بناء القوة النَّاعمة باليد الخشنة: قراءة في رواية (الرِّوائي المُريب) لفواز حدَّاد
يتابع فواز حداد تفكيك المنظومة الثَّقافيَّة للنِّظام الشُّمولي، في معظم رواياته، وعلاقة هذه المنظومة بالمكان، ودمشق العاصمة بخاصَّة، وكيف رآها كتاب اليسار الوافدون

موسى رحوم عباس[i] – العربي القديم
أطلق “جوزف ناي “من جامعة هارفارد مصطلح” القوَّة النَّاعمة ” قاصدا الإجراءات التي تضمن للدَّولة القدرة على التَّوسع ومدِّ النُّفوذ دون حرب، ولا دماء، بل باستعمال القفَّاز الحريري الذي يخفي الأصابع الفولاذية ، ثم تطور هذا المفهوم ؛ ليشمل التَّأثير على الرَّأي العام، وصناعة التَّوجهات من خلال تصنيع واجهات رسميَّة وغير رسميَّة، حتى قال وزير الدِّفاع الأمريكي حينها “روبرت غيتس” يجب زيادة الإنفاق على الأدوات المدنيَّة من الأمن القوميِّ بالدُّبلوماسيَّة، والاتِّصالات الاستراتيجيَّة ، وتقديم المساعدات الأجنبيَّة…” وقد يظنُّ البعض أنَّ النِّظام الشُّمولي السُّوري لم يُعِرْ هذا المفهوم اهتماما؛ فهو مشغول بفروع مخابراته التي تتفوَّق عدديا على كلِّ مراكز الأبحاث ووكالة ناسا لعلوم الفضاء، لكنَّ الحقيقة غير ذلك، فقد خصَّص موارد هائلة لبناء الشَّخصية المستكينة لواقعها؛ كونه قَدَرًا لذيذا لا مفرَّ منه. تبدأ عملية البناء وربَّما مفردة “الهدم” أكثر دقَّة منذ سنٍّ مبكِّرة في المرحلة الابتدائيَّة ( 6-12 سنة) في مؤسسة طلائع البعث، ثم يُسلَّم المنتج لمؤسسة شبيبة الثَّورة، فاتحاد الطَّلبة في الكليَّات والمعاهد، وبعدها يُغلَّفُ جاهزا للاستعمال في حزب البعث، أو الأجهزة الأمنيَّة، أو المؤسَّسات الحكوميَّة، وهو يحمل بطاقة” صالح للاستعمال” مع نسبة عطب تحت السَّيطرة. كان لابدَّ من هذه المقدِّمة لقراءة في رواية ” الروائي المُريب” للأديب السُّوري فوَّاز حدَّاد (دمشق 1947 -)، الصَّادرة عن دار رياض الرَّيس للكتب والنشر- 2025، أحدث أعماله، فهي ترصد على مدى 520 صفحة تحولات “ملف الثَّقافة” في الجُمْلُكيَّة[ii] السُّوريَّة، صدرت هذه الرِّواية، بينما المثقَّفون والمنظِّرون منهم بخاصَّة غارقون في نقاشات حامية، حول ما إذا كنَّا ننتظر حتَّى ينجلي غبار المعركة لكتابة أعمال روائيَّة، فنيَّة دراميَّة، قصصيَّة، … أم لا بأس أن نكتب الآن، مهما تكنِ النِّهايات! وهل يجوز أن يغامر الرِّوائي أو السِّيناريست …الخ في الكتابة عن حدث لمَّا تهدأ ناره؟ في خضم هذه التَّجاذبات وتراشق الاتِّهامات، مضى الرِّوائي السُّوري حدَّاد لمتابعة مشروعه الرِّوائي بعد ” السُّوريون الأعداء” ” المترجم الخائن” ” جنود الله” ” تفسير اللاشيء” ” الشَّاعر وجامع الهوامش” … وعندما أقول مشروع؛ لأنَّ الرِّوائي حدَّاد يتابع تفكيك المنظومة الثَّقافيَّة للنِّظام الشُّمولي، في معظم رواياته، وعلاقة هذه المنظومة بالمكان، ودمشق العاصمة بخاصَّة، وكيف رآها كتاب اليسار الوافدون ” دمشق عاهرة تمنح جسدها لعشَّاقها الضُّباط، لكنَّهم يفضلون اغتصابها” ( ص 35) ويضيفون إلى هذا الوصف مسحة بوهيميَّة مفتعلة، هكذا هي المدينة التي لم يستطيعوا فهمها، وأذهلهم “أسلوب الدِّمشقيِّين في مجابهة الموت، البقاء أحياء”. ( ص 424)
حرصت أجهزة النِّظام على الدَّفع بِكَتَبَةٍ منقوصي الموهبة والتَّأهيل إلى واجهة المؤسَّسات الثَّقافية مثل اتِّحاد الكتَّاب، والصِّحافة الرَّسمية، رغم إدراكهم إنَّه” شاعرٌ ومخبرٌ لا يجتمعان!” ( ص 89) وبدأت هذه الأجهزة بمدِّ أواصر التَّعاون مع الرِّفاق العرب الذين تخرَّج معظمهم في الجامعات السُّورية، بعد أن حصلوا على مِنَح دراسية بعثيَّة من فروع الحزب في بلدانهم، وظلَّت روابطهم قويَّة حتى بعد عودتهم لدولهم، وعملوا على تشكيل قوَّة ناعمة من اليسار العربيِّ، وبعض القوميين القدامى، والكتَّاب الذين تربطهم صلات سابقة مع أجهزة المخابرات وذلك عبر مؤتمرات، ندوات، ورش عمل، …الخ وتحت عناوين تبدو بريئة، ولا علاقة مباشرة بينها وبين السِّياسة، ينفق فيها بكرم وسخاء شديدين، وتعقد في فنادق فخمة، وبرعاية كريمة من سيادة الرَّئيس، وقد ينوب عنه هذا الوزير أو ذاك الرَّفيق، فسوريا قلب العروبة النَّابض، والقائد هو نبض هذا القلب، وتُخْتَتم بالتَّحية للإخوة العرب الذين كسروا الحصار، ووقفوا إلى جانب إخوتهم ضد الهجمة البربريَّة الإرهابيَّة!
يتحوَّل الشَّأن الثقافي إلى” ملفٍّ” ويتمُّ نقله من مكتب صغير في الوسط التِّجاريِّ لدمشق إلى مكتب فخم في القصر الجمهوريِّ، وهذا له دلالة قويَّة على أهمِّيته، ورعاية مباشرة من أعلى الهرم في البلاد المنهكة والممزَّقة؛ فيغدو التَّشبيح الثقافيُّ وجها آخر للتَّشبيح العسكريِّ والأمنيِّ.
رسم النِّظامُ دور مثقفي السُّلطة الذين يعمل على تصنيعهم في تبنِّي سرديَّة النِّظام ونشرها، ترافق ذلك مع اختراق المنظَّمات الإرهابيَّة من القمَّة للقاعدة، هذه السَّردية المترافقة مع مصطلحات مرغوبة غربيًّا كالدِّيمقراطيَّة، والتَّعدديَّة، وتمكين المرأة…الخ مع تكوين ديكور من الأحزاب الرَّديفة للبعث تحت يافطات قوميَّة وماركسيَّة تمنحه الشَّرعيَّة، إنَّها أحزاب كاريكاتوريَّة يديرها زعماء مُؤبَّدون خالدون، ولهم بالأسد قدوة في هذا السَّبيل.
- شخصيات الرِّواية، ومكانها : تشكِّل شخصيات الرِّواية طيفا واسعا من المثقَّفين وأشباههم، الشَّاعر، والنَّاقد، والصَّحفي، والمُنَظِّر، والضَّابط المتقاعد الذي ألمَّ به الأدب، وأحاطت به شياطين الشِّعر على حين غِرَّة قبل الموت … والقاسم المشترك بينهم جميعا الطُّموح لتكريس أنفسهم للإمساك بالشأن الثَّقافي، والاستعداد للتَّعاون مع الشَّيطان في سبيل المنفعة الشَّخصيَّة، وردم عقدة النَّقص التي تسيطر عليهم، فريد جسَّام، أو الفريد، وهو المثقَّف المصنوع في غرف النِّظام السِّرية، ومساعده حسين كرُّوم بنفوذه المخابراتي، وكبير النُّقاد ، والرَّاديكالي المفكِّر، نموذج المثقَّف المنافق الذي يستطيع فلسفة أيِّ حركة للنِّظام ووضع الأساس النَّظريِّ لها، ولديه التَّبرير للشيء ونقيضه، وسعدي ضابط أمن الاتِّحاد، وحسناء شاهين الأديبة التي تستثمر في جسدها تحت يافطة الثَّقافة والشَّعر، فتكتسب لقب ” شرموطة الثَّقافة” باقتدار! وصفاء المثقَّفة الحقيقيَّة التي تخسر الكثير من عمرها، لكنَّها تحافظ على نقائها، أما بطل الرِّواية الحقيقي فهو الرِّوائي المُريب رغم أنَّه شبح لم نعرفه وجها لوجه، بل ظلَّ غائبا حاضرا طوال الرِّواية، مطاردا، يقاتل بالكلمة، وكأنَّه يحمل روحه فوق راحته؛ كما يقول الشَّاعر الفلسطيني إبراهيم طوقان ( 1905- 1941 ). المكان الذي تتحرَّك فيه الشَّخصيات دمشق غالبا، عدا زيارات متقطعة لجسَّام للعاصمة البريطانية لندن، عندما كان يُعاد ضبطه، ويُصْنَعُ حسب المواصفات العالميَّة؛ ليصبح بضاعة قابلة للتصدير!
- تقنيات السَّرد: يصنِّف الدكتور طارق العريفي[iii] هذه الرِّواية على أنَّها رواية بوعي سردي (SELF- AWARE NARETION) أو مِيتا – رواية، إذ يطلُّ علينا الرِّوائي بشخصه الحقيقي؛ ليخاطبنا بوصفه مؤلِّفا للرِّواية، مما يجعلنا شركاء وشهودا على عملية الخلق الرِّوائي، ويظهر كلما وجد ضرورة لذلك، ويتألَّق هذا الحضور في الخاتمة الثَّانية للرِّواية، مما يجعل العمليَّة السَّردية تُنْجَزُ تحت بصرنا، وكأنَّنا نشهد عملية الولادة، كما يستخدم حدَّاد تقنياتٍ متعددةً، من تعدُّد الأصوات، تيار الوعي، الحوار، ….الخ وهذا منح الرِّواية أبعادا تأخذ بوعينا لمناطق قصيَّة فيما صار اسمه” الملفّ الثَّقافي، في هذه الجُمْلُكية السُّورية.
أجد لزاما عليَّ الإشارة إلى لغة الرِّواية التي جاءت عذبة غير متعالية، ترِقُّ حينا، وتعلو في سماء الفصاحة غالبا، ثم تقترب من لغة النَّاس أحيانا، وربَّما وشَّاها ببعض العاميَّة التي نسمعها في الشَّارع، أو المقهى، أو في سيارة الأجرة، من منَّا لم يقلْ: تسلبط عليه، دفشوا، … ومَنْ لا يضحكه المثل الذي يسوقه الكاتب على لسان رجل المخابرات وبلغتهم، في بيان علاقة المُخبرين بالفروع الأمنيَّة ” فرع بلا مُخبرين، مِتل كرخانة بدون شراميط” وربما ضحكنا حدَّ الحزن والبكاء لهذا المآل والسُّقوط الإنسانيِّ! فاللغة تبَعٌ للموقف والشَّخصية، وللحق فقد لعبها حدَّاد ببراعة كبيرة. لفتني وجود بعض الأخطاء اللغوية والطباعية، من مثل:
- تناقلوه الحضور( ص 15)
- … كتابين ذو قيمة (ص 23) …الخ
ولكنها قليلة عمومًا، ولا تفسد متعة القراءة، كان يمكن تداركها قبل النَّشر، وبكلِّ حال أتوقَّع بأنَّها ستُعالَج في الطَّبعات اللَّاحقة.
- تفكيك خطاب المنظومة الثَّقافيَّة للنِّظام الشُّمولي : تشكِّل الوشاية والحسُّ الأمني المخابراتي العالي عصب الحياة الثَّقافية السُّورية” إن لم تكن الوشاية سبب وجودها -أي الأنظمة الشمولية- فهي سبب استمرارها، يعتبر الوشاة من مؤيدي النِّظام الأكثر إخلاصا له، ولا سيما الذين تربَّوا عليها منذ نعومة أظفارهم في منظَّمات الحزب الشَّعبية، ما ينزع الصِّفة الحقيرة عنها، وعن الواشي الحقير ….” ( ص 412) أي أنَّها أي الوشاية جهدٌ وطنيٌّ خالصٌ!! وطالما هي في إطار أعراف وأدبيَّات غير مكتوبة، فهي تشبه ” اتفاق جنتلمان” كما يقول حدَّاد.
- مصطلحات وشعارات منزوعة الدَّسم: تسود في هذا الخطاب مصطلحات كبيرة ورنَّانة، لكنَّها لا تعني شيئا، الأدب الثَّوريُّ، الأدب التَّقدميُّ، التَّنويريُّ، تفجير اللغة، أدب المقاومة والتَّحرير… الخ كل هذه المصطلحات يعاد تدويرها يوميا، في المؤتمرات والنَّدوات، وتظهر القائد الرَّمز، راعي المقاومة والتَّنوير، وهو الدَّاعم الأوَّل للثَّقافة التَّقدميَّة.
وبعيدا عن أحداث هذه الرِّواية، ولكن في زمنها عينه وبالتَّوازي معها، ساهم الحرس الَّثوريُّ الإيرانيُّ في تكوين قوته النَّاعمة الخاصَّة به، فهو لا يثقُ بالمنظَّمات الرَّسمية السُّورية المعنيَّة بالملفِّ الثَّقافي برمَّته، فأنشأ منظَّمات بأسماء وهميَّة موازية لها، تسحب البساط من تحتها رغم هزالها وتبعيتها، من مثل: اتِّحاد المثقفين العرب، بعد حذف كلمة العالمي منه، اتحاد الصَّحفيين العرب العالمي، ومنظمات أخرى مشبوهة، سجَّلها في الدُّول الأوروبية مستعينا باللاجئين العراقيين والسُّوريين الذين يدورون في فلكه، ومستغلًّا القوانين التي تسمح بتكوين منظَّمات المجتمع المدنيِّ، ومدَّها بالموارد الماليَّة، والمثير للسخرية أنَّه وضع على رأسها من لم يسبق له كتابة صفحة واحدة سوى منشورات وسائل التَّواصل الاجتماعيِّ، وأضاف إلى أسمائهم حرف ” د. ” بكلِّ بساطة، ثم نشر لهم كُتيبا أو اثنين يشبهان الكلمات المتقاطعة، وحفلات التَّوقيع في المكتبة الوطنيَّة، يشهدها الجعفري، والعطَّار، وكبار الرِّفاق، ووسع نطاق عملها؛ لتشمل دولا عربية في آسيا وأفريقية، وأسس جوائزَ ومكافآتٍ ماليةً لشراء الأقلام والذِّمم، وهذا يتقاطع تماما مع عملية تصنيع مثقف التي فكَّك خيوطها الرِّوائي حدَّاد.
يربط السَّيد حدَّاد بين جوانب العمليَّة الثقافيَّة في الأدب والفنِّ الدَّرامي، فهما متَّصلان بصورة أو بأخرى، ويقعان في ملفٍّ واحد، وما شهدته الدَّراما السُّورية من اهتمام كبير وموارد ماليَّة لرجال أعمال لا تربطهم بالثَّقافة روابط حقيقيَّة، دليل على توجيهات القصر السِّرية لهم لدعم هذا القطاع؛ ليكون أحد روافد القوَّة النَّاعمة له.
- خاتمتان لرواية واحدة :
” إذا كنا سنضع نقطة النِّهاية على الورق؛ فإنَّ الأحداث ستستمرُّ على الأرض، وإن كان الأمل ضعيفا بتغير ملموس نحو الأفضل، مع أنَّ النِّهايات ليست نهايات، كما نعرف، طالما أقدارنا معلَّقة في حياة لا تكفُّ عن الجريان” ( ص 515) فبطل الرِّواية جسَّام انتهى منتهك الشَّرف، مطعون الكرامة، متنازلا عن كلِّ شيء؛ لأجل وَهْمِ العالميَّة، وامتياز التَّفوق المزعوم، حتى إنَّه لم يجد قبرًا يضمُّه، فأُحرقتْ جُثَّته؛ لأنَّ قريته قد دُمِّرت على يد النِّظام؛ فلم تعد موجودة، دمَّرتها البراميل والطَّائرات الرُّوسية، وهي بكلِّ حال تقع في المناطق المحرَّرة، لا يمكن الوصول إليها؛ لذا حُرق، كما حُرقت جثامين المعارضين، ومن مات تحت التَّعذيب، فلم يحصلوا جميعا على قبور تضمُّ أجسادهم الممزَّقة، وفي هذا إشارة إلى عدم اكتراث النِّظام حتى بمواليه، فهم مرتزقة لا قيمة لهم. في هذا الخاتمة الأولى يطلُّ علينا الرِّوائي بشخصيَّته الحقيقيَّة؛ ليشرح لنا ما غاب عنَّا، أو ما ننتظره، كما بيَّن لنا مصير كلِّ شخصية بناء على البناء الدِّرامي لها، مستعيرا هذا الأسلوب من السِّينما التَّسجيليَّة، أو الأفلام الوثائقيَّة، التي تبثُّ مصائر شخوصها ومآلاتهم على الشَّاشة قبيل الختام. “حمود ينجح في الصُّمود في حياته الصَّعبة، فهو يمثل الضَّوء في نهاية النَّفق، مع كوكبة من الكُتَّاب الشَّباب الذين استطاعوا حفر أسمائهم في سجلِّ المثقَّفين المنتمين للوطن، أما صفاء فإنَّها تنتظر على طريق الحبِّ، فالحياة ليست صناعة روائية” ( ص 517)
كنتُ أظنُّ أنَّ الرواية قد انتهت، وكدتُ أقلب الصَّفحة، لكنْ مهلا لم تنتهِ الحكاية!
- ما يشبه الختام : يظهر لنا الرِّوائي حدَّاد بلحمه ودمه، ثانيةً، مثل مخرج أفلام محترف؛ ليزف لنا البُشرى بسقوط الدِّيكتاتور، وهروبه خارج البلاد، بعد تلك الخاتمة الأولى اليائسة، والنهاية الحزينة، ينبلج صباح 8 كانون الأول 2025 ، ويأبى ألَّا أنْ يعطينا دفقة أمل كبيرة، تجلو عنَّا بعضا من أحزاننا، وتعيد لنا الثِّقة بحياة أفضل. ” صفاء والشَّبح لهما الحق في العيش والحريَّة، لن أمنعه عنهما، إذا كان بوسعي أن أكون القدَر، فلماذا لا أكونُ مُنصفا؟! العدالة نصنعها نحن، فلماذا نضنُّ عليهما بها…” ( ص 518)
- وبعد،
يدور نقاشٌ بين صديقين لي حول هاتين النَّهايتين: الأول يقول إنَّ الخاتمة الثَّانية هي إضافة لمسوَّدة الرِّواية، بعد أن استجدَّت أحداثٌ فرضت نفسها على المؤلف، والثَّاني يقول هي ضربة مُعلِّم، جاءت ضمن السِّياق العام لتكنيكات الرِّواية، وإطلالة أخيرة لمخرج العمل؛ أعني مؤلف الرِّواية، الذي يخلق قوانينه الخاصَّة، واشتراطاته لعمله الرِّوائي؛ فيترك النِّهاية مفتوحة لكلِّ الاحتمالات، ولا بأس أنْ أكون أنا هذين الصَّديقين معًا؛ مثل طه وشكيب؛ لتأتي رواية “الرِّوائي المُريب” رواية عظيمة وحلقة في مشروع فوَّاز حدَّاد الرِّوائي في ثورة سوريا المعمَّدة بدماء الشُّهداء، وانتصارا لدمشق مدينته الأثيرة، وأهلها الحقيقيين، ومن حقِّنا أنْ نسمع ما يقوله أخيرا: ” إذا كانتِ الحياةُ ليستْ صناعةً روائيَّةً، لكن الرِّواية عن الحياة “
ستوكهولم 10/ 2025
[i] د. موسى رحوم عباس، أديب سوري يقيم في السويد
[ii] الجُملكية : منحوتة من الجمهورية والملكية الوراثية
[iii] د. طارق العريفي، مقالة قراءة نقدية لرواية الروائي المريب، مجلة الموقف الأدبي ، العدد 650-651 ، 2025 .