصدر من حافظ اسد لا وثيقة تثبتها. الوثيقة هي رواية الناجين الذين تركهم الأسد كي يروا.
كل المعطيات تتحدث عن عشرات الوف المعتقلين من جماعة الاخوان وبعث العراق، آلاف منهم لا يعرف مصيرهم حتى الآن.
يقول ياسين الحاج صالح” أعلنت مذبحة تدمر الولادة الدامية لتدمر الباطنة، وكانت تمريناً تأسيسياً كبيراً على رياضة الدم طوال عشرين عاماً قادمة. سجن تدمر هو معسكر الاعتقال الذي كان يجري تعذيب السجناء فيه يومياً على نحو عشوائي طوال عشرين عاماً. وهو المعسكر المغلق دون العالم الخارجي الذي كان يجري فيه إعدام العشرات كل أسبوع، 150 أسبوعياً في الثمانينات، حسب مصطفى طلاس، وزير الدفاع المزمن، الرجل الأجدر من أي منافسين بلقب الأبله السعيد. وليس معلوماً حتى اليوم أين دفن هؤلاء، وهم بالألوف، وربما يقارب عددهم 15 ألفاً”.
الدولة الباطنة التي نظر لها الصديق ياسين في كتاباته الكثيرة عنها، إنما هي السلطة الشفهية التي حكم بها الأسد سورية بالحديد والنار دون حسيب او رقيب ولايزال وريثه يحكم بنفس الطريقة واكثر وحشية فلكم أن تتخيلوا، وكل ما ستتخيلونه ستكتشفون أنه أقل مما كان يحدث مع معتقلي “اليمين” في سجن تدمر.

زر الذهاب إلى الأعلى