محمد الماغوط وشقيقه عيسى بين براثن الآنسة زيزي: عملية الثأر المبين
العربي القديم – نوار الماغوط
في مقال نُشر يوم الأحد (8 أكتوبر 2023) في موقع (رصيف 22) الإلكتروني تحت عنوان: “شيء من قابيل وهابيل… محمد الماغوط وشقيقه” هاجمت كاتبته المصرية زيزي شوشة الكاتب عيسى الماغوط، في كتابه “رسائل الجوع والخوف في حياة محمد الماغوط ” بعد 14 عاماً على إصداره، واصفة الكتاب بأنه: ” ليس سوى عميلة ثأر مبين من أخ لأخيه المتوفى”
الكاتبة لم تنتظر لتعرض مآخذها على الكتاب بل انطلقت منذ السطور الأولى لمقالها التشهيري الغاضب، إلى إطلاق سيل من الشتائم على عيسى الماغوط، وعلى روحه التي تقبع – ياللهول – في ظلام دامس:
” لم يكن بوسع عيسى الماغوط، شقيق الشاعر السوري محمد الماغوط أن ينتظر أكثر من عام على وفاة أخيه، لكي يخط بيده سطور كتابه “رسائل الجوع والخوف”، بالأحرى لكي يُفرغ أحقاده الدفينة التي نمت واستشرت في ظلام روحه الدامس، فقط لأنه لم يكن يمتلك الموهبة الأدبية التي امتلكها الماغوط، ولم تُتح له الفرصة للإقامة في دمشق، والسهر في مقاهيها ورؤية الصبايا الجميلات “اللائي لا تلتصق بأقدامهن النظيفة “زبل” الحيوانات”.
هذا غيض من فيض ما كتبته السيدة أو الآنسة زيزي، مأخوذة بشهوة انصاف محمد الماغوط من ظلم أخيه القاسي والمجحف، والموشك على الانفجار عيرة من شهرته كما تصفه لاحقاً. لكن هذه الحال تشبه مقالها أكثر مما تشبه الأجواء التي كتب بها عيسى الماغوط كتابه، وهي بالطبع لا تعرف عنها شيئا، ولا عن كاتبها “الحاقد” كما ترسمه في مخيلتها السوداء.
من هو عيسى الماغوط؟
عيسى الماغوط الشاعر والكاتب هو أخو الشاعر محمد الماغوط من مواليد سوريا السلمية 14 شباط عام 1936 درس الحقوق وتخرج عام 1964 قضى معظم حياته في مدينة (الطبقة) في الشمال الشرقي من سوريا بقي طوال حياته الوظيفية محبطاً ويرغب بالانتقال إلى دمشق دون جدوى.
قال له شقيقه محمد الماغوط ذات مرة: “أنا أستطيع بتلفون واحد ان أعينك وزيراً ولكني لا أتحمل أن يركب أحد على ظهري”. كتب في عدة مجلات ودوريات حيث ابتدأ بكتابه قصيدة النثر في عام 1953 وله عدة دواوين امتنع عن نشرها، بالإضافة لكتابة الهام والقيم كتاب “رسائل الجوع والخوف” عن دار المدى للنشر والتوزيع عام 2009 وقد بيعت معظم نسخ الطبعة الأولى، ولكن سرعان ما تم سحبه من السوق السورية بعد توزيعه بوقت قصير.
لم يكن دعمه المادي لأسرته وأخيه منذ طفولته، وحتى الاعتناء بصحته قبيل وفاته، كافياً ليمنحه التقدير الذي سعى إليه، فظل عيسى الماغوط حبيس الظل، واكتفى بكتابه الشعر واقتراف الأدب تارة باسم مستعار، وتارة أخرى من خلال أمسيات شعريه فيما يراه “منفى داخلي” في مدينة الطبقة السورية أحياناً.
عيسى الماغوط صاحب القلب الكبير والجرح الأكبر، عيسى الماغوط الكبير بقلمه وقامته، عفوياً عميقاً مكافحاً، وله الفخر أنه لم يدخل حاضنة النظام.
كتبت الروائية والمحامية القديرة الراحلة نادية خلوف على صفحتها في الفيس بوك: ” أرى في عيسى نفسي، وأرى فيه أبي وبعض إخوتي، وليس جميعهم، وأغلب رجال مدينتي الطّيبين. يقول الحقيقة صارخة، حتى لو كانت عنه. من الجيل الذي كان متورطاً بالصدق نحو الوطن الذي غدر به أبناؤه وما من كلمة صادقة إلا لها عقاب. عيسى الماغوط أفتقد عمقك وبساطتك، وصدقك في زمن عز فيه الرجال. حديثك وثيقه تاريخيه غير متحيزه طائفياً ومناطقياً، ورغم أنّك مدحت نزار و أنا لا أعتبره شاعر المرأة لكن في كلامك الجزء الأهم وهو ما بين السّطور، وقد صدقت الحديث عن الخلاف بين محمد ودريد لحام . الكثير من المبدعين في الأدب في سلمية لم يستطيعوا تقديم أنفسهم في المكان الذي يستحقونه، وأنت من بينهم، لكن سوف يذكرك التاريخ كشخص غير طائفي، لا تقدس الأشخاص حتى لو كان هذا الشخص أخاً .أو زعيما “. “كنا فقراء في الماضي، ولا زلنا، لكن كان للماضي نبض جميل مع عوائل السلمية التي لم تأخذ حظها من البعث رغم أن بعثنا السلموني أتى عليه يوم وكان له باع في الحكم، ومن ثم أصبح ضحية الأسد، لكن العقلية واحدة، وحتى اليوم أستاذنا سوف لا تعجبهم لأنك قلت الحقيقة أولاً، ولأنك لم تنل المنصب والمال. فجميعنا نملك عقلية النظام حتى لو كنا ضده. أحبكم. أنتم السّلمية التي أحببتها، و التي بقيت ذكراها في ذاكرتي. “ .
ما الذي يقوله كتاب “رسائل الخوف والجوع”؟
“رسائل الجوع والخوف” هو كتاب عبارة عن مذكرات للشقيقين عن حياتهما الاجتماعية والعائلية والأدبية. يكشف عيسى الماغوط عن جوانب خفية ومهمة من سيرة أخيه الأكبر، وعن الظروف القاسية التي أحاطت بطفولته وصباه المبكر، إذ تظهر في هذا الكتاب الخلفية الاجتماعية البائسة لحياة الشاعر، الذي اضطر بسبب العوز الشديد للعائلة إلى ترك مقاعد الدراسة للالتحاق بأحد المعاهد الزراعية، دون أن تمكنّه موهبته الشعرية والنثرية من الانتقال إلى ضفة الثراء والرفاهية.
كتب عيسى الماغوط عن طفولة شقيقه ىوعن الظروف التي أحاطته بنشأته وبالأسرة فقال:
“أتذكره كيف يصارع الفقر بالهياج منذ كان في السادسة وأنا في الرابعة، طفلاً أشقر جميل الصورة وعصبي المزاج، يحب الخروج الى الشارع منذ أن يستيقظ من النوم.كنا ننام مبكرين. كان الشارع مُضاء بفوانيس الدومري الذي كنا نراقبه وهو ينزل الفانوس عن الجدار بعصا طويلة لها نهاية تمكنها من التقاطه، فيمسح الزجاج بقطعة قماش ثم يضيف إليه زيت الكاز ويمسح الفتيل. كان الضوء المنبعث من المصباح جامعاً للأطفال حوله حيث اللعب والمرح. ليالي الصيف في سلمية جميلة هواؤها منعشاً ينسينا القيظ اللاهب أثناء النهار.. أما ليالي الشتاء فكانت تحشرنا داخل بيوتنا وقد امتلأ جو الغرفة الوحيدة المخصصة للمعيشة بدخان الزبل المحروق.
كان لدينا دكان نبيع فيه المواد الغذائية واللوازم البيتية ولكن وقعَ أبي في مصيدة شخص غريب اشترى منه مواد الدكان كلها بمئة ليرة سورية، بينما كانت الحرب الكونية الثانية في أوجها، وبعد أيام تضاعفت الأسعار أكثر من ألف ضعف، وقد حزنت أمنا حزناً شديداً على بيع الدكان وفقدت رضيعها وهو في شهوره الأولى، بسبب تأثره بحليب الأم الحزينة التي كانت تبكي باستمرار على الدكان، وعلى وضعنا الذي صار مزرياً تماماً وحرمنا من كل شيء. وصار والدنا يتخبط في حياته ويعمل في الحقول بالأجرة، وصارت الأيام تمر ونحن جياع فعلاً والأم تفقد أطفالها. وزاد بؤسنا إصابة أمنا أثناء نقلها الحطب من الحقول الجافة إلى المنزل حملاً على رأسها، وأدت إصابتها إلى آلام لا تطاق حتى عجزت عن المشي أو الوقوف”.
وإذ يحرص المؤلف على إظهار الجانب القاسي من سلوك الماغوط الذي اتسم منذ الطفولة بالميل إلى العنف والعراك مع الآخرين، فقد حرص بالقدر نفسه، على ربط ذلك السلوك برفض أخيه الأكبر الواقع الصعب والمهين الذي عاشه منذ صغره، وهو ما دفع به إلى الثأر لكرامته المجروحة، لا عبر شعره “البري” المتفرد فحسب، بل عبر قدر غير قليل من المزاج المتقلب حنوّاً وعصفاً، ومن فائض العنف الذي كانت علاقته بزوجته أبرز ضحاياه.
طبعا لم تكن الكاتبة زيزي شوشة مؤهلة لتدرك عمق هذا الربط، وأهميته في تفسير شخصيته الماغوط وشعره، فانبرت إلى اعتباره حالة فضائحية وانتقامية لا أكثر، شأنها شأن كل من لا يستطيع أن يقرأ ما بين السطور لخلل في بنيته المعرفية، أو قدراته الاستقرائية.
ولأن الحقيقة ستعرفها الأجيال القادمة، يجب أن تقال في يوم ما.. ومن أناس هم الأقرب لهذا الكاتب الكبير ولا يعني ذلك أن هناك مواجهة بين المؤلف وبين شقيقه أو تصفية حساب كما ذهبت الكاتبة.. بل إن هذا الكتاب هو التزام بالصدق، الصدق في التعبير والصدق في الموقف.
إنه كتاب يروي فيه حكايات كثيرة عن شقيقه تؤكد الصورة الشائعة عنه، أن يكون منحازاً على الدوام إلى صفوف الحرية والأحرار. وهو بوجه عام عبارة عن مرع بالغ الفائدة لكاتب مسرحي وشاعر يعتبره الكثيرون من أبرز شعراء وأدباء سوريا في النصف الثاني من القرن العشرين .
هناك في كل عائلة أخوة بطباع مختلفة، وهذا ما أشار له الشاعر والكاتب عيسى الماغوط في كل موقف تحدث فيه عن نشأته مع أخيه شاعر الموقف، شاعر الصراحة محمد الماغوط. وأثناء تمرد وابداع محمد الماغوط كان هناك مبدع آخر يتشكل في الظل محاولاً إثبات ذاته خارج عباءة أخيه.
وما ورد في حديث عيسى الماغوط عن عدم اهتمام محمد الماغوط بأهله، وسعيه لعدم تمكين شقيقه من الوصول إلى دمشق أو الكتابة والنشر، هذه صفات لم يصفها شقيقه باعتبارها “عيوب أو نواقص” لدى محمد الماغوط، بل هي صفات لديه وهو مجبر عليها، لأنه لا يمتلك خيارا آخر سوى الكتابه للعيش، ولكن من المهم تسليط الضوء على شقيقه الذين تكفل بهذا الجانب وغيّر مسار حياته للأبد .
بين براثن زيزي وأشباهها
ورداً على ما ورد من الصحفية زيزي شوشة في موقع (رصيف 22)، والتي يبدو أن ثقافتها لم تسمح لها بالغوص أعمق، وكانت قد نشرت منذ شهرين مقالها “المتفجع” على محمد الماغوط الذي طعنه شقيقه بعد موته، وتقوم هذه الأيام بتوزيعه على مجموعات الواتس والفيس لأنه لم يكترث بمقالها أحد، لأنه ببساطة مقال غير مهني ومسيئ لصاحب الكتاب الذي تتطاول عليه بكلمات نابية وشتائم، أعرف أن القانون يجرم الصحفيين عند القدح والذم بحق الناس فكيف إذا كان كاتباً وشخصية عامة؟
إن ما نشرته المدعوه زيزي في موقع رصيف أشك أنها من كتبته، يذكرني بصحفي من الدرجة العاشرة كان يعمل مع النظام السوري عام 2009 في صحيفة (تشرين)، وقد ترصد الكتاب وقتها وكتب تقريراً أمنياً كيدياً مدعياً أن الكتاب فيه إساءة صريحة للطائفة العلوية ، فتم سحبه من الأسواق. وقد هاجم ذلك المخبر الكتاب بنفس هذه اللغه السوقية التي تكتب بها الآنسة زيزي، لحد التطابق بالكلمة والجملة والأسلوب، والصحفي المذكور يعمل في زمن التحولات، لصالح إحدى مؤسسات عزمي بشارة.
كيف قرأ الشعراء والنقاد الكتاب؟
وبعيدا عن هذا المستوى… فإن كتابا وشعراء كبارا، كانوا قد قرأإوا كتاب عيسى الماغوط، فهمهوه ووضعوه في السياق والنوع الأدبي الذي يجب أن يوضع فيه، مثل الشاعر الكبير شوقي بزيع وله ثلاث مقالات مهمة عن الكتاب، والكاتب والناقد اللبناني جهاد فاضل وله ثلاث مقالات مهمة عن الكتاب أيضا، والكاتب الكبير سمير عطا الله وله مقال مهم عن الكتاب بعنوان: “سيرة الشقيق” وصف الكتاب بأنه: “محاولة وضعها عيسى الماغوط للحديث عن شقيقه الأصغر الذي عاش طفولته في السلمية في كوخ ليس فيه عنب ولا تفاح ولا حلوى، وفيه على الدوام كومة من الزبل (الروث) تستخدم للتدفئة. وفي هذا البيت المبالغ في الفقر، يموت الأشقاء الرضع من الجوع أو المرض أو البكاء أو الملل”. ثم ذهب إلى القول: “يخبرنا عيسى الماغوط أن هذا التمرد بدأ في البيت عندما كان في السادسة من العمر، فقد رفض الفقر الذي يحاصره ويطبق على العائلة، ومع ذلك عمل في الحقول وفي الحفر وفي النقل، من أجل أن يجمع ثمن تذكرة الهرب بالباص”.
هؤلاء الكتاب الذين لا يعرفون الكاتب معرفة شخصية، لم يعتبروا ما كتبه عيسى الماغوط عن هذا الفقر الأسود تشهيراً، ولا ثأراً مبيناً، لأنهم يدركون معنى قول الحقيقة المعاشة وأهميته في إضاءة شخصية الماغوط، لقد صور عيسى الماغوط محمد الماغوط الإنسان الذي يصر البعض أن يجعله “تابو..” ليركبوا كالعلق على تجربته وشهرة وجاذبية اسمه.. وللأسف هذا التأليه والأسطرة والمبالغات العاطفية هي ديدن الثقافات الشفاهية، وديدن الأيديولوجيا والعصبيات الضيقة.. ليس إلا.
إن محمد الماغوط بلاشك شاعر كبير.. لكن الحق أحق أن يتبع فنيا وذوقيا ومعرفيا. وقد أصر بعض عبدة الأوثان على أن العبقري يجب أن يظل بعيداً عن النقد، ولا يعرفون قد يكون هذا الجانب سر عبقريته… ولا تتغير وجهة نظرهم التالفة بأن يتحدث شقيقه عنه بعيدا عن الخطاب النقدي الشخصي ولكنه لأنه الأقرب لحياة الماغوط الشخصية ويستطيع إلى حد كبير، وأكثر من غيره ،تحليل جمل الماغوط وتفكيك شخصياته وأبطالها في المسرح، إلى عناصرها الأولية ومدلولاتها من تجربة الماغوط الحياتية والشخصية.
كيف نُفْهم هولاء الناس أن الأمر يتعلق بالكلام عن الأصالة وتحليل أزمات الكتاب ومواقفهم وهناك ناس ترفض وبدون أن تسمع أو تقرأ. إن ما نشرته هذه الصحفية يدل عن بعدها كل البعد عن فهم ما يجري. وهي بسلوكها هذا، على أقل تقدير، تمثل المستنقع الفكري الضحل الذي تعيش فيه، إذا ما اعتقدت أن الشتم والطعن والقذف وتأويل سوء النوايا سيجعلها كاتبة تقرأ. كان يمكن التعليق على الكتاب، أو ما رأت فيه من مآخذ حسب وجهة نظرها، بسمو وترفع وشيء من النبل في فهم المقاصد التي يتسم بها الفكر الأدبي الحقيقي.. لا الزائف طبعا.
زيزي شوشه يا أما هبله يا مدفوعة من جهات تخدم أجندات لتخريب الذوق والفهم العام لدى القارئ العربي
و المسؤلية في هذه الحالة تقع على عاتق جهة النشر موقع صيف 22 التي على مايبدو هو من يقف وراءها
وللعلم هذا الموقع ممول قطريًا وعمره يزيد عن عشر سنوات ولم يشكل لغاية الان اي حالة فارقة او معرفيه تخدم الرأي الأخر المناهض للدول 22 التي يدعي تمثيلها