تفاصيل سورية | ياسين وأخوته في سجلات السجن الأسدي
يكتبها: غسان المفلح
في رده على سؤال الصحفي محمد الحجيري لجريدة (الجريدة) الكويتية: ماذا يعني أن تمضي الجزء الأهم والأجمل من حياتك في السجن، وبماذا تحاول التعويض عن ذلك؟
يجيب ياسين الحلج صالح ” يعني «أكل هوا». شيء لا يمكن إضفاء قيمة نسبيَّة عليه. خسارة مطلقة. لا تتوافر قطع غيار لعشرينات العمر وست سنوات من ثلاثيناتها. لذلك التعويض غير ممكن. لكني أظن أن عملي الكثيف في السنوات الماضية، بين 2004 وبداية الانتفاضة، هو محاولة للتعويض مخفقة حتماً. فثمة فجوة محفورة في «اللحم» لا تقبل الامتلاء. وفجوة في الخيال، لا تمتلئ بأي شيء حقيقي، ولا بنساء العالم كلهن”.
ياسين الحاج صالح الذي أمضي ستة عشر عاما في سجون الأسد بتهمة الانتماء للحزب الشيوعي السوري- المكتب السياسي، كان من فردا من أفراد عائلة تعرضت للسجون والتواري عن الأنظار والمنفى القسري وشبه القسري، والاختطاف من قبل داعش أيضا.
اعتقل ياسين في: 07.12.1980. اعتقل مصطفى الحاج صالح 15.05.19885. اعتقل خالد الحاج صالح 01.07.1986 وأفرج عنه بتاريخ18.12.1991. كما لوحق صالح الحاج صالح وبقي متخفيا عن الأنظار في حلب لمدة أربع سنوات تقريبا. اعتقل خليل الحاج صالح بعد الثورة السورية 25.06.2011. كما اعتقل فراس الحاج صالح 04.06.2011. وبعد أن أفرج عنه بفترة اختطفته داعش 19.07.2013 ولايزال مختطفا.
من المعروف أيضا أن ياسين كان متزوجا من سميرة خليل* المعتقلة في الحملة التي شنها النظام الأسدي على حزب العمل الشيوعي عام 1987 لمدة أربع سنوات تقريبا، بتهمة الانتماء لهذا الحزب. بعد الثورة السورية التحقت سميرة بالثورة منذ لحظتها الأولى، بعدها هربت من دمشق نحو مدينة دوما. سميرة مفقودة حاليّاً بعد أن اختُطِفت في دوما في 9 ديسمبر 2013 مع الناشطين رزان زيتونة ووائل حمادة وناظم حمادي، والاختطاف تم من قبل جيش الإسلام بزعامة زهران علوش.
لاتزال كل هذه الأسماء ناشطة سياسيا وحقوقيا وكتابيا أيضا، حيث ياسين الحاج صالح كما سبق وذكرت من أبرز المفكرين السوريين. له العديد من المؤلفات التي ترجمت لعدة لغات.
اعتقلوا جميعا بتهمة الانتماء للحزب الشيوعي السوري- المكتب السياسي والذي يعرف الآن بحزب الشعب الديمقراطي وقد كان حزبا سياسيا ولايزال.
فراس الحاج صالح المختطف عند داعش كان من أوائل الناشطين في الثورة السورية في محافظة الرقة، لهذا اعتقله الأسد. إضافة إلى الشقيقين الكاتب والروائي الدكتور محمد الحاج صالح المقيم في النروج والناشط احمد الحاج صالح المقيم في فرنسا حاليا. لم يبقى أحدا من العائلة داخل سورية، موزعين على عدة بلدان كحال عشرات الألوف من العوائل السورية بعد الثورة.
مئات الألوف من العائلات السورية عانت ما عانته جراء السجان العام، وكيف حكم سورية ولايزال.
حافظ الأسد يعود إليه اعتقال البشر رهينة عن أخ أو أب أو زوج. كما يعود إليه اعتقال النساء بشكل غير مسبوق في تاريخ سورية. وولادة معتقلات سياسيات في السجن بعد اعتقالهن. لم يشفع لهن حملهن لحظة اعتقالهن، المعتقلة بتهمة الانتماء لحزب العمل الشيوعي رنا محفوض، التي ولدت ابنتها ماريا في السجن بعد أشهر من اعتقال رنا 1987. ماريا الآن طبيبة أسنان ناجحة. هي ابنة معتقل سابق الرفيق بهجت شعبو الذي كان متخفيا عن انظار المخابرات اثناء ولادتها ليعتقل بعد ذلك 1991. وعم ماريا الرفيق منير شعبو. وابن عم والدها الكاتب والباحث المهم راتب شعبو الذي يعيش في فرنسا الآن.
أكثر ما طبق حافظ الأسد قضية اعتقال العائلات كرهينة عن أحد ذويهم، طبقه على جماعة الاخوان المسلمين وبعث العراق، وكان اعداد الرهائن كبيرا.
حافظ الأسد كان يعطي أوامر الاعتقال والإعدام لمعارضيه شفهيا. رغم مرور ستة عقود على قيامه باعتقال معارضيه لم تنشر وثيقة واحدة موقعة من قبله باعتقال او اعدام أي معتقل. نستطيع القول ببساطة أن حافظ الأسد حكم سورية شفهيا. بمعنى الحكم الفعلي العرفي الطوارئي وعلى كافة المستويات. تماما مثل اتخاذه قرارا شفهيا بأن يكون مسؤولا عن ميزانية النفط السوري دون أية وثيقة. وبقي النفط السوري لا يدخل في الميزانية العامة للدولة منذ عام 1971 وحتى عام 1998. كما بقي المتصرف الوحيد بملايين الدولارات اليومية بطريقة” الخوة” او” الفتوة” يتصرف بها كما يشاء ودون وثيقة قانونية. تماما هكذا تعامل مع ملف الاعتقال السياسي وغير السياسي أحيانا مع ملف الإعدام السياسي مع ملف الرهائن وغيرها من الملفات. تحضرني حادثة طريفة: كنت شاهدا عليها اعطى الأسد امرا شفهيا باعتقال تجار المنطقة الحرة في حلب كي يدفعوا ضرائبهم هذا كان العنوان. وتم اعتقالهم دون أي امر من أية محكمة. هكذا ادار وتدير الاسدية حتى الآن سورية الفعلية.
هذه بعضا من تفاصيل سورية… يتبع
___________________________________________
هامش:
* سميرة خليل: يعود نشاط سميرة الخليل السياسي لأيام انتمائها لحزب العمل الشيوعي في سورية، وعلى إثر ذلك تم اعتقالها لمدة أربعة أعوام ما بين 1987 – 1991. أنشأت بعد ذلك داراً للنشر لمساعدة المعتقلين لنشر قصصهم. كانت سميرة من المشاركين في أنشطة ربيع دمشق وما تمخّض عنه من كيانات كإعلان دمشق، ووثيقة إعلان دمشق بيروت/ بيروت دمشق. شاركت في الحراك الثوري مع انطلاق الثورة السورية عام 2011، ونشطت بالتحديد في مجال الدفاع عن الحريات وتوثيق الانتهاكات، وخصوصاً بعد انتقالها للغوطة الشرقية منتصف العام 2013 مع انتقال زوجها الكاتب ياسين الحاج صالح لهناك أيضاً، بسبب الملاحقة الأمنية لهم في مدينة دمشق. عملت سميرة في مركز توثيق الانتهاكات الذي أسسته رزان زيتونة في مدينة دوما، وكذلك عملت في مركز النساء الآن، الذي كان يقدّم مشاريع تنموية للنساء. اختطفت سميرة الخليل في 9 كانون الأول/ديسمبر 2013، من مقر مركز توثيق الانتهاكات في مدينة دوما، برفقة كل من رزان زيتونة، ووائل حمادة، وناظم حمادي، الذين اختطفهم جيش الاسلام ولا يعرف مكانهم حتى الآن. صدر لها في عام 2016 كتاب بعنوان “يوميات الحصار في دوما 2013″، والذي قام بتحريره وتقديمه زوجها الكاتب ياسين الحاج صالح. سميرة وزوجها ياسين الحاج صالح كانا موضوع الفيلم الوثائقي “بلدنا الرهيب”، والذي يوثق حياتهما قبل اختطاف سميرة في 2013 ولاتزال مختطفة. مُنحت سميرة جائزة بترا كيلي من قبِل المؤسسة هاينريش بول في 2014 لعملها في مركز توثيق الانتهاكات في سوريا.
كما كتب ياسين رسائل لسميرة بعد اختطافها نشرت في موقع الجمهورية، حيث افتتحها بالقول:
في سجنك الطويل الكتيم، ربما تتساءلين يا سمور: كيف لم أستطع مساعدتك كل هذا الوقت؟ كنتِ تظنين أني أستطيعُ أن أساعد، وها هي انقضت ثلاث سنوات وسبعة أشهر وأنت رهينة محبسك، لا تعرفين عني شيئاً، ولا أعرف عنك شيئاً. سأحاول أن أجيب هنا وفي رسائل أخرى. زوجك لا يزال الكاتب الذي لا يكاد يكون له «سلاح» غير الكلمات.