الرأي العام

تفاصيل سورية | عشوائيات دمشق، وذاك الخليط السوري العجيب!

غسان المفلح

حي الزاهرة القديم الذي هو امتداد حديث لحي الميدان الدمشقي، في أطراف هذا الحي الشرقية تقريباً قضيت طفولتي ومراهقتي، حيث كانت عبارة عن عدة حارات. بدأ البناء فيها، منذ بداية الخمسينيات. هذه الحارات كانت تُسمى حارة الشّوام، أو حارة المغاربة، باعتبار أن هؤلاء الشوام أنفسهم يعرفون بالشوام المغاربة، لماذا ؟ في الحقيقة، حتى اللحظة لا أعرف الجواب. في ما بعد صار اسمها حي التضامن مع انتشار البناء العشوائي.

كانت بساتين الغوطة تحيط بحارتنا. حي التضامن هذا كان خليطاً عجيباً من أنحاء سورية كافة، لا تىوجد ملّة، أو طائفة، أو إثنية سورية لا تسكن فيه، ما عدا الأقلية المسيحية السورية التي انتشرت في أحياء الدويلعة، وغيرها من الأحياء التي أحاطت بمدينة جرمانا، من جهة الجنوب، وحي باب شرقي من جهة الشمال تقريباً، حي باب شرقي المتصل مع حي باب توما، وهي أحياء غالبيتها مسيحية. جرمانا التي يقطنها أغلبية درزية، وأقلية مسيحية، جرمانا من قرى الغوطة الشرقية. مفارقة طريفة أيضاً أن الحي المحيط، من جهة الشرق لما يُعرف بمشفى المجتهد، يقطنه دروز، ومسيحية، وسنة منذ القدم. إضافة لحي الميدان العريق أستطيع أن أقول هذا هو المحيط الأبعد والأقرب لحي التضامن الذي يتجاور، ويتداخل أيضاً مع مخيم فلسطين أو اليرموك.

غالبية سكانه كانوا فلسطينيين تهجّروا بفضل قيام إسرائيل. هذا المخيم الذي تم تدميره تقريباً، من قبل قوات الأسد الفاشية، بعد الثورة السورية 2011. كان لي أصدقاء طفولة ومراهقة، من غالبية هذه الأحياء التي ذكرت. إنها أحياء يعرفها بعضنا، إنها أحياء خارج سور دمشق القديمة، أو ما يُسمى بعضها بالعشوائيات، أو التوسع المعماري لدمشق كونها العاصمة. هذا التوسع بغالبيته كان غير منظم قانونياً، أي إنه ملكية زراعية، بدون القدرة على الحصول على ملكية عقارية، أو طابو أخضر كما تعرف؛ لأنها لم تكن مخططة من قبل الدولة السورية، بوصفها منطقة منظمة للسكن. بين الملكية الزراعية هذه، وبين ملكية الطابو الأخضر، حدثت إشكاليات لا تنتهي، ولاتزال حتى اللحظة في عمليات البيع والشراء، وعمليات التوريث وغيرها. أحاول رسم خريطة لدمشقي كما عرفتها.
دمشق، وما يغلفها من أبنية عشوائية، وأحياء نمت بسرعة سيطرة العسكر البعثي والأسدي لاحقاً على هذه الدمشق. محيط دمشق، ما عدا مساكن برزة، وحي المزة المحدث النعمة، جلّها عشوائيات، وأحياء أخرى بنتها لاحقاً ميليشيات الأسد، كسرايا الدفاع، والحرس الجمهوري، وسرايا الصراع وغيرها. كل قوة من هذه بنت لعناصرها، أو تركتهم يبنون في أرض ميري، كما يقال سابقاً، أو أرض ملكيتها تعود للدولة السورية، إضافة إلى أن هذه الأحياء العشوائية كانت الخدمات فيها مجانية، من صرف صحي إلى شبكتَي المياه والكهرباء، بوصفها سرقة موصوفة، بغطاء من النظام الأسدي، والطرق الضيقة. في النهاية باتت هذه الأحياء بالذات، تحت تصرف كبار السماسرة من ضباط هذه الميليشيات. عن دمشق هذه سأكتب بشكل رئيسي. أما دمشق القديمة، والمنظمة هنالك كُثر كتبوا عنها وتستحق، لكني لم أسكن فيها.
ملاحظة: هذه العشوائيات نفسها طُرح على حافظ أسد أن يتم تحضيرها، سواء من قبل الأمم المتحدة في حي الدويلعة ومحيطه، التحضر وفقاً لمفهوم الأمم المتحدة، أو من قبل رجال أعمال عرب، وغيرهم كاستثمار طويل المدى، بحيث تصير أحياء منظمة وجميلة بسكانها أنفسهم!! وهنا ما كان لحافظ أسد أن يقبل، حفاظاً على استمرار بقاء سكان تلك المناطق، وعسكره بالفقر العشوائي!
وإلى زاوية قادمة…

زر الذهاب إلى الأعلى