دلالات وقضايا | تفكيك مطالب الأقلِّيَّات السُّوريَّة
الفاصل بين المطالب المحقَّة والمطالب غير المحقَّة خيط دقيق؛ يصعب على غير الحكماء والمتمرِّسين في العمل السِّياسيِّ التقاطه

د. مهنا بلال الرشيد – العربي القديم
تظهر بعض الاختلافات السِّياسيَّة أو بعض الاختلافات في وجهات النَّظر في معظم المراحل السِّياسيَّة الانتقاليَّة عقب الانقلابات العسكريَّة أو بعد انتصار الثَّورة مثلًا، وربَّما اختلف أبناء الوطن الواحد أو صقور الحزب الواحد على تقاسم المغانم أو توزيع المناصب بعد نجاح حزبهم في الانتخابات البرلمانيَّة أو عند اجتياحه خارطة البلاد بشعبيَّة جارفة. وغالبًا ما يكون حجم الخلاف بين النَّاجحين في انقلابهم العسكريِّ أصغر من حجم الخلاف بين المنتصرين في ثورتهم؛ وذلك لأنَّ الهزيمة يتيمة، لا أحد يتبنَّاها، والنَّصر الثَّوريُّ ما أكثر من يتبنَّونه، ويتاجرون به أيضًا، إلى حدٍّ قد يتجرَّأ فيه المتخاذلون بالمزاودة على صقور الثُّوَّار الأحرار، لا سيَّما إن جاء النَّصر بعد ثورة طويلة الأمد مثل الثَّورة السُّوريَّة المباركة. ولأنَّ الانقلاب العسكريَّ يكون سريعًا أو خاطفًا في معظم الأحيان، وتكون الخلافات بسبب ظهور المطامع الدَّفينة أو بسبب اختلاف نوايا القائمين بالانقلاب، وتكتُّمهم على تلك النَّوايا إلى ما بعد نجاح الانقلاب؛ ليخطف صاحب النِّيَّة الأخبث أكبر مكسب من مكاسب انقلابه أو ليقطف الثَّمرة الكبرى من ثمار هذا الانقلاب، ولو دفعته نواياه الخبيثة إلى التَّخلُّص من رفاق دربه، الَّذين تسلَّق على أكتافهم في المراحل السَّابقة كلِّها، ويعدُّ انقلاب حافظ الأسد ورفاقه البعثيِّين ضدَّ ناظم القدسيِّ في الثَّامن آذار-مارس 1963 نموذجًا واضحًا عن خبث النَّوايا المضمرة والتَّخلُّص من رفاق الدَّرب بعد نجاح الانقلاب.
والشَّكل الثَّاني من أشكال الخلاف أقلُّ ظهورًا من الشَّكل الأوَّل، كأن يجتاح حزب سياسيٌّ خارطة البلاد خلال الانتخابات البرلمانيَّة بشعبيَّة جارفة متوقَّعة أو غير متوقَّعة، ثمَّ يختلف أعضاء هذا الحزب على إدارة الدَّولة أو تقسيم المكاسب القياديَّة بين أعضاء الحزب أو توزيع المهام التَّنفيذيَّة المرتبطة بمكاسب سياسيَّة ومادِّيَّة في غالب الأحيان؛ فتظهر تكتُّلات وتيَّارات داخل الحزب الواحد، قد تؤدِّي إلى انهياره، وقد تطيح ببعض صقور الحزب من أولي الفضل في جمع أصوات الجماهير خلال الانتخابات، لكنَّ رفاق دربهم فضَّلوا تنحيتهم أو منحهم أدوارًا سياسيَّة لا تتناسب مع شعبيَّتهم الجارفة.
تقسيم مكاسب الثَّورة السُّوريَّة
أكثر ما يعنينا في هذا المقال نموذج إدارة الخلاف خلال المرحلة الانتقاليَّة بعد انتصار الثَّورة السُّوريَّة المباركة، الَّتي كثر آباؤها والمتاجرون فيها، وإن لم يطلقوا رصاصة واحدة ضدَّ عصابة الأسد المجرمة خلال ما يقرب من أربعة عشر عامًا مباركًا من الثَّورة، تعدَّدت فيها الآراء والفصائل، وظهرت فيها التَّكتُّلات السِّياسيَّة غير المنتخبة مثل التَّنسيقيَّات والمجالس الوطنيَّة والائتلاف، ومعظم المنخرطين فيها كانوا يطمحون للقيام بأدوار سياسيَّة في مرحلة ما بعد الثَّورة، وإن كان وجود هذه التَّكتُّلات مبرَّرًا خلال الثَّورة؛ لتعذُّر الانتخابات والاحتكام إلى الصَّناديق الانتخابيَّة وإرادة الجماهير، فإنَّ وجودها ما بعد انتصار الثَّورة لم يعد مبرَّرًا، وكان لا بدَّ من حلِّ هذه التَّكتُّلات واندماج بعض قادتها في مؤسَّسات الدَّولة، مع الإشارة إلى أنَّ خيرة شبَّان الفصائل الثَّوريَّة استشهدوا في معارك المواجهة مع النِّظام البائد، وترفَّع بعضهم عن الخوض في بازارات المساومة لمقايضة تضحياته الثَّوريَّة بمكاسب سياسيَّة ما بعد الانتصار، وانخرط آخرون في بازار المساومة مع قادة معركة ردع العدوان الأخيرة، الَّتي أسفرت عن انهيار النِّظام المجرم، وبدأ بعضهم يضع سنَّارات صيده في أكثر من موقع؛ للحصول على أيِّ مكسب، وعدَّل مواقفه القديمة، وربَّما تراجع عن إساءاته القديمة لزملائه في الفصائل الثَّوريَّة الأخرى، الَّتي كان يتَّهمها، أو يتناحر معها، والتَّراجع عن الذَّنب والخطأ فضيلة، مع أنَّ الجماهير تعرف حقائق معظم مَن تصدَّروا المشهد الثَّوريِّ قبل انتصار الثَّورة وبعد انتصارها على مستويات القتال والسِّياسة وغيرها؛ ولأنَّ الجماهير تعرف، وينتج عن هذه المعرفة ما يشبه الفرز والتَّصنيف والتَّقييم لمعظم الشَّخصيَّات الثَّوريَّة؛ لتفسِّر في ضوء هذا التَّقييم التَّموضعات الجديدة من أجل الحصول على المكاسب في مرحلة ما بعد انتصار الثَّورة أو ما بعد النَّجاج في الانتخابات النِّيابيَّة وإن اختلف توزيع الغنائم بعد انتصار الثَّورة عن توزيع الغنائم بعد الانقلاب أو بعد النتخابات النِّيابيَّة.
وفي المحصَّلة تسفر جميع الأشكال السَّابقة عن مرحلة مرحلة انتقاليَّة تأتي بعد الانتخابات أو بعد انتصار الثَّورة، وقد ترتقي فيها شخصيَّات ثوريَّة أو جدليَّة من الصَّفِّ الثَّاني أو الثَّالث، وقد يُنحَّى بعض الصُّقور، وفي غالب الأحيان ينجح في الارتقاء من يجيد نصب السِّنَّارات المتعدِّدة هنا وهناك؛ وعند ظهور أوَّل دوَّامة في ماء النَّهر يتَّجه هذا النَّوع من الشَّخصيَّات مع باقي المشرفين على سنَّاراته؛ ليلقوا ثقلهم في مكان الصَّيد الثَّمين، ويغيِّروا منهجهم وخطابهم من أجل الحصول على المكاسب، ويكبر بسبب هذا النَّوع من السِّياسة حجم شخصيَّات متذبذبة الولاء أيضًا أو غير واضحة المعالم والانتماء، ويُفضِّل أمثال هذه الشَّخصيَّات الغموض إلَّا بقدر ما يفضحها الإعلام والمواقف المسجَّلة في مواقع التَّواصل الاجتماعيِّ، ويُحسب لحكومة دمشق بعد انتصارها في الثَّامن كانون الأوَّل-ديسمبر 2024 استيعابها مثل هذه الشَّخصيَّات للخروج بأقلِّ قدر من المشكلات والخلافات بعد انتصار الثَّورة.
من كونفرانس القامشلي إلى اجتماع غويران في الحسكة
بعد انتصار الثَّورة السُّوريَّة المباركة وفرار المجرم المخلوع بشَّار الأسد سارعت حكومة الجمهوريَّة العربيَّة السُّوريَّة الجديدة وبالتَّزامن مع حروبها ضدَّ فلول المجرم المخلوع إلى الاتِّفاق مع قوَّات قسد ذات الغالبيَّة الكرديَّة شمال شرق سوريا في العاشر من آذار-مارس الماضي أسوة باتِّفاقها مع الفصائل الأخرى؛ لتسهيل دمجها بجيش الجمهوريَّة العربيَّة السَّوريَّة ولتقديم خدمات الدَّولة للمدن السَّوريَّة كلِّها، لكنَّ متشدِّدي قوَّات قسد القادمين من خارج سوريا والمرتبطين عضويًّا بخامنئي إيران ونتنياهو إسرائيل والمستفيدين من تدويم حالة غياب الدَّولة لخدمة بعض الأجندات الأجنبيَّة، الَّتي يرتزقون عليها سارعوا إلى الضَّغط على مظلوم عبدي للتَّملُّص من اتِّفاق آذار مع الحكومة السُّوريَّة بالإضافة إلى المماطلة بتنفيذ بنوده، وعقدوا ما سُمِّي كونفرانس القامشلي الأوَّل في السَّادس والعشرين من نيسان-أبريل الفائت؛ وذلك لعرقلة تطبيق اتِّفاق آذار-مارس برفع سقف المطالب في وجه الدَّولة السُّوريَّة تحت عنوان توحيد مطالب الشَّعب الكرديِّ، وكبرى المغالطات الصَّادرة عن هذا المؤتمر وعن اجتماع غويران في الحسكة بعده في الثَّامن من آب-أغسطس كانت دعوة المجتمعين إلى تجريد اسم الدَّولة العربيَّة السُّوريَّة من صفة (العربيَّة) في اسمها، فمثل هذه المطالب لا تُأخذ بالتَّمنِّي ولا بتحدِّي أبناء الشَّعب السُّوريِّ الآخرين من خلال فرض إرادة الأقلِّيَّة على إرادة الأكثريَّة، وإنَّا تؤخذ باستفتاء على نحو ما حصل مع الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة يوم تأسيسها واعتمادها اللُّغة الإنكليزيَّة لغة رسميَّة في البلاد مع أنَّ نسبة الجِرمان المصوِّتين للُّغة الألمانيَّة فيها تجاوزت 45 في المئة، ومع ذلك احترم الجرمان قرار الأغلبيَّة بعد الاستفتاء، ولم يفرضوا إرادتهم على الأكثريَّة برغم تقارب النِّسبتين في التَّصويت.
ثمَّ واصل مظلوم عبدي مماطلته في تطبيق التزاماته مع حكومة الجمهوريَّة العربيَّة السُّوريَّة في دمشق، ولم تنجح دعوة باريس لجمع حكومة الجمهوريَّة العربيَّة السُّوريَّة بمظلوم عبدي لمعرفة الأسباب التِّقنيَّة الَّتي تعيق تقدُّم اتِّفاق آذار وتطبيقه، فعلت أصوات متشدِّق قسد ومن لفَّ لفيفهم، وردُّوا على إخفاقهم بمؤتمر باريس بعقد اجتماع غويران في الحسكة في الثَّامن من آب-أغسطس 2025؛ ورفعوا من خلاله سقف مطالبهم مجدَّدًا، وأشركوا معهم في كلمات مسجَّلة كلًّا من حكمت الهجريِّ وغزال غزال كممثِّلين عن بعض المكوِّنات الدُّرزيَّة في السُّويداء وبعض المكوِّنات العلويَّة في السَّاحل السُّوريِّ؛ للإيحاء ومن خلال المغالطة بأنَّ نسبة عالية من السُّوريِّين تشاركهم في مطالبهم هذه، ومثل هذه الأمور تثير النَّعرات الطَّائفيَّة أكثر ممَّا تخدم مواطني الجمهوريَّة العربيَّة السُّوريَّة، ومثل هذه الطَّريقة في المناقشة والمزاودة ستزيد نسبة المتعلِّقين باسم الجمهوريَّة العربيَّة السُّوريَّة الرَّاهن، مع أنَّ الاسم في حدِّ ذاته لا يمثِّل قضيَّة خلافيَّة، لو طُرح التَّصويت عليه في أجواء ديمقراطيَّة نزيهة وشفَّافة.
المغالطات والفرق بين المطالب المحقَّة والمطالب التَّعسُّفيَّة
لا شكَّ أنَّ قسد الكرديَّة وبعض رجال الدِّين الدُّروز في السُّويداء يطالبون بكثير من المطالب التَّعسُّفيَّة المُقَنَّعة ببعض المطالب الوطنيَّة المحقَّة، ونحن ههنا وفي هذا المقال نسعى إلى تفكيك بعض هذه المطالب عن بعضها الآخر؛ لندعمهم في مطالبهم المحقَّة، ونفنِّد مطالبهم غير المحقَّة مثلهم مثل أيِّ سوريٍّ آخر، وفي أيِّ مكان من الجمهوريَّة العربيَّة السُّوريَّة؛ وهذه أهمُّ خصائص مطالبهم خلال تأمُّلي في تفكيكها:
1-خلط المطالب وجمعها وتضخيمها: يغلب على مطالب حكمت الهجريِّ وبعض الدُّروز خلفه مع مطالب مظلوم عبدي وبعض الكرد خلفه ومطالب غزال غزال وبعض العلويَّة خلفه صفة المطالب غير المحقِّة المقنَّعة ببعض المطالب المحقَّة بعد تضخيمها وتغليفها بشعارات ومطالب أخرى. وإن تحدَّثنا عن المطالب المحقَّة فيأتي في مقدِّمتها دعوتهم إلى دولة المواطنة المدنيَّة القائمة على العدل والمساواة في الحقوق والواجبات بين مكوِّنات الشَّعب السُّوريِّ كلِّه، فهذا مطلب حقٍّ، يريده السُّوريُّون كلُّهم، ويتعارض هذا المطلب مع تعيين بعض أعضاء مجلس الشَّعب دون توفير الأرضيَّة اللَّازمة لانتخابهم جميعًا انتخابًا شعبيًّا بعد إحصاء 2026، الَّذي ننتظره بعد إصدار قوانين التَّرشُّح الجديد لعضويَّة المجالس المحليَّة ومجلس الشَّعب وتحديد الدَّوائر الانتخابيَّة في كلِّ محافظة، وعندما تحدث مثل هذه الخطوة الانتخابيَّة سيعرف كلُّ شخص كائنًا من كان حجمه الشَّعبيِّ الحقيقيَّ سواء كان رجل دين بعمامة أو جنرال ببدلة عسكريَّة، وقيمة أيُّ فرد في الحياة الدِّيمقراطيَّة بما يملكه من شعبيَّة على الأرض لا برفع سقف مطالبه أو استعراضه في المؤتمرات؛ ومن هنا يبدو حلُّ هذه المعضلة واضحًا من خلال مقولة: (داوِه بالَّتي كانت هي الدَّاء)؛ فإن شاركت هذه المحافظات في الانتخابات فأهلًا وسهلًا بمطالب الشَّعب الَّتي يحملها الأعضاء المنتخبون إلى البرلمان، وبما يتناسب مع حجمهم وتعداد السِّكَّان في المدن القادمين منها إلى البرلمان، وإن امتنعوا عن المشاركة فمن الواضح أنَّ ضعيف الحُجَّة ويزيد أكثر من حجمه بكثير، وأكثر ما يدلُّ على ذلك صُراخ وئام وهَّاب في لبنان على سبيل المثال، فكلَّ يوم تراه على القنوات الفضائيَّة، وحين يخرج حزب التَّوحيد لمواجهة الحزب التَّقدُّميِّ الاشتراكيِّ في الانتخابات يخسر أمامه، ولا يفوز بعضويَّة أيِّ نائب في البرلمان، ويخسر قائده وئام وهَّاب، إلَّا إذا زوَّر المجرم المخلوع بشَّار الأسد الانتخابات، وزجَّه في البرلمان اللٌّبنانيِّ؛ وبالمحصِّلة تبدو الجعجعة أكبر من الأحجام الحقيقيَّة بكثير، وتبدو المطالب المحقَّة قشرة رقيقة جدًّا فوق تلَّة كبيرة من المطالب غير المحقَّة، والواجب على السَّاسة التَّعامل معها بحكمة؛ والتَّمسُّك بالانتخابات وتأجيل فكرة تعيين أعضاء مجلس الشَّعب أو تعيين أيَّ عضوٍ منهم؛ لأنَّ مخرجات الحوار الوطنيِّ كفيلة للعبور بالبلاد خلال هذه المرحلة الانتقاليَّة إلى ما بعد الإحصاء السُّكَّانيِّ، وإنَّني لأجد أنَّ المشاركة الشَّعبيَّة الواسعة في الانتخابات ستحصِّن الحكومة في وجه هذه الجعجعات، والامتناع عن المشاركة لو حصل لن يُعرِّي إلَّا الممتنعين أنفسهم؛ وأقترح ههنا: أن تجري انتخابات مخاتير وانتخابات مجالس محلِّيَّة، وأن تنتخب المحافظات السُّوريَّة ممثِّلين عنها في البرلمان وممثِّلين لاستكمال الحوار الوطنيِّ على أن تكون المشاركة في الحوار على أساس وحدة أراضي الجمهوريَّة العربيَّة السُّوريَّة ووحدة علمها وجيشها ومساواة مواطنيها بالحقوق والواجبات مع التَّشديد على عدم وصول أيِّ مجرم إلى البرلمان أو لجنة استكمال الحوار الوطنيِّ.
2-كثرة تكرار المطالب وترديدها: يلجأ فرقاء الهجريِّ وعبدي وغزال إلى تكثيف ظهورهم الإعلاميِّ والإلحاح بتكرار مطالبهم وتضخيمها وتقنيعها بالمظلوميَّة أيضًا، ولو كان هناك مظلوميَّة حقَّة ضدَّ أيِّ مواطن سوريٍّ فنحن مع الموطن كائنًا من كان حتَّى تردَّ مظلمته له، وإن كانت هناك دعوة صرحية أو مقنَّعة إلى الفدراليَّة فنحن ضدَّها؛ لأنَّ نظام الفدراليَّة-وإن كان نظامًا ناجحًا في الدُّول المتقدِّمة-سيكون بوَّابة لمزيد من الفوضى والنَّعرات الطَّائفيَّة والعنصريَّة في في دولة خارجة لتوِّها من ثورة طويلة، وما زالت في مراحلها الانتقاليَّة، ويمكن للانتخابات العادلة على مستوى المخاتير والمجالس المحلِّيَّة وأعضاء مجلس الشَّعب ومناديب الحوار الوطنيِّ أن تسدَّ ذرائع الرَّاغبين بتمزيق سوريا بقناع الفدراليَّة، وأهلًا بالكرد والعلويَّة والدُّروز والمسيحيِّين والسُّنَّة الَّذين ينتخبهم الشَّعب السُّوريِّ، وأهلًا بمطالبهم الوطنيَّة المحقَّة، وأهلًا بالحكومة الَّتي تنال ثقة هذا النَّوع التَّعدُّديِّ المتنوِّع بين مجالس الشَّعب والمنتخب بطريقة نزيهة أيضًا.
والحقُّ أنَّ دولة المواطنة والمساواة ليست مطلبًا لفئة سوريَّة واحدة دون الأخرى من مكوِّنات الشَّعب السُّوريِّ، وإنَّما هي مطلبهم جميعًا، ولكن بشرط أن يخفِّف الشَّعب السُّوريُّ اصطفافاته الطَّائفيَّة أو العنصريَّة خلف زعماء الطَّوائف والقوميَّات، وإن كان الاصطفاف خلف زعماء القوميَّات والطَّوائق والقبائل والعشائر يفرِّق، ويزيد النَّعرات الطَّائفيَّة فإنَّ علمانيَّة الدَّولة هو الحلُّ الوحيد الَّذي يقلِّل من نفوذ أصحاب النَّعرات الطَّائفيَّة، ويقويِّ المواطن ذاته بسلطة القانون، ويمكن للطَّوائف والقوميَّات والقبائل كلُّها أن تلتقي حول النِّظام العلمانيِّ، وبعدها ليقدِّم كلُّ شخص خطابه الوطنيِّ أو مشروعه الخدماتيِّ؛ لينتخبه على أساسه من يؤيِّد مشروعه دون مزاودة هذا المتصوِّف على العلمانيَّة أو مزاودة ذاك القابع في ظلال كهنته على كهنة الطَّوائف الأخرى؛ ومن هنا يبدو أنَّ الفاصل بين المطالب المحقَّة والمطالب غير المحقَّة خيط دقيق؛ يصعب على غير الحكماء والمتمرِّسين في العمل السِّياسيِّ التقاطه؛ لفصل ما يتعلق به من المطالب المحقَّة عمَّا يتعلَّق به من المطالب الطَّائفيَّة أو العنصريَّة أو التَّدميريَّة غير المحقَّة بعد تقنيعها بمطالب إنسانيَّة حينًا وبأقنعة المظلوميَّة ودعوات العدالة حينًا آخر؛ وفي المحصَّلة ليس هناك سوريٌّ واحد يؤيِّد الظُّلم، ويرفض العدالة، ويريد لأيِّ شخص أن تنتفخ مطالبه، وتتضخَّم أناه من بوَّابة مشيخة الطَّائفة أو العشيرة وعلى حساب الدَّولة ذاتها؛ لذلك لا بدَّ من تهيئة الأرض المناسبة لانتخابات المخاتير والمجالس المحلِّيَّة ومجلس الشَّعب والمناديب الجدد لمواصلة الحوار الوطنيِّ بطريقة عادلة، وبعدها لتحلَّ مناقشات مجلس الشَّعب ومناقشات المناديب مكان الكونفيرانسات ومكان الدَّعوات الطَّائفيَّة والدَّعوات الأخرى المضادَّة على قنوات التَّلفزة ومواقع السُّوشال ميديا كلِّها، وما أجمل السَّاسة الَّذين يواكبون نبض الشَّارع أو يسبقونه في اقتراحات تلبِّي حاجة الجماهير! على نحو ما اقترحوه بالأمس من تعديلات على انتخابات مجلس الشَّعب لتوسيع المشاركة فيه؛ ولأنَّ الحياة الدِّيمقراطيَّة في سوريا تتطوَّر في هذه المرحلة الانتقاليَّة من يوم إلى آخر، آمل أن تجد اقتراحتي هذه من يتأمَّل فيها!