العربي الآن

لماذا تساعد السعودية “سوريا الجديدة”؟

لا يمكن إغفال العلاقة التاريخية والوجدانية التي تربط السعودية بسوريا

جميل الشبيب – العربي القديم

أثار إعلان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب رفع العقوبات عن سوريا، من العاصمة السعودية الرياض وبطلب مباشر من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، موجة فرح واسعة اجتاحت منصات التواصل الاجتماعي، تجاوزت حدود سوريا لتصل إلى الجاليات السورية في مختلف أنحاء العالم. فقد رآها كثيرون لحظة مفصلية في مسار البلاد وفرصة تاريخية لولادة “سوريا الجديدة”، وهي فرصة ما كانت لتتحقق لولا الجهود الدبلوماسية المكثفة التي قادتها المملكة العربية السعودية، بالشراكة مع كل من تركيا، قطر، والإمارات.

هذا التحول الاستثنائي في المشهد السوري يثير سؤالًا مشروعًا: لماذا تساعد السعودية سوريا الجديدة؟ وما الذي يدفع المملكة للاستثمار في إعادة بناء بلد عانى من دمار الحرب والانقسامات والصراعات الدولية؟

الجواب يبدأ من السياسة المتوازنة التي انتهجها الرئيس السوري الجديد منذ توليه الحكم، حيث حرص على تبني نهج عدم الانحياز لأي محور سياسي، وفتح خطوط التواصل مع جميع الأطراف الإقليمية. كانت أولى خطواته الخارجية زيارة إلى الرياض، حملت في طياتها رسائل طمأنة إلى المملكة، وكسرت العزلة التي فرضها النظام السابق على سوريا لعقود. هذه الزيارة، التي قرأها المراقبون باعتبارها بادرة حسن نية، ساهمت في إعادة الثقة وبناء جسور جديدة بين البلدين.

ومع تصاعد التحديات الداخلية في سوريا، بدءًا من المطالبات بالتدخل الدولي، مرورًا بمحاولات الاستقواء بالخارج، وانتهاءً بعودة هجمات الفلول والفوضى، وجدت المملكة نفسها أمام خيارين: إما الوقوف إلى جانب الإدارة الجديدة في سوريا ومساعدتها على تجاوز هذه المرحلة الحساسة، أو المخاطرة بترك سوريا فريسة لقوى معادية قد تعيد إشعال الحرب، وتحوّلها مجددًا إلى مصدر اضطراب دائم في المنطقة.

لقد دفعت التجربة المريرة التي أعقبت الثورة السورية – حين تنافست بعض الدول العربية على النفوذ قبل أن تنضج “الكعكة السورية” – إلى دخول إيران بقوة إلى الساحة السورية، حيث بقيت أكثر من 14 عامًا، عبثت خلالها بأمن الإقليم، وشكلت تهديدًا مباشرًا للخليج العربي، سواء عبر تهريب المخدرات أو عبر الميليشيات المرتبطة بها.

إلى جانب البعد السياسي والأمني، لا يمكن إغفال العلاقة التاريخية والوجدانية التي تربط السعودية بسوريا. فمنذ ما قبل الإسلام، كانت بلاد الشام مقصدًا رئيسيًا لقوافل التجارة القادمة من جزيرة العرب. كما تحتل الشام مكانة دينية خاصة في النصوص الإسلامية، حيث وردت أحاديث عديدة عن فضلها ومكانتها. وقد جسدت الدولة الأموية – التي نشأت في دمشق – هذا الرابط الحضاري الممتد بين سوريا والخليج، وهو إرث لا يزال يُستحضر بفخر في الوجدان العربي.

وربما الأهم من كل ذلك أن سوريا، بعكس بعض الدول العربية الأخرى، لم تكن يومًا مصدر تهديد مباشر للمملكة. فمصر، العراق، اليمن، وحتى الأردن، مرت في فترات تاريخية توترت فيها علاقاتها مع السعودية، بل شكّلت أحيانًا مصدر قلق أو منافسة. أما سوريا، فحتى في أوقات الخلاف السياسي، بقيت العلاقة معها محتفظة بطابع خاص من الاحترام وعدم التصادم.

إن دعم السعودية لسوريا اليوم لا يُقرأ فقط من زاوية إعادة الإعمار أو المصالح الاقتصادية، بل هو أيضًا رسالة إقليمية واضحة: أن من يمد يده بصدق نحو الرياض سيجدها ممدودة، وأن استقرار سوريا هو جزء من استقرار الخليج والمنطقة بأسرها. إنها فرصة لإعادة تشكيل التوازنات في الشرق الأوسط، وبناء تحالفات جديدة مبنية على الاحترام والمصالح المشتركة، بعيدًا عن التدخلات الخارجية والمشاريع الهدّامة.

في النهاية، يمكن القول إن دعم السعودية لسوريا الجديدة ليس مجرد خطوة سياسية، بل خيار استراتيجي يستند إلى التاريخ، ويتطلع إلى المستقبل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى