الرأي العام

سوريا الهشة.. الدروز في عين العاصفة

الأزمة الدرزية الداخلية مستعصية ولا حل أو ترتيب للبيت الداخلي الدرزي نظرا لتباعد المواقف المبينة على أسس مختلفة في العلاقة مع السلطة الجديدة والعلاقة مع دروز إسرائيل

أسامة المصري – العربي القديم

جميعنا يعرف أن أي سلطة تأتي بعد نظام الأسد، وما خلفه من تركة ثقيلة لن تكون قادرة على خلق واقع جديد ، أو النهوض بالبلد المدمر على كافة الأصعدة اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، وبشكل خاص الوضع الطائفي الذي أسس له الأسد الأب وعمق شروخه الابن، وكان واضحا منذ ما قبل تحرير دمشق وهروب الأسد أن الأغلبية السورية، إضافة إلى مدينة السلمية ذات الأغلبية الإسماعيلية، هم فقط من رحب بالتقدم العسكري لإدارة العمليات، ومن ثم سقوط النظام، وبينما عبر المسيحيون عن موقفهم بالصمت، لكن الطائفة العلوية، فقد كان وقع الصدمة كبير على عموم الطائفة وربما كانت الصدمة أكبر على نخبهم وبشكل خاص اليساريين، إلا أن المواطنين العاديين من أبناء الطائفة فشعروا بالخذلان من قبل الأسد الذي هرب على جناح السرعة، وهم الذين ضحوا بأرواح أبنائهم للدفاع عن نظامه، مقنعهم أن نظامه خالد إلى الأبد، إلا أن معظمهم بحسب مصادر متعددة ليس لديهم الرغبة أو السعي إلى مقاومة السلطة الجديدة، وانما يريدون العيش بسلام، فيما كان موقف الفلول واضحا برفضهم بل ومقاومتهم لهذا التغيير حتى لو استدعوا الأجنبي أي يكن، وإذا كان موقف عموم الطائفة العلوية مفهوما، فالخسارة كبيرة، والشعور بهزيمة تاريخية ليس أمرا سهلا، ولا بد من الإشارة إلى أن هناك قلة من أبناء الطائفة العلوية الذين رحبوا بسقوط النظام.

 ما يلفت الانتباه هو موقف طائفة الموحدون الدروز، فرغم أن موقفها من الثورة كان مترددا بسبب القمع العاري من قبل الأسد، وهذا كان مفهوما ومتفهما، إلا أنه كان لها مواقف مهمة وخاصة رفضهم تجنيد أبنائهم وزجهم بالقتال الى جانب قوات النظام الطائفية، الذي تحالف مع المحور الشيعي في المنطقة لتدمير وسحق الأغلبية السورية التي تدين بالمذهب السني، أضف إلى ذلك فإن هذه الطائفة وفي تطور هام خرجت في مدينة السويداء عام 2023 بتظاهرات ضد النظام وطالبت بإسقاطه على مدى أكثر من عام وتحت قيادة الشيخ حكمت الهجري وبرعايته، لكن كل شيء تبدل بالنسبة للشيخ الهجري واتباعه مع فرار الأسد وتحرير دمشق، وتوزعت مواقف هذه الطائفة بين مؤيد ومرحب وبين الحذر، والرافض، للسلطة الجديدة ورفض تسليم السلاح تحت ذرائع، عدة قد يكون بعضها مفهوما. 

ورغم حضور السيد وليد جنبلاط الذي يتمتع بشعبية كبيرة لدى ابناء الطائفة الدرزية إلى دمشق ولقائه بالرئيس السوري أحمد الشرع، بعد أيام من تسلمه السلطة، إلا أن ذلك لم يحقق ما أراد نظرا لعدم وجود نفوذ له على الشيخ حكمت الهجري، ربما بسبب الموقف من نظام الأسد، وربما قضايا أخرى، مثلا التناغم بين الهجري والشيخ اميل طريف الذي تربطه علاقة وثيقة مع الحكومة الإسرائيلية.

ورغم أن عدة فصائل درزية مسلحة عقدت اتفاقاً مع الحكومة السورية، واستقبل الرئيس الشرع عدداً من الشخصيات السياسية والمدنية الدرزية، إلا أن الشيخ الهجري لم يتزحزح عن موقفه الرافض لأي حوار مع شروط متغيرة ومتبدلة في كل مناسبة، كان آخرها تصريحه بالقول “لسنا على توافق مع دمشق ومستعدون للقتال” .
اتخذت السلطة السورية موقف المتريث وتركت الفصائل في السويداء وامتداداتهم في ضاحية جرمانا وصحنايا للتفاهم مع القوى الرافضة أو القوى المترددة، وبات الخلاف الدرزي – الدرزي يراوح في مكانه على مدى الشهور الماضية، مع وضعية أمر الواقع للفصائل العسكرية التي اتفقت مع السلطة وكذلك الرافضة لها، ولكن فيما يتعلق برجال الدين يبدو أن الخلافات كانت أعمق مع القطيعة بين الشيخ الهجري وبقية رجال الدين الذين أبدوا موقفا مرنا أو وسطا للتعامل مع السلطة الجديدة، منطلقين من الحرص على وحدة الطائفة وتجنيبها حمام دم إذا ما حصل اقتتال داخلي بينها، أو في مواجهة محتملة مع السلطة، وكذلك اعتبارهم وحدة التراب السوري أمرا مقدسا، مع التأكيد على رفضهم القاطع بالاستقواء بالخارج والمقصود اسرائيل بالطبع، فالهجري يبدو أنه يريد أن يشكل ضاحية جنوبية كما فعل حزب الله في لبنان، وأنا أعتقد أن الأمر غير ممكن فزمن الضواحي انتهى رغم تبدل اللاعبين.

 لابد من الإشارة إلى أن النخب من أبناء الطائفة أيضا توزعت على هذه المروحة من المواقف، وبدا أنها غير فاعلة (بسبب سلطة الفصائل العسكرية وسطوة رجال الدين).

هناك عامل آخر مهم خلف موقف الفصائل العسكرية الرافضة للتعامل مع السلطة، وهو وجود أعداد كبيرة من فلول نظام الأسد الذين تجمعوا في السويداء ومحيطها ومنهم المجلس العسكري، وكذلك في جرمانا حيث أن فلول النظام أيضا تجمعت في هذه الضاحية بحسب ما أكدت مصادر أهلية عدة في السويداء وجرمانا ومناطق أخرى، فقد أكدت عدة مصادر أهلية وناشطون أن أولادهم الذين كانوا ينتمون لميليشيات إيران والدفاع الوطني يتواجدون في هذه المناطق، أضف إلى ذلك تواجد ما يسمى مجموعات من عصابات الشبيحة الذين يديرون عمليات التجارة بالمخدرات وغير ذلك.

السلطة التي تتسم بالضعف والهشاشة في العديد من الجوانب، وخاصة تجاه معالجة القضايا الخطيرة والملحة كالعدالة الانتقالية على سبيل المثال، تريثت بمسألة التوصل إلى اتفاق مع جميع المناطق ذات الغالبية الدرزية عبر زعاماتها العسكرية والمدنية والدينية، والسبب الأساسي كما أعتقد انها تلعب على عامل الزمن والمتغيرات الداخلية والإقليمية لتساهم بذلك، على طريقة حل مسألة سلاح فصيل أحمد العودة، إضافة إلى إعطاء فرصة لترتب القوى المجتمعية والعسكرية الدرزية بيتها الداخلي عبر تفاهمات تصب بمصلحة وحدة سوريا والانخراط في العملية السياسية، والتوصل إلى موقف وطني موحد، وهذا بالطبع لم يحصل لعدة أسباب أهمها سطوة الفصائل التي تأوي وتتحالف مع فلول النظام، إضافة إلى الوهم الذي انعقد على العامل الخارجي الذي اصطف الشيخ الهجري ومن خلفه ضمن هذا الموقف ونأمل أن يتغير الموقف والذهاب إلى العمل الوطني المشترك.

أخيرا بدا واضحا أن الأزمة الدرزية الداخلية مستعصية ولا حل أو ترتيب للبيت الداخلي الدرزي، نظرا لتباعد المواقف المبينة على أسس مختلفة في العلاقة مع السلطة الجديدة والعلاقة مع دروز إسرائيل من جهة، والعلاقة مع الفلول من جهة أخرى، فالجميع متمسك بمواقفه، ففصائل الفلول المسألة بالنسبة لهم حياة أو موت ولن يهادنوا أو يدخلوا في مساومة مع السلطة، وبات واضحا انهم يعيشون مع وهم الدعم الخارجي، أما بالنسبة للفصائل الوطنية التي اتفقت مع السلطة، فأيضا خياراتها محسومة في الانخراط بالحل الوطني وملتزمة بما اتفقت به مع السلطة.

 إن ما حدث خلال الأيام الماضية من أحداث واقتتال ودخول إسرائيل على الخط وبقوة، من خلال استهدافها لقوت الأمن العام، يشير بوضوح أن هناك جهة تريد افتعال أزمة ومعركة مع السلطة، فكان هذا الفيديو الذي تمت فبركته لإثارة الأكثرية السنية، وهذا ما تريده إسرائيل وفلول النظام من عصابات وقتلة ومجرمين الذين يعتاشون على الحرب والقتل، لقد بدا الشيخ الهجري كأنه مظلة لهؤلاء مع الاستقواء بالخارج، وجاء نشر الفيديو المفبرك في محاولة لنقل الخلاف الذي سميناه بالداخلي إلى صراع مع السلطة أو الأكثرية، وبالتالي خلط الأوراق الداخلية بالإقليمية وكلها لحسابات مصالح فئوية وشخصية وخدمة لأجندات ليست سورية.

الأحداث التي جرت ومحاولات بعض القوى توسيعها لمزيد من العنف مع تدخل إسرائيل والاستقطاب الطائفي من مكونات ونخب أقلوية كان له عنوان واحد هو التحريض على العنف ومزيد من القتل، في محاولة لإغراق السلطة الجديدة بمزيد من الدم، ربما ليثبتوا أن ما حدث في الساحل ليس استثناء، وهذه إن دل على شيء فإنما يدل على سلوك أقل ما يوصف به أنه غير وطني خاصة أنه تلاقى مع تدخل إسرائيل بشكل مباشر.

إن عدم إدانة هذا التدخل من قبل الشيخ الهجري، يؤكد ما لا نريد التفكير فيه حرصا على الوحدة السورية وعدم الذهاب إلى حرب جديدة الجميع سيكونوا من ضحاياها، السلطة مرة أخرى تتحمل المسؤولية الأكبر عن كل ما جرى وما قد يجري وعليها أن تقدم الحلول والمبادرات لإطفاء النار قبل أن تتحول إلى حريقا يأكل الاخضر واليابس، وكذلك القيادات المدنية والدينية ذات التأثير الأقوى ضمن الطائفة الدرزية، تتحمل مسؤولية لا تقل أهمية عن مسؤولية السلطة، ومطلوب الإسراع في حل هذه القضية وتسليم كل الخارجين عن القانون من فلول النظام السابق وعصابات المخدرات والمجرمين، وانهاء ما بات يعرف بالجزر الأمنية التي يسيطر عليها هؤلاء في جرمانا وبعض مناطق السويداء، وكذلك فإن من واجب الشيخ الهجري تغليب مصلحة الوطن على مصالح فئوية فإسرائيل لن تحميه وانما السوريون هم ابناءه وسوريا وطنه التي ولد فيها، وبات مطلوب من النخب الدرزية لعب دور أكبر وضاغط لسحب البساط من تحت اقدام المتحكمين بالمشهد الدرزي، بتعبيرات عملية عبر الخروج بتظاهرات تعبر عن موقفها الوطني التاريخي وإبعاد من يريدون مصادرة قرار هذه الطائفة التي كان لها دورا تاريخيا في تأسيس الكيان السوري.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى