إسرائيل تقلّم أظافر إيران النووية: هل نصفّق أم نحزن أم نخشى على الشرق الأوسط؟!
يبدو أن إيران ابتلعت الطعم الأمريكي حد الاختناق هذه المرة

سامي زرقة – العربي القديم
لطالما تغنت إيران منذ عام 1979 بـ فلسطين وبأنها تريد تحرير القدس، وأطلقت شعارات كثيرة تحت هذه الذريعة.. منها إسرائيل وأمريكا الشيطان الأكبر، تدخلت هنا وضربت هناك.. قامت بتربية أفاعٍ وثعابين تطلقها في المنطقة، تيبعها وتقطع رؤوسها وقت تشاء.. وكأن هذه الأذرع قرابين تقدم أضحية لمناسبة ما.. هذا هو جوهر النظام الديني الشمولي الذي قامت عليه إيران منذ خمسين عاماً تقريباً.. من دون أن تحرر شبراً واحداً من القدس ولا حتى نصرت الشعوب المستضعفة وفقاً لشعاراتها.. بل على العكس عاثت فساداً وخراباً في المنطقة والشواهد كثيرة في سوريا والعراق ولبنان.
ورغم كل الفرص الممنوحة للنظام الإيراني من أجل تهذيب سلوكه وانخراطه في المجتمع الدولي، واتباع سياسة حسن الجوار ومد يد التعاون مع المحيط.. لم تقم طهران أي وزن للجهود الدبلوماسية الدولية للتعاون معها كدولة ذات كيان واستقلالية، بل على العكس ظنت أنها تستطيع الخروج عن الفلك الدولي عموماً والأمريكي خصوصاً، وأنها تستطيع نسج تحالفات واصطفافات تقض مضجع العالم أجمع، بهدف الارتهان لإشارتها.
هنا كان لا بد لطرف آخر لا يقيم وزناً للأعراف الدبلوماسية والدولية لتلقين إيران درساً بأنها لا تستطيع الإفلات من عقاب على ما اقترفته في المنطقة، وإن كان هذا الطرف يستحق العقاب أيضاً.. لذا انبرى نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل للعب دور (المعاقِب) وتقليم أظافر إيران النووية، ومنعها من امتلاك السلاح النووي الذي تهدد به العالم أجمع.
الضربات الإسرائيلية طاولت منشآت تخص البرنامج النووي الإيراني مثل موقع نطنز، كما استهدفت مصانع صواريخ وبنى عسكرية، ومراكز قيادة وعلماء نوويين بارزين – من بينهم قادة الحرس الثوري والعلماء مثل فريدون عباسي.
إيران نفذت ضرباتها الجوية على المواقع النووية الإيرانية مدفوعة بخلفيات وأولويات تعتبرها مهمة لأمنها القومي أهمها: منع إيران من امتلاك سلاح نووي.. إذ تعمل إسرائيل وفق “عقيدة بيغن”، التي تقلص التهديد النووي الإيراني قبل أن يصبح قابلاً للتنفيذ.
ثاني دوافع إسرائيل هو تحجيم ميل إيران الحربي، إذ استهدفت الضربات برنامجي الصواريخ الباليستية والطائرات بدون طيار التابعين للحرس الثوري.
يبدو أن إيران ابتلعت الطعم الأمريكي حد الاختناق هذه المرة.. عبر أيام وأسابيع ونحن نسمع عن المكالمة الهاتفية التي جرت سابقاً بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وقتها جرى تسريب أن الرجلين غير متفقين تماماً بخصوص الملف النووي الإيراني، والحقيقة أن هذه المعلومة جرى تسريبها بشكل خاطئ.. سنعطي تفسيراً لذلك: ترامب كان قد منح إيران فرصة 60 يوماً لإنجاز الاتفاق النووي، والضربة الإسرائيلية جاءت في اليوم الواحد والستين.. إذاً كانت المكالمة بين الرجلين لتحديد الأهداف والأولويات في أي ضربة إسرائيلية قادمة في حال فشلت المفاوضات النووية، ومنذ ذلك الوقت وإسرائيل تقوم بالتحضير للضربة، وهي اليوم تقول عبر وير دفاعها أن عملية “الأسد الصاعد”، قد تمتد أياماً وأسابيع.
هل انتُزعت “مخالب” إيران النووية؟
قد يتساءل البعض بشأن فاعلية الضربات الإسرائيلية على منشآت نووية إيرانية.. فيأتي الرد بأن الضربات الإسرائيلية حققت أهدافاً جمة منها تأخير قدرات تخصيب التخصيب الفعال، إذ أن استهداف نطنز ومواقع أخرى أعاق إنتاج اليورانيوم عالي التخصيب، من دون تسريب إشعاعي.
إضافة إلى ذلك فإن اغتيال علماء إيرانيين ومحافظي أنظمة التحكم في البرنامج، مثل عباسي، يُضعف بناء القدرات المستقبلية النووية في إيران.
كما ساهمت الضربات الإسرائيلية على إيران في تعطيل الصواريخ والهجمات الميدانية، لأنه تم استهداف بنية الصواريخ حول نزع عنصر المفاجأة والدفاع.
بيد أن الضربات الإسرائيلية حتى الآن لم تُدمّر كل المواقع النووية (مثل فوردو العميقة جداً)، لكنها أوقفت التقدم وقلّصت قدرة إيران على إنتاج سلاح نووي بشكل فعّال.. كما أنها (الضربات) تمثل منعطفاً متطرفاً في سياسة “الضربة الاستباقية”، فقد أوقفت الجهود النووية الإيرانية مؤقتاً، لكنها فتحت صندوقاً خطيراً من الرد الإيراني والتقلبات الجيوسياسية.. إسرائيل عززت دفاعها على المدى القصير، ولكن التغيير جذري في طبيعة الصراع مستقبلاً.. كما دور واشنطن الحاسم سيُحدد مسار التصعيد أو منع اتساع النزاع – أما إيران، فقرارها سواء بقيت صبورة أم اختارت الرد العسكري، فسيشكل ختم المرحلة المقبلة في الشرق الأوسط.