تركيا وقطع العلاقات الاقتصادية مع إسرائيل: واقعية سياسية أم موقف أخلاقي؟
اللحظة الفاصلة جاءت مع تصريح نتنياهو الذي اعترف رسمياً بـ "مجازر الأرمن".

بقلم: عدي شيخ صالح – العربي القديم
بعد مرور اثنين وعشرين شهراً على حرب “طوفان الأقصى” وما رافقها من إبادة جماعية بحق المدنيين في غزة، خرجت أنقرة عن صمتها وأعلنت وقف العلاقات الاقتصادية مع الكيان الإسرائيلي. خطوةٌ بدت للوهلة الأولى وكأنها استجابة للضغط الأخلاقي والإنساني، إلا أن السياق الأوسع، وربطه بالواقعية السياسية في العلاقات الدولية، يكشف أن القرار لم يكن مدفوعًا فقط بالاعتبارات الإنسانية، بل بمصالح سياسية آنية وتقاطعات استراتيجية لا أكثر.
أولا: غزة كغطاء أخلاقي
طوال فترة الحرب، اكتفت تركيا بخطابات التنديد والإدانة، دون اتخاذ إجراءات عملية توقف العدوان أو تقلل من حدته. بل إن التجارة الثنائية استمرت بوتيرة مرتفعة، وصولًا إلى اتهامات بأن الصناعات التركية شاركت – بشكل مباشر أو غير مباشر – في تزويد إسرائيل باحتياجات عسكرية واقتصادية.
لكن مشاهد المجاعة والدمار في غزة خلقت ضغطاً شعبياً داخلياً وإقليمياً على الحكومة التركية، مما جعل من المستحيل الاكتفاء بالخطاب. ومن هنا جاء قرار وقف التبادل الاقتصادي ليبدو وكأنه استجابة للبعد الأخلاقي.
ثانيا: الأرمن والدافع المباشر
غير أن اللحظة الفاصلة جاءت مع تصريح نتنياهو الذي اعترف رسمياً بـ”مجازر الأرمن”. بالنسبة لتركيا، هذا الملف ليس تفصيلاً تاريخياً، بل أحد أبرز محرماتها السياسية، التي تُترجم عادةً إلى توتر دبلوماسي حاد مع أي دولة تتبنى هذا الاعتراف. من هنا، يمكن قراءة القرار التركي كاستجابة لاستفزاز مباشر مسّ جوهر السردية الوطنية التركية، وليس فقط كانعكاس لمأساة غزة.
ثالثا: الواقعية السياسية… لا مكان للأخلاق!
وفقًا للواقعية السياسية في العلاقات الدولية، لا تتحرك الدول بدافع أخلاقي، بل وفق حسابات مصلحة وقوة. فالمواقف الأخلاقية لا تُطرح إلا عندما تتقاطع مع المصالح الوطنية، أو عندما تمنح الدولة أداة لتقوية صورتها الاستراتيجية.
في الحالة التركية:
- غزة وفّرت الإطار الأخلاقي والعلني لقرار أنقرة.
- اعتراف نتنياهو بمجازر الأرمن شكّل الدافع الاستراتيجي المباشر لاتخاذ القرار.
النتيجة: قرار يبدو أخلاقيًا في ظاهره، لكنه واقعي براغماتي في جوهره.
الخلاصة
قرار أنقرة بقطع العلاقات الاقتصادية مع إسرائيل لا يمكن تفسيره خارج إطار الواقعية السياسية. فالمصالح الاستراتيجية والاعتبارات الوطنية المباشرة كانت المحرك الحقيقي، أما البعد الإنساني فكان غطاءً مناسباً لتبرير القرار أمام الداخل التركي والعالم الإسلامي.
مرة أخرى، تُثبت الواقعية أن السياسة الدولية لا تُدار بالأخلاق، بل بالمصالح والقوة، وما الأخلاق إلا ورقة دعائية تستخدم حين تتوافق مع الحسابات الواقعية للدول.