في تحقيق لمجلة إيكونوميست: النظام المجنون في كوريا الشمالية أصبح أكثر رعباً
إيكونوميست – ترجمة: وسنان الأعسر
تجربة صاروخية جديدة وقوات إلى روسيا للمشاركة في الحرب على أوكرانيا، وأحكام إعدام على الكيبوب، ناهيك عن حملة صارمة على البرامج التلفزيونية والموسيقى الكورية الجنوبية التي انتشرت في كوريا الشمالية!
كان مجمع (كايسونج) الصناعي في كوريا الشمالية يرمز منذ فترة طويلة إلى الآمال في السلام والوحدة في شبه الجزيرة الكورية. فقد افتُتح في عام 2004 وكان يضم مصانع كورية جنوبية توظف عمالاً كوريين شماليين. واستمر الإنتاج المشترك حتى عام 2016، عندما أطفأت كوريا الجنوبية الأضواء رداً على التقدم المحرز في البرنامج النووي لكوريا الشمالية. المحاولات اللاحقة لإعادة تشغيل المشروع فشلت تماماً. وفي هذا الشهر، أوضح (كيم جونج أون) ديكتاتور كوريا الشمالية، أن المجمع لا مستقبل له من خلال تفجير الطرق التي تربط كايسونج بالجنوب.
إن تدمير الطرق ليس سوى علامة واحدة على تصاعد التوترات في شبه الجزيرة. فقد عززت كوريا الشمالية علاقاتها مع روسيا، فأرسلت ما يقدر بنحو 11 ألف جندي لمساعدة فلاديمير بوتن في شن الحرب ضد أوكرانيا. وتخشى كوريا الجنوبية أن يقدم بوتين في المقابل تكنولوجيا صاروخية أو نووية حساسة. وفي الحادي والثلاثين من أكتوبر/ تشرين الأول، اختبرت كوريا الشمالية صاروخا باليستيا عابرا للقارات لأول مرة منذ ما يقرب من عام، والذي سجل أطول وقت طيران حتى الآن، وهو 87 دقيقة (في الصورة أدناه اختبار سابق). وقد تجري كوريا الشمالية أيضا تجربة نووية حول الانتخابات الأميركية الأسبوع المقبل. وعلى نحو أقل وضوحا، ولكن ليس أقل شؤماً، عكس كيم خلال العام الماضي عقودا من العقيدة الرسمية بإعلانه أن الكوريتين ليستا شعبا واحدا منقسما بل دولتين منفصلتين معاديتين.
ولقد وضع يون سوك يول، رئيس كوريا الجنوبية، سياسة صارمة تجاه الشمال أيضاً. فقد أصبحت قنوات الاتصال باردة. وانتشرت الاستفزازات على مستوى أدنى. واستأنفت كوريا الجنوبية بث الدعاية المناهضة للشيوعية التي تستهدف الجنود الكوريين الشماليين على طول الحدود، في حين أرسلت كوريا الشمالية بالونات مليئة بالقمامة المحلية إلى الجنوب. وكل هذا يشير إلى أن المواجهة على شبه الجزيرة دخلت مرحلة جديدة خطيرة.
العداء بين الجيران
لقد أدت الحرب الكورية إلى إثارة العداء بين الجيران. ويتذكر ريو جاي سيك، الذي ينحدر من كانجوون، النصف الجنوبي من مقاطعة انقسمت عندما انقسمت شبه الجزيرة، أنه أسر جندياً من النصف الشمالي من مقاطعته الأصلية: “لقد رأيت نفسي فيه”. وتوقف القتال في عام 1953، مع توقيع الهدنة وإنشاء منطقة منزوعة السلاح. وتصور السيد ريو، مثل كثيرين في ذلك الوقت، أن الوضع غير المحلول لن يدوم طويلاً. فقد استمر الانقسام لفترة أطول بكثير، وتباعد المجتمعان أكثر مما كان متوقعاً. ومع ذلك، طوال دورات العداء والوفاق في العقود الأخيرة، كان الهدف المعلن لكلا الحكومتين هو إعادة توحيد أراضيهما وشعبيهما المنقسمين سلمياً، مهما بدا ذلك غير واقعي.
في واقع الأمر، يقول أندريه لانكوف من جامعة كوكمين في سيول إن كيم “خرج ليقول إن الملك عار”. وفي تناقض مع عقائد جده ووالده، أعلن كيم أن إعادة التوحيد السلمي “مستحيلة” وأزال نصباً تذكارياً لإعادة التوحيد كان قائماً على طريق يؤدي إلى بيونج يانج. وأمر قواته المسلحة بالاستعداد “لإخضاع” الجنوب (الذي أصبح الآن “دولة محاربة”) ودعا مسؤوليه إلى “القضاء” على الهيئات التي تعمل على العلاقات بين الكوريتين. ولم يعد يريد لشعبه أن يرى نفسه في الكوريين الجنوبيين: فقد تم تجريد الأغاني الدعائية والكتب المدرسية من الإشارات إلى العرق الكوري المشترك.
حملة ضد الثقافة الجنوبية
إن أحد أهداف السياسة الجديدة التي ينتهجها كيم قد يكون المساعدة في تبرير حملة صارمة على البرامج التلفزيونية والموسيقى الكورية الجنوبية. فقد انتشرت الثقافة الكورية على نطاق واسع في الشمال، وتهدد بثقب فقاعة الدعاية للنظام. وفي السنوات الأخيرة، أقر كيم قوانين أكثر صرامة تجرم استهلاك الثقافة الكورية . ويروي الهاربون مؤخراً حالات صدرت فيها أحكام بالسجن لفترات طويلة على مراهقين لمشاهدتهم الدراما الكورية؛ كما وثقت جماعات حقوق الإنسان العديد من عمليات الإعدام لتوزيع مثل هذه المخدرات الثقافية. وإذا كانت المواد غير القانونية من صنع نفس الشعب الكوري، فإن مثل هذه الوحشية يصعب تبريرها، حتى بالنسبة لكيم. والسياسة الجديدة تحل هذا التناقض. وعلى نحو مماثل، بموجب العقيدة القديمة، كان الهجوم النووي على كوريا الجنوبية بمثابة نيران صديقة؛ أما الآن فقد أصبح بمثابة ضربة للعدو.
ساهمت الأحداث الخارجية في تصلب موقف (كيم جونج أون)، فقد تركته المحادثات الفاشلة مع دونالد ترامب في عام 2019 يشعر بالمرارة وكره فكرة التفاوض على تخفيف العقوبات مع أمريكا. (على الرغم من أنه إذا عاد ترامب إلى البيت الأبيض، فقد يغير رأيه). كما أعطى وباء الكورونا في عام 2020 لكيم غطاء لعزل بلاده بشكل أكبر. وقد دفع الغزو الروسي الكامل لأوكرانيا في عام 2022 بوتن إلى اللجوء إلى بيونج يانج طلبًا للمساعدة. يقول تاي يونج هو، الدبلوماسي الكوري الشمالي السابق، والسياسي الكوري الجنوبي الآن، بالنسبة لكوريا الشمالية، ظهرت روسيا “كمنقذ عظيم” في وقت الحاجة. لقد زودت روسيا كيم بالوقود والغذاء والعملة، وربما التكنولوجيا المتقدمة. يعتقد المسؤولون الكوريون الجنوبيون أنها شجعت كيم.
لقد دفعت الخطوات الأخيرة التي اتخذتها كوريا الشمالية الجنوب إلى إعادة تقييم موقفه. فقد أصبح عدد الكوريين الجنوبيين الذين يرون أنفسهم في كوريا الشمالية أقل من أي وقت مضى: فمع مرور كل جيل، يتلاشى الدعم لإعادة التوحيد (انظر الرسم البياني). وفي خطاب ألقاه في أغسطس/آب الماضي، وضع يون سياسة جديدة خاصة به. ورغم أنه لا يزال يدعو إلى التوحيد ظاهرياً، فإنه يوضح صراحة أن ذلك لن يحدث إلا إذا استوعب الجنوب الشمال. وحتى بعض التقدميين في كوريا الجنوبية خفضوا من مستوى توقعاتهم. ويتنهد لي جونج سوك، الذي شغل منصب وزير التوحيد خلال السنوات الأولى من عمل مجمع كايسونج، أمام احتمالات شبه الجزيرة الموحدة. ويقول: “ربما يرى أحفادي ذلك. والأمر الأكثر أهمية الآن هو عدم اندلاع حرب”.
إن شن هجوم شامل سيكون بمثابة انتحار بالنسبة لكيم جونج أون . ولكنه قد يصعد الأمور إلى ما هو أبعد كثيراً من تدمير الطرق أو اختبار الصواريخ، ففي (يونبيونج) وهي جزيرة مشتعلة بالقرب من الحدود البحرية التي قصفتها كوريا الشمالية في عام 2010، يقول أحد السكان إنهم يخشون تكرار اليوم الذي “اشتعلت فيه النيران في كل شيء”. ومنذ ذلك الحادث، نمت القدرات العسكرية لكوريا الشمالية. ويكتب سيدني سيلر، ضابط الاستخبارات الأميركي الأقدم السابق في شؤون كوريا الشمالية: “بدعم من ترسانة نووية متنامية ودعم من روسيا، قد يشعر كيم براحة أكبر في المخاطرة”. كما أن إصرار السيد يون على أن كوريا الجنوبية سوف ترد على أي استفزاز بالقوة سيزيد من خطر خروج التحركات الانتقامية عن السيطرة. إن تخيل مثل هذه الحرب أمر سهل للغاية، ولكن على النقيض من ذلك، تخيل السلام الدائم أصبح أمراً أكثر صعوبة!