العربي الآن

إيران تواجه ثورة سلطوية بنكهة نفطية!

د.عاصم عبد الرحمن – العربي القديم

في ظل الصراعات السياسية ومحاولات استجواب وزير الاقتصاد الإيراني عبد الناصر همتي، وهو مرشح رئاسي سابق، تعود قضية تهريب الوقود واسع النطاق إلى الواجهة من جديد، ففي 26 شباط 2025. تساءل الرئيس مسعود بزشكيان قائلاً: “مّنْ المسؤول عن إخراج هذه الكمية الهائلة من احتياطيات البلاد؟ لا يمكن لأحد أن ينقل الديزل باليد أو ببراميل صغيرة عبر الحدود. إنَّ مثل هذا التهريب الضخم يتطلب شبكة واسعة، لذا يجب أن يُحدد مّنْ هم المتورطون في هذه الدائرة. (موقع جماران، 26 فبراير 2025)”.

لكن بزشكيان نفسه يعلم جيداً من يقف وراء هذه الشبكة، وهو يدرك أن الفساد في تهريب الوقود يرتبط مباشرة بالحرس الثوري الإيراني، الذراع العسكري لمرشد الجمهورية علي خامنئي، وهي المؤسسة التي يعتمد بقاؤه عليها بشكل حيوي.

الصمت أمام الحقائق

في الأول من آذار الحالي، نقلت صحيفة “هم ‌ميهن” الحكومية عن بزشكيان قوله: “يشتري المهربون الديزل بـ 3000 ريال لليتر الواحد ويبيعونه بـ 700,000 ريال”. ثم يسأل: “لماذا لا تُعلن أسماء هؤلاء المهربين؟ هل الكشف عن أسمائهم يتعارض مع سياسة الوحدة؟ من هم هؤلاء المهربون؟… عندما يُنشر تقرير رسمي يتضمن أسماء هؤلاء المهربون الموقرون ستصدق الجماهير أن بإمكاننا فعلاً وقف هذا الفساد”.

يدرك بزشكيان تماماً أن تهريب 30 مليون ليتر من الوقود يومياً لا يمكن أن يتم باستخدام حاويات صغيرة. هذا التهريب يختلف عن تهريب الملابس أو السلع البسيطة. فالتحكم والإشراف وحتى إضفاء الشرعية على هذا النشاط يتطلب منظمات تمتلك إمكانات هائلة ونفوذاً عميقاً في الموانئ والحدود. الحرس الثوري، بسيطرته على الموانئ و الحدود البرية والشبكات الدولية، حوّل هذه التجارة المربحة إلى صناعة بمليارات الدولارات.

إلَّا أن الرئيس الإيراني ليس ببعيد عن هذه الأمور، وهو لا يسعى هنا لكشف أسرار الحرس، بل يستخدم اختفاء براميل النفط كأداة سياسية للضغط على وزير اقتصاده. في الحقيقة، يحاول من خلال إثارة الجدل حول الاستجواب والفساد أن يجبر منافسيه السياسيين على التراجع، وما إن تهدأ أزمة الاستجواب، حتى يتوقف هو أيضاً عن الحديث عن الفساد وتهريب الوقود.

انعكاسات الفساد على النظام

إن تهريب 20 أو 30 أو حتى 50 مليون ليتر من الوقود يومياً أمر واسع النطاق لدرجة أن آثاره تظهر أحياناً في وسائل الإعلام الحكومية من خلال المنافسات الداخلية على السلطة والثروة. فقد نشر موقع “تابناك”، التابع للقائد السابق للحرس الثوري محسن رضائي، في 28 كانون الأول 2024 تقريراً نقل فيه عن عضو مجلس إدارة البرلمان علي رضا سليمي قوله: “يقول وزير النفط للجنتنا إننا نشتري يومياً حوالي 9 ملايين ليتر من الوقود من المهربين. إذن أنتم تعرفون المهربين لأنكم تشترون منهم! الأدلة بين أيديكم، إنَّ ضياع 20 مليون ليتر من الوقود ليس مزحة”.

في حين أن بعض الخبراء الاقتصاديون المقربين من الحكومة يدعون أن حجم تهريب الوقود الحقيقي يتجاوز بكثير 20 أو 30 مليون ليتر يومياً. ونقلت صحيفة “آرمان امروز” في 23 كانون الأول 2024 عن خبير اقتصادي قوله: “نستهلك يومياً 120 مليون ليتر من البنزين. من هذه الكمية، يُستهلك 70 مليون ليتر فقط داخل البلاد، أما الباقي فيخرج أو يُخرج من البلاد”. وقد أعلن حسين راغفر أن هذا لا يتم بواسطة الحمالين عند الحدود، بل يُنفذ بشكل منظم بمعنى آخر، إنها تجارة حكومية.

حكومة مهربة

عندما يتحدثون عن “الحكومة”، فإنهم يشيرون إلى تلك الآلة الفاسدة التي تعمل تحت مظلة الحرس الثوري، وهي المسؤولة عن الفساد والجريمة والقمع. هي المؤسسة نفسها التي أحرقت في آذار 2021 عشرات حاملي الوقود الفقراء من البلوش أحياءً داخل سياراتهم.

في ذلك الوقت، حفر الحرس الثوري خنادق عميقة وأقام نقاط تفتيش على الحدود لمنع تنقل حاملي الوقود. وفي معبر اسكان الحدودي، فتحت قوات الحرس النار من المدافع الرشاشة المثبتة على الدبابات على حاملي الوقود والمدنيين الذين جاؤوا لدعمهم.

لا يعتبر تهريب الوقود في إيران جريمة فردية وحسب، بل هو جزء من الهيكل الاقتصادي لنظام يُعتبر أكبر سارق لثروات شعبه. الحرس الثوري، بإمكاناته الواسعة وسلطته القوية، لا يقتصر دوره على القمع الداخلي والخارجي وحسب، بل يمتد ليشمل بناء إمبراطورية اقتصادية تعتمد على استغلال الموارد الوطنية لصالح النظام وأتباعه، تاركاً شعبه تحت ركام الفقر والعوز.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى