الصحوة السنية التي أيقظتها سوريا
الانتصار السوري لم يكن مجرد حدث سياسي، بل كان بمثابة نفخة روح في جسد أمة أنهكتها الخيبات

جميل الشبيب – العربي القديم
لا شك أن تحرير سوريا من قبضة نظام طائفي استمر لأكثر من خمسة عقود ونصف، شكّل نقطة تحوّل كبرى في وعي الشعوب العربية، وأسهم في إحياء يقظة سنية في المنطقة. هذا التحوّل جاء متزامنًا مع تصاعد التوترات الإقليمية بعد أحداث السابع من أكتوبر، والتي وضعت المنطقة على صفيح ساخن، في ظل شعور عميق بالخذلان لدى أهل السنة، نتيجة العجز التام عن وقف المجازر التي ارتكبتها إسرائيل بحق المدنيين في قطاع غزة.
مع انطلاق معركة “ردع العدوان”، التي قادتها المعارضة السورية المسلحة ضد نظام بشار الأسد، بدا أن المعادلة بدأت تتغير. فقد نجحت هذه المعركة في إسقاط النظام، ورفعت شعارات تمجد الدولة الأموية بوصفها رمزًا تاريخيًا يعكس هوية ووجدان الشارع السني. هذا الحدث أعاد الأمل لكثير من الشعوب العربية، التي عانت من سنوات الإحباط والانكسار أمام آلة القمع والدمار التي استخدمها النظام ضد شعبه، خاصة المكوّن السني منه.
الانتصار السوري لم يكن مجرد حدث سياسي، بل كان بمثابة نفخة روح في جسد أمة أنهكتها الخيبات. لقد رأى كثيرون في هذا الانتصار ما يشبه أملًا متجددًا بأن غزة، التي تتعرض اليوم لعدوان شرس، يمكن أن تنتصر هي الأخرى، وأن النصر قد يكون على مرمى صبر ساعة.
وقد انعكس هذا الوعي الجديد في إجماع عربي وإسلامي نادر لدعم سوريا، بدءًا من المملكة العربية السعودية، مرورًا بدول الخليج وتركيا. وظهر هذا الإجماع بشكل أكثر وضوحًا بعد إعلان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب رفع العقوبات المفروضة على سوريا، في خطوة اعتُبرت مباركة أميركية لتحالف جديد يعيد رسم خارطة المنطقة.
ورغم أن ظاهر هذا الإعلان يوحي بتحالف إنساني لدعم الشعب السوري، إلا أن أبعاده السياسية تتجاوز ذلك بكثير. فهو يأتي بعد سنوات من الصراع مع مشروع إيراني توسعي استخدم عدّة دول عربية لتحقيق مصالحه، تحت شعار “المقاومة”، لكنه انسحب عند أول أزمة، تاركًا لبنان والعراق واليمن وغزة يواجهون مصيرهم وحدهم.
هذا التحالف الإقليمي الجديد، المدعوم أميركيًا، يملك فرصًا كبيرة لتحقيق تنمية واستقرار طال انتظارهما. خاصة وأنه يمثل لحظة تاريخية لتجاوز الانقسامات السابقة، والتي كانت قد ظهرت في بداية الولاية الأولى لترامب، عندما انقسم العالم الإسلامي السني بين محور تقوده السعودية والإمارات، وآخر تقوده قطر وتركيا.
اليوم، ومع بداية ولاية ثانية لترامب، تلوح في الأفق بوادر تحالف أكثر نضجًا، يوحد الصفوف ويوجه الطاقات نحو مشروع مشترك، لا يستثني السوريين الذين كانوا الشرارة التي أيقظت هذه النهضة.