العربي الآن

السيدة الأولى بعيون السوريات

لا يمكن أن يعدَّ ظهور السيدة لطيفة حدثاً عابراً في حياة المرأة السوريّة المحجبة، التي تتطلع إلى خوض غمارِ الحياة في مجالاتها جميعاً بلا تحفظات

د. فطيم دناور – العربي القديم

منذ أن ظهرتْ السيدةُ لطيفة الدروبي عقيلة ُالسيّد الرئيس في الحرم المكيّ، تؤدي مناسكَ العمرة وعيونُ السوريات ترقبُها، وتحاول رسم صورةٍ كاملة عنها: نشأتُها، دراستُها، عمرُها، حجمُ مشاركتها… والأهمّ هيأتُها، تلا ذلك ظهورُها مع السيدة أمينة أردوغان في استنبول في اليوم التالي، إذ ظهرتْ بعباءتِها السوداء، فأرسلتْ أولى الرسال للمجتمع السوريّ وسيداتِه خاصّةً.

لكنّ ظهورَها الأبرز كان برفقة الرئيس في مؤتمر أنطاليا الدبلوماسيّ 11-4- 2025 حيث لاحقتهما كاميراتُ الصحافةٍ بدءًا بدخولهما قاعة المؤتمر وليس انتهاءَ بزيارتها معرضًا أقامته السيدة أمينة أردوغان على هامش المؤتمر، في مشهدٍ أشبه بالانقضاض الإعلاميّ، فكلّ مراسل محطةٍ أو مجلةٍ أو أيةِ وسيلةٍ إعلاميةٍ يريد الظفرَ بصورةٍ أو الاستئثار بتصريح.

وتتبعت عيون السوريات السيدةَ لطيفة: جلوسَها بجانب زوجها وهيأتَها وحضورَها وبرنامجَها.. ومن طبيعة السوريين أن يعلقوا على كلِّ صغيرةٍ وكبيرة، وأن يبدوا آراءهم في كلّ شأن، كيف لا وكلّ شيء في حياتنا باتَ جديدًا ومثيرًا للفضول! وليس بمستغرب أن يهتم السوريات بظهور السيدة الأولى وهيأتِها، فكلّ ما يخصَ الرئيس يشكل جزءًا من رؤيته لمستقبل البلاد، وكل ظهورٍ أو كلمةٍ أو حتى إيماءةٍ يمكن أن يعدَّ رسالةً للداخل أو للخارج؛ وبناءً على ذلك رأت السوريات في ظهور السيدة لطيفة برفقة الرئيس تمكينًا لدور المرأةِ السوريةِ محليًا ودوليًا، فشكل حضورُها المتألّق أمام شاشات العالم رمزيةً لا تخفى على المتابع.

السيدة لطيفة الدروبي مع زوجها الرئيس الشرع في الحرم المكي أثناء أداء العمرة في شباط/ فبراير الماضي (العربي القديم)

مما لا يخفى على أحدٍ  أنّ المرأة السورية عنصرٌ فاعلٌ وبنّاءٌ لا يمكن تجاوزه، وبالتالي فإن حجبها عن العمل يحرمُ المجتمع والدولة الناشئة من إسهاماتها وإنتاجها، ولقد أظهرتْ المرأة السورية دورًا أساسيًا في سنيّ الثورة بدءًا من مشاركاتها في المظاهرات، وانتهاء بحضورها في منصاتِ التفاوض، وما بين ذلك من دورٍ جبار للسيدة السورية الأم والأخت والزوجة والطفلة التي تحملت ما لا تطيقه الجبال من تهجيرٍ وفقرٍ واختفاءٍ وفقدٍ، وما لا يحاط به من العذابات، وبعد كل ذلك  تظهر على الشاشة صامدةً قويةً جبارةً رافضة ًلأيّ نوعٍ من الخنوع والتراجع. ثم جاءت الدولةُ الجديدةُ وعزّزت حضور المرأة السورية بعد النصر، تجلى ذلك من خلال لقاءاتِ السيّد الرئيس مع سيداتٍ فاعلاتٍ في القصرِ الجمهوريّ، توجت بمشاركةٍ المرأة السوريّة في لجان الإعلان الدستوريّ والوزارة الجديدة.

إزاء هذا الحضور اللافت للسيدةِ السوريةِ قد يعدُّ تغييبُ السيدة الأولى عزلًا لأسرة الرئيس عن المجتمع، وبناءً لجدارٍ يحجبه عن شعبه، وهذا ما يتعارض كليًا مع نهجهِ القائم على الانفتاح ِ والاستيعابِ وقبولِ المجتمع بكافةِ أطيافه.

وليس سرّا أنّ ظهور السيدة لطيفة الأخير في مؤتمر أنطاليا أثار جدلًا مجتمعيّا، فانقسمت السوريات ثلاثة فرق: ففريقٌ احتجَّ وفريقً بارك وفريقُ صمَتَ صمْتَ الراضي، وكلّ أبدى رأيَه بحرية، وأما الفريق الذي احتجّ فهو فريق المحافظين الذين يرون أن جنّة المرأة بيتها، ويتحفظون على خروجها منه حتى لو غطت جسدها كاملًا، مدعمين موقفهم بنصوصٍ شرعية.

وأما الفريق الصامت، فهو فريق المتحررين الذين ينادون بنزع حجاب المرأة تماشيَا مع العصر. وفي بداية دخول قواتِ ردعِ العدوان إلى دمشق أبدى هذا الفريقُ تخوفًا من تقييد المرأةً ومنعها من المشاركة خصوصًا في التمثيل والغناء والرقص… هؤلاء وجدوا في هيئةِ السيدة لطيفة أقصى ما يمكن أن يحصلوا عليه من الرئيس أحمد الشرع.

بقي الفريق المبارِك: وهو فريق سيدات الأكثريةِ المعتدلةِ التي لا ترى ضيرًا في ظهور المرأة ما دامت محتشمةً ومراعيةً للأصول العامة. وهو الفريق مورس القمع عليهِ لأكثرَ من خمسين عامًا، ضاع حقه في تجاذباتٍ محمومةٍ بين المجتمعِ المحافظ والسلطةِ التي لا تمثله، فرأى في مرافقة السيدة الأولى لزوجها الرئيس في هذا المحفل تشجيعًا للمرأة السورية المحجبة على دخولِ ميادينِ الحياة كافّةً من دون أن تخشى منعًا أو قمعًا، وكان في أناقة السيدة لطيفة ولياقتها ما يعززُ وجهةَ نظر سيدات هذا الفريق، في أن المرأة المحجبةَ يمكن أن تكون مثقفةً منفتحةً شجاعةً قويةً… وفوق ذلك جميلة على الرغم من حشمتها. وظهر احتفاؤهن بها من خلال ردودهن على وسائل التواصل وما أظهرنه من إعجاب واهتمام.

لا يمكن أن يعدَّ ظهور السيدة لطيفة حدثًا عابرًا في حياة المرأة السوريّة المحجبة، التي تتطلع إلى خوض غمارِ الحياة في مجالاتها جميعًا بلا تحفظات، ولا أشك أنّنا بعد اليوم سنراها تقتحم ميادين الإعلامِ والدبلوماسيةِ والسياسةِ والأمنِ والجيشِ وجميعِ المجالات التي كان يُحظر عليها دخولُها إلا إن تخلت عن حجابها.

أخيرًا يرى الرئيس أنّ من حقّ الشعبِ الاطّلاع على حياتِه الخاصّة والتعرّف على أسرتِه، وقد عبَّر عن هذا الرأي في إحدى مقابلاتِه الإعلامية، ما أعطى لشعبه حرية إبداءِ الرأي في ظهور عقيلتِه الكريمة.

شكرا فخامة الرئيس..

السيدة لطيفة، نعتز بك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى