"ردع العدوان": ملحمة تحرير أعادت رسم خارطة الثورة السورية
بلال الخلف – العربي القديم
في واحدة من أكبر المحطات العسكرية في تاريخ الثورة السورية، أطلق الثوار معركةً حاسمة حملت اسم “ردع العدوان”، كإعلان صريح عن قدرتهم على مواجهة آلة القمع والتدمير التي أرساها نظام الأسد وحلفاؤه. لم تكن هذه المعركة مجرد جولة عسكرية عابرة، بل كانت تحولًا استراتيجيًا غيّر ملامح الصراع وجعل النظام وحلفاءه في موقف دفاعي غير مسبوق.
إعادة صياغة الواقع العسكري في سوريا
أسفرت المعركة عن تحرير كامل محافظة حلب من قبضة النظام والمليشيات الطائفية، وهو إنجاز تاريخي يعيد للثورة وهجها وقوتها. ولم تتوقف الانتصارات عند حدود حلب، بل امتدت إلى أرياف إدلب، حيث تم تحرير مدن استراتيجية ذات أهمية بالغة مثل سراقب، معرة النعمان، وخان شيخون. هذه المناطق التي طالما مثلت أهدافًا رئيسية للنظام أصبحت اليوم محررة وتحت سيطرة الثوار. ومع تواصل التقدم العسكري، باتت قوات الثورة تقف على أبواب مدينة حماة، مهددةً بقلب موازين القوى في عمق النظام.
عوامل النجاح: قراءة في تفاصيل الإنجاز
لم يكن هذا النجاح وليد المصادفة أو الحظ، بل جاء نتيجة تضافر مجموعة من العوامل التي تمثل نموذجًا يُحتذى به في العمل الثوري المنظم.
1. التوحد تحت راية واحدة وقيادة ناجحة
أبرز ما ميز هذه المعركة هو اندماج الفصائل الثورية في جسم عسكري موحد، ما أوجد حالة من التناغم والتنسيق غير المسبوقين. القيادة الواعية التي أدارت العمليات كانت قادرة على اتخاذ قرارات سريعة وفعالة، ما انعكس على الأداء الميداني. هذا التوحد أضفى على الثورة زخمًا جديدًا وجعلها أكثر قوة وصلابة في وجه التحديات.
2. تطوير التكنولوجيا العسكرية والطيران المسيّر
كان طيران “كاتب الشاهين” المسيّر أبرز المفاجآت في المعركة. هذه التقنية الحديثة التي تم تطويرها سرًا على مدار اعوام بإشراف أحمد الشرع الجولاني، مثلت عنصر الحسم في استهداف مواقع العدو بدقة عالية. الطيران المسيّر لم يكن مجرد سلاح جديد، بل كان بمثابة ورقة رابحة قلبت الموازين وأحدثت فارقًا كبيرًا في الميدان.
3. تأسيس الكلية الحربية: بناء القيادات الميدانية
الاستثمار في بناء كوادر عسكرية متخصصة من خلال تأسيس الكلية الحربية كان من أهم أسباب النجاح. ضباط مدربون على أعلى مستوى قادوا العمليات الميدانية بكفاءة، ووضعوا خططًا استراتيجية أثبتت فعاليتها على الأرض.
4. الإدارة المدنية المحكمة في ظل الحرب
بينما كان المقاتلون يخوضون المعركة في الخطوط الأمامية، كانت هناك إدارة مدنية منظمة تعمل من الخلف لضمان استمرارية الحياة وتأمين الدعم للعمليات.
تم تفريغ الطرقات لضمان حركة الإسعاف والمرور العسكري بسهولة.
استُحدثت أنظمة لاستيعاب الأعداد الكبيرة من النازحين القادمين من مناطق الاشتباك. انتشر التنسيق لضبط الأمن في المناطق المحررة، ما ساهم في تحقيق الاستقرار الداخلي.
5. الخطاب الإعلامي والسياسي الموحد
لعب الإعلام دورًا حاسمًا في تعزيز زخم المعركة. فبخطاب ذكي وموحد، استطاعت الثورة أن تخاطب العالم بوضوح، مستعرضة أهداف المعركة وعدالتها. هذا التماسك بين الميدان والإعلام عزز الدعم الشعبي الداخلي ورفع الروح المعنوية، إلى جانب كسب التعاطف الإقليمي والدولي.
6. الروح المعنوية العالية والانتماء لقضية عادلة
لم تكن القوة المادية هي العامل الوحيد في النجاح، بل لعبت الروح المعنوية والانتماء العميق لقضية الثورة دورًا حاسمًا. المقاتلون كانوا على يقين بأنهم يخوضون معركة مصيرية، وهذا الإيمان أعطاهم قوة لا تُقهر.
7. الدعم اللوجستي المُحكم
من تأمين الذخيرة والمؤن إلى نقل الجرحى وإمدادات الخطوط الأمامية، كان الدعم اللوجستي مُحكمًا بشكل يعكس تطورًا كبيرًا في التخطيط والإدارة.
“ردع العدوان”: درس في الإدارة والتنظيم
لا شك أن معركة “ردع العدوان” تمثل درسًا بالغ الأهمية في كيفية تحويل العمل الثوري من حالة الفوضى إلى نموذج منظم ومتقن. هذا الإنجاز لم يعزز فقط موقع الثورة على الأرض، بل أرسل رسالة واضحة للعالم مفادها أن الحرية ليست مطلبًا عابرًا، بل هي حق يدافع عنه السوريون بكل قوة وعزيمة.
ومع استمرار التقدم العسكري، يبدو أن الأفق مفتوح أمام الثورة لتحقيق مزيد من الانتصارات التي قد تغير خارطة سوريا وتعيد لها أمل الحرية والكرامة.