ملفات أورينت العالقة: تحدثوا عن الجريمة فعوقبوا.. ثم أقرّ بها القضاء!
هل يعقل أن يعاقب الصحفي لنقله الحقيقة، بينما تدان لاحقاً الجريمة نفسها؟

علي الجاسم – العربي القديم
رغم مرور عامين على إغلاقها تبقى ملفات قناة أورينت عالقة بين سجالات الناس والإعلاميين وحتى أروقة القضاء… فقد أوقفت السلطات التركية في عام 2023 كلاً من مدير قناة “أورينت” الإعلامي علاء فرحات، ومقدم برنامج “تفاصيل” الصحفي اللامع أحمد الريحاوي، وذلك على خلفية حلقة بثها البرنامج تحدثت عن تورط عناصر من قوات حرس الحدود التركية (الجندرما) في تعذيب لاجئين سوريين على الحدود، ما تسبب بمقتل عدد منهم.
وجاء التوقيف بناءً على شكوى تقدم بها الصحفي التركي “أوكتاي يلماز” الذي اعتبر الحلقة تمس الأمن القومي التركي وتروّج لـ”أخبار كاذبة”.
وبناءً عليه، أصدرت محكمة تركية حكماً بالسجن لمدة “ست سنوات” بحق فرحات والريحاوي، بتهمة تهديد الأمن القومي التركي.
القرار الجديد أعاد الضوء على أساس القضية فكتب السيد علاء فرحات معلقاً على صفحته على فيسبوك:
“قبل أسبوعين، أبلغني المحامي بأن محكمة الاستئناف رفضت طلب إلغاء أو تخفيف الحكم الصادر بحقي وبحق الزميل أحمد الريحاوي، بالسجن لست سنوات في تركيا عام 2023، بسبب تغطيتنا لقضية مقتل سوريين على يد الجندرما التركية. تم توجيه الاتهام لنا بنشر ‘أخبار كاذبة‘ و’تهديد الأمن القومي‘، رغم أن ما نشرناه كان قائمًا على شهادات ووقائع موثقة. واليوم، تصدر محكمة الجنايات في هاتاي حكماً بالسجن المؤبد مرتين على ضباط أتراك أدينوا بتعذيب تسعة سوريين، اثنان منهم فارقوا الحياة تحت التعذيب.
هذا القرار القضائي الأخير يؤكد صحة ما نشرناه، ويفضح زيف الاتهامات التي بني عليها حكمنا.
فهل يمكن للعدالة أن تُنصف في جانب وتظلم في جانب آخر؟
هل يعقل أن يعاقب الصحفي لنقله الحقيقة، بينما تدان لاحقاً الجريمة نفسها؟
ننتظر قرار محكمة النقض، التي قد تستغرق عاماً أو أكثر، لكننا لن نتراجع عن موقفنا: الصحافة ليست جريمة.”
التغطية الصحفية بين القانون ومواثيق الشرف
وفقًا للمادة (19) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فإن “لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير”، ويشمل ذلك حرية نقل المعلومات دون تدخل من السلطات. كما ينص ميثاق الشرف المهني للصحفيين، الذي تتبناه العديد من النقابات والمؤسسات الصحفية الدولية، على أن الصحفي “ملزم بنقل الحقيقة بدقة، والدفاع عن حق الجمهور في المعرفة، دون خضوع لأي ضغط سياسي أو أمني”.
وفي السياق ذاته، أدانت منظمة “مراسلون بلا حدود” في تقارير سابقة استخدام قوانين الأمن القومي لتقييد حرية الصحافة في بعض الدول، ووصفت ذلك بأنه “اتجاه مقلق يُستخدم لردع الصحفيين عن القيام بعملهم الاستقصائي”.
وفي حالات مشابهة، مثل قضية فرحات والريحاوي، تشير هيومن رايتس ووتش إلى ضرورة التمييز بين النقد أو التغطية الصحفية وبين ما يُعتبر تهديدًا حقيقيًا للأمن، مؤكدة أن “محاسبة الدولة لا يجب أن تُعتبر جريمة”.
صحافة ضحية التسييس
مع تزايد الاعتماد على الصحافة في فضح الانتهاكات وإيصال صوت الضحايا، تبرز الحاجة إلى توفير حماية قانونية حقيقية للصحفيين، وضمان استقلال القضاء في التعامل مع مثل هذه القضايا، بعيدًا عن التسييس أو تضارب المصالح. ويُنتظر من محكمة النقض التركية أن تُعيد النظر في هذه القضية بما ينسجم مع القوانين الوطنية والمواثيق الدولية التي تضمن حرية التعبير وحق الصحفيين في ممارسة دورهم الرقابي.
تعليق واحد