الرأي العام

تفاصيل سورية || الوقائع المرعبة لاعتقالي الأول

بقلم: غسان المفلح

قبل أن نمضي إلى تفصيل آخر عن تلك المرحلة، لابد من التوقف عند لحظة اعتقالي الأول. كان في أواخر تشرين الثاني 1980 إن لم تخني الذاكرة، ولا أذكر اليوم بالضبط. كلفني مسؤول ساحة سورية بأخذ بريد الجبهة إلى بيروت. كان صباحا تشرينيا باردا عندما وصلت الحدود السورية. كنت قد وضعت حقيبة البريد تحت مقعد سيارة الأجرة وهي من نوع “دودج” صفراء، لكن رسالة رقيقة ومن ورقة شفافة ومغلفة بطريقة تبدو وكأنها حبة عدس، وضعتها في زاوية جيب جاكتي الجلدي الأسود، بطريقة صعب اكتشافها كما اعتقدت. وصلت المصنع قدمت هويتي للشرطي على الشباك. فجأة بدأ يسألني بعض الأسئلة لا علاقة لها بأي شيء. فجأة وجدت شرطيين من الأمن العام يحيطانني بقوة. ثم أمروني بالتحرك دون مشاكل. وجدت اسمي مطلوبا. عرفت لاحقا من كان السبب والشخص ولا أريد ذكرهما. اقتادوني إلى الضابط المسؤول. أمر بتفتيشي فورا. كنت ارتدي تحت الجاكيت الجلدي قميصا شفافا. الشرطي الذي فتش جاكيتي كان خبيراً فوجد الرسالة.

– قلت له: هذه ليست لي.

 ضربني بقبضته على بطني، فما كان من الضابط إلا أن صرخ بوجهي:

– عم تكذب يا حقير. هاتوا لي سطل ماء والخرطوم.

 فعلا مع برودة ذاك الصباح غمرني بالماء تقريبا وبثيابي وبدأ بخرطوم الماء يضربني كيفما اتفق. كدت ألفظ انفاسي من شدة الألم، كنت أشعر مع كل ضربة بلحم ظهري يتفزر، وأصرخ بكل ما أوتيت من قوة. لكن مع دخول ضابط أقل رتبة منه، وبيده البرقية المطلوب أنا على أساسها. قال له:

– سيدي لا يجوز هيك… حرام الشب مطلوب لشغلة سخيفة. ومهمتنا تسليمه لفرع الضابطة الفدائية فقط، وليس تعذيبه. سيموت بين يديك سيدي، مع احترامي.

عندها توقف وصرخ:

– خذه لسيارة المبيت وسلموه هناك… إنهم ينتظرونه.

وصلت سيارة المبيت إلى دائرة الهجرة والجوازات المحاذية لوزارة الداخلية، هناك أتت دورية أخرى واقتادني لفرع الضابطة الفدائية. هنالك وضعت في حمام صغير مهجور، يستخدم للتعذيب كما عرفت لاحقا. سألني الضابط المسؤول سؤال واحد فقط: “أين المغلف الذي كنت تحمله؟” ثم تابع: “غدا جهز حالك لتنزل على الكراج كي تتعرف إلى السيارة التي كنت فيها وإلى السائق” وخرج. في آخر الليل اقتادني عنصر لمكتب الضابط المسؤول، لأتفاجأ بعمي رحمه الله جالسا في مكتبه، وتبين لي أنه صديقه. فورا خاطب عمي بالقول شرف على أساس هذا الادمي! خاطبني عمي بكم كلمة تأنيب بطريقة مهذبة. فقلت له: عمي أنت ما لك علاقة، أريد ازالة أي حرج عنه بحكم موقعه، وبحكم أنه ضابط أيضا.

ضحك الضابط المسؤول، وقال لي:

– دبر حالك بعد يومين مع فرع فلسطين. عامل لي مناضل، وفدائي!

ثم تابع:

– لو اتيت إلى عندي مع عمك، لكنت الآن حرا ومعنا.

لكنه قال لعمي:  

– لا نعرف ماذا في المغلف، ولا هو يعرف الحمار.

أنا فعلا لم أكن اعرف ماذا يوجد في المغلف. وهذا ما سجله هذا الضابط في ملخص تحقيقه كما قال لعمي. ومضى يومان ثم سحبت لفرع فلسطين، وكان السائق نفسه قد سلم المغلف للمخابرات العسكرية في لبنان، وبدورهم أرسلوه لفرع فلسطين. هناك بدأ التحقيق الفعلي. لكن في ذلك اليوم تعرضت لضرب بالكابل على مفاصل ركبي. لكن صوت الذي يسألني وصوت المعذب لم يكن بينهما الضابط صديق عمي. لأنني لم أره ولم أعد أسمع صوته مطلقا حتى رُحّلت لفرع فلسطين. منذ لحظة وصولي لفرع فلسطين أدخلوني مطمشا لعند الضباط المسؤول.

– أول سؤال: من أعطاك جريدة الراية الحمراء؟ من تعرف من رابطة العمل الشيوعي؟

– قلت له: لا أعرف أحداً، ولا أعرف عمّ تتحدث؟

هنا بدأت شوية كفوف ولبط من قبل العسكري الذي اقتادني، وأنا  ما أزال مطمشا. بعدها قال له الضابط:

– اتركه، وانزع عنه الطميشة للبغل. ولاك من أعطاك هذا المغلف؟

– قلت له: لا أعرفه سوى باسم حركي. وهو من أتى لعندي إلى مكان عملي في فرن الزاهرة، وأعطاني إياه – كنت وقتها أعمل رئيس واردية في فرن الزاهرة الذي فتح حديثا وهو يتبع للدولة – لأوصله لبيروت.

– بصفتك شو؟ سألني

– بصفتي عضو في جبهة النضال الشعبي الفلسطيني.

– فدائي يعني ههههه؟

– أجبته: نعم.

حتى الآن بصراحة لا أعرف هل هذا حدث معي أم أنه سيناريو متخيل؟ لماذا أسأل هذا السؤال؟ لأنه لا آثار لذلك الاعتقال سوى علامات الكبل لا تزال على ركبتي، إضافة لحوادث بسيطة لا تزال بذاكرتي سأرويها في الزاوية القادمة، لا آثار في أن الاعتقال غيرني وجعلني أفكر مثلا بأن اترك المعارضة، لماذا لا أعرف؟ في تلك الاثناء كان الدكتور سمير غوشة يتحاور مع عبد الحليم خدام وزير الخارجية من أجل عودة الجبهة علنية إلى الساحة السورية، واعتقد كانت هذه الزيارة بواسطة الجبهة الشعبية بزعامة جورج حبش إن لم تخني الذاكرة. فعلا لقد طلب الدكتور سمير إطلاق سراحي، بوصفي شابا صغيراً! كما عرفت لاحقا.

زر الذهاب إلى الأعلى