حين تشتعل السماء… وتضحك الأرض: الإيرانيون يحاكمون نظامهم بالسخرية
هذه السخرية ليست وليدة اللحظة، بل نتاج تراكم عقود من القمع والخذلان.

براء الجمعة – العربي القديم
في ليلة 13 يونيو/حزيران 2025، هزّت صواريخ إسرائيلية دقيقة، ضمن عملية أُطلق عليها اسم “الأسد الصاعد”، سكون طهران، مستهدفة منشآت نووية، قواعد عسكرية، ومراكز قيادة الحرس الثوري. لكن، في مفارقة صادمة، لم يكن صوت الانفجارات هو الأعلى، بل ضحكات الإيرانيين الساخرة التي دوّت من بين الأنقاض، معلنة عن شعب لم يعد يصدّق رواية نظامه “المنيع”. لم يسأل الناس: “متى سيرد النظام؟”، بل: “هل بقي له ما يرد به أصلًا؟” فكيف تحولت المأساة إلى مسرح تهكّم جماعي؟ ولماذا صار الضحك سلاحًا أقوى من صواريخ النظام؟
نظام يعيش على وهم القوة… ويسقط عند أول اختبار
منذ ثورة 1979، بنى النظام الإيراني شرعيته على خطاب “الممانعة” ضد إسرائيل والولايات المتحدة. في البداية، حمل هذا الخطاب رمزية ثورية، لكنه تحول تدريجيًا إلى عبء ثقيل على الإيرانيين. اليوم، يرزح الشعب تحت تضخم يقارب 40% (وفق تقارير اقتصادية دولية لعام 2025)، انهيار الريال، والبطالة المتفشية التي تضرب الشباب بشكل خاص. دعم النظام للميليشيات الخارجية والبرامج النووية بات مغامرة مكلفة تهدد لقمة العيش قبل أن تحمي الكرامة.
في الضربات الأخيرة، انكشفت هشاشة خطاب الردع الإيراني. أفادت تقارير عسكرية إسرائيلية أن الدفاعات الجوية الإيرانية عجزت عن رصد الصواريخ المتقدمة، مما سمح باختراقها بسهولة مقلقة. وتسربت أنباء غير مؤكدة عن مقتل قادة بارزين مثل حسين سلامي ومحمد باقري، مما ضاعف شعور الإيرانيين بأن نظامهم ليس فقط عاجزًا عن حمايتهم، بل قد يكون السبب في استهدافهم. تصريحات النظام الرسمية، التي وعدت بـ”رد قاسٍ”، بدت جوفاء أمام هذا الانهيار، وزادت من حدة السخرية الشعبية.
سخرية الشعب: ضحك مرّ في وجه سلطة فقدت روايتها
على منصة “إكس” وفي شوارع طهران، لم يكن الصمت رد الفعل، بل سيل من التعليقات الساخرة. كتب مستخدم باسم “TehranVoice”: “هل سيخرج خامنئي من مخبئه ليصلي على جثث من وعد بالنصر؟”، وحصدت تغريدته آلاف التفاعلات. آخر علّق على صورة لأنقاض قاعدة عسكرية: “الحياة مليئة بالتقلبات… مثل دفاعاتنا الجوية!”، في تهكم مرير على شعارات النظام التي تمجد “الشهداء”.
هذه السخرية ليست وليدة اللحظة، بل نتاج تراكم عقود من القمع والخذلان. جيل شاب نشأ وسط الحصار الاقتصادي والبطالة وجد في النكتة ملاذًا ومقاومة. عبارات مثل “دولة كرتونية” و”أوهن من بيت العنكبوت” صارت تصف النظام في عيون الإيرانيين. الضحك هنا ليس هروبًا من الواقع، بل مواجهة له، سلاح رمزي يكسر تابوهات الخوف التي بناها النظام على مدى عقود.
عندما يُستقبل القصف كخلاص محتمل
أكثر ما يكشف عمق الشرخ بين الشعب والنظام هو أن بعض الإيرانيين خرجوا طوعًا إلى المرتفعات لمشاهدة القصف الإسرائيلي، كما لو كانوا يتابعون عرضًا ناريًا. ذكرت تقارير صحفية محلية مشاهد “ترقب مبهج” وابتسامات صامتة أمام الانفجارات. هذا التفاعل الصادم لا يعكس فقط الاغتراب الشعبي، بل قطيعة نفسية كاملة مع السلطة. حين يحتفل المواطن بقصف بلاده، فإن وطنه الحقيقي لم يعد في النظام، بل في حلم الخلاص منه.
البرنامج النووي: مشروع فوق أنقاض الناس
الضربات التي طالت منشآت نووية أعادت فتح النقاش حول برنامج طالما رفعه النظام كعنوان فخر. لكن، مع انهيار الريال بنسبة 50% خلال عامين (حسب تقديرات اقتصادية) وتفاقم الفقر، يتساءل الإيرانيون: “ما قيمة اليورانيوم ونحن لا نملك الخبز؟” هذا السؤال، الذي تردد في آلاف التغريدات على “إكس”، يعكس انهيار شرعية المشروع النووي من الداخل. فالشعب، الذي دفع ثمن هذا البرنامج، لم يعد يرى فيه أملًا، بل عبئًا يهدد وجوده.
صوت الشعب… رجع الصدى الذي لا يُقمع
ما يجري في إيران ليس مجرد أزمة أمنية، بل أزمة وجود لنظام يعيش في عزلة داخلية تفوق عزلته الدولية. السخرية التي اجتاحت الشوارع والمنصات ليست نكتة عابرة، بل مقاومة رمزية تقول إن الخوف لم يعد سيد الموقف. الضحك الذي دوّى في وجه الموت لم يكن إنكارًا للخطر، بل إعلانًا عن وعي جديد. لم يعد الإيرانيون ينتظرون من يحررهم، بل بدأوا يحررون أنفسهم من قداسة نظام لم يعد يخيف، ومن رواية لم تعد تُقنع.
ففي زمن القصف، صعد صوت الضحك، لا كتهكم فارغ، بل كقوة أخيرة في يد شعب يصرخ: لقد سقط النظام، حتى وإن بقي واقفًا. فهل يتحول هذا الضحك إلى صرخة تغيير قريبة؟