تفاصيل سورية 31 | قصتي مع القضية الكردية
يكتبها: غسان المفلح
كيف تطور موقفي من القضية الكردية؟
إنه السجن، إنهم شباب عامودا اليافعين الرائعين. رشاد عبد القادر الذي صار اسماً لامعا الآن. وإصلاح عبد الفتاح، وكسرى الكردي الذي صار أيضاً موسيقياً جميلاً، والمرحوم النقي دهام عبد القادر. لأن هؤلاء كانوا الأصغر عمراً، وبقية شباب عامودا ومناطق عديدة كالقامشلي والدرباسية وغيرهما.
المحطة الأولى
أسماء كثيرة المرحوم حسن كامل وعمر رسول وإبراهيم زورو وحبيب إبراهيم وفواز الحسن وجوان يوسف وغيرهم من الأسماء الجميلة والتي تحضر بشغب كعبد الرحمن سليمان، او بعربية متلعثمة كالصديق إبراهيم زورو، وأناقة سراج كلش وغيرهم أيضا. تفاجأت بهذا العدد من الأسماء الكردية التي لونت تجربتنا بكثير من التفاعل والأسئلة والموسيقا. لنتصور الآن السجن والسجان الأسدي. كيف يجعل عائلاتهم تقطع أكثر من ألف كلم من أجل زيارة أبنائهم لمدة عشرة دقائق في معتقل صيدنايا. ليحضروا لنا الكليجة والسيرك والبرغل بالشعرية وغيرها من مواد تموينية وألبسة. تفاجأت بوجود يافعين في هذا العمر داخل تنظيم حزب سري وملاحق بشدة من قبل السجان الأسدي العام كحزب العمل الشيوعي. وأنا الذي قبل اعتقالي بفترة وجيزة، كنت أرفض حتى انخراط طلاب الجامعات في عمل تنظيمي خلوي. وكان رأيي أن يبقى طلاب الجامعة بعلاقة خيطية ريثما يتخرجوا، خاصة أن أغلبهم أبناء طبقة فقيرة! ما بالكم بطلاب المرحلة الثانوية.
باستثناء المرحوم دهام عبد القادر لم يكن البقية قد تجاوز الثمانية عشر عاما. والمفاجأة الأخرى في الحقيقة اهتماماتهم الثقافية والذخيرة التي لديهم كانت أكبر من أعمارهم. التقينا في صيدنايا في جناح ألف، طابق أول، مع بعض رفاق الحزب القدامى في الاعتقال. لم تمضِ أيام على لقائنا حتى أصبنا جميعا، نحن الوافدين الجدد بمرض الجرب، الذي حملنا جرثومته من فرع فلسطين وفرع التحقيق في المخابرات العسكرية إلى سجن صيدنايا. الجرب طبعا يحتاج ربما لكتابة مطولة عنه.
بعد فترة قصيرة جدا صدر فرمان من الأسد بعزلنا ومنع الزيارات العائلية عنا لمدة سنتين. نقلنا على إثرها لجناح خاص ج2يسار. هنالك كان الرفاق القدامى قد أرسلوا معنا مجموعة كتب. منها كتابين لمهدي عامل. بدأت مع الشباب الأربعة حلقة يومية نقرأ ونناقش كتاب مهدي عامل (مقدمات نظرية لدراسة أثر الفكر الاشتراكي في حركة التحرر) كما أذكر. كان شغفهم للثقافة حاضرا وبقوة. هذه الحلقة كان لها تأثيرها علي أيضا. في مناسبات عديدة بدأ الشباب يطرحون نقاش القضية الكردية. أيضا قبيل اعتقالي بفترة قصيرة كنت قد قدمت دراسة نشرت في مجلة (البروليتاري) المجلة الداخلية للحزب. ناقشت فيها موقف الحزب من القضية الكردية. ملخصها يجب أن نكون في الساحة الكردية نشيطين كحزب، ونعرف ما الذي يريده أهلنا الكرد في مناطقهم: حق تقرير المصير في بناء له طابع دولة مستقلة أم حق تقرير المصير في سورية ديمقراطية؟
لم يكن الأمر المهم فقط في هذه الحوارات عن القضية الكردية الاستناد إلى معرفة الواحد منا الأيديولوجية، بل الأهم رؤيتي لإحساسهم بقضية شعبهم. الشعب الكردي في سورية الذي كان محروما من أبسط حقوقه. حيث يتعرض لاضطهاد مزدوج أسدي بوصفه جزء من الشعب السوري. واضطهاد قومي باعتباره شعب له لغته التي لا يتعلم بها ولا يستطع التحدث بها في المدارس. عداك عن بقية حقوق الشعوب القومية. حيث أنا أيضا بدأت أسال وأحاول أن أعرف أكثر عن القضية الكردية في سورية. كان الفضل لهؤلاء الصبية. ومن معهم من الشباب.
المحطة الثانية
كانت مع اعتقال الأصدقاء المرحوم كاميران خليل الذي توفي قهرا في الجزائر بعيدا عن وطنه وأهله، وبهزاد دياب وإدريس عمر. التهمة كانت أنهم استقالوا من حزب البي كي كي آنذاك. وما تبع ذلك من لغط فاعتقلهم الأسد. عشت معهم في المهجع الأول جناح ج2يسار. أيضا من خلالهم تعرفت على جانب مهم من القضية الكردية السورية بتفاصيل لم أكن أعرفها رغم اهتمامي بكل تفاصيل القضية الكردية. الجانب الذي يتعلق بمحاولة سيطرة حزب البي كي كي على الساحة الكردية السورية، وتجنيد شبابها للقتال في تركيا، لأنه حزب يساري كردي- تركي. كان الأصدقاء الثلاثة على دراية جيدة ومتابعة لتفاصيل قضيتهم وانشغالهم بها. حتى الآن بهزاد ناشط سياسي معروف ومقيم في سويسرا. أما إدريس عمر فقد صار باحثا في قضايا الكرد والإرهاب، وله كتابا في هذا العنوان، كنت قد كتبت عنه مادة.
المحطة الثالثة
كانت مع استقبالنا لمجموعة* حزب يكيتي الكردي السوري بقيادة الأستاذ فؤاد عليكو آنذاك. تم اعتقالهم على خلفية الطروحات الجديدة للحزب من جهة وانخراطه أكثر مع الهم السوري عامة. هؤلاء الشباب وتجربتهم زادتني اهتماما وغنى أيضا. كانت الحوارات معهم أيضا غنية ومثمرة بالنسبة لي، عدا عن نوع من الصداقة التي تتشكل داخل السجون. أكثر النقاشات كانت غالبا تتم مع الأصدقاء نواف وطاهر وعبد الصمد، أما بشير فكان” دراكي حودله” معناها محراك الشر بالعربي. يحب النكتة ودمث لكنه يحب الفتنة من اجل الابتسام. يجب أن نمضي وقتنا في هذا السجن الذي يأكل عمرنا ببطء قاهر.
في الحقيقة خلصت من هذه التجربة بمعادلة بسيطة: ضع مكانك محل الكردي، لا تستطيع التكلم بلغتك وليس لديك أية حقوق بحدها الأدنى. حق تقرير المصير للشعوب مطلق وتطبيقه في كل دولة نسبي.
هذا جانب من تجربتي في السجن الأسدي.
_______________________________________
* هذه المعلومات نقلتها من الصديق نواف رشيد.
١-عباس عبد اللطيف سليماني ٢٩/١١/١٩٩٥
٢- نواف حسن رشيد في ٦/١٢/١٩٩٥
٣- عبد الصمد نايف خلف ٦/١٢/١٩٩٥
٤- فارس حسن خليل ٦/١٢/١٩٩٥
٥- طاهر محمود حصاف ١٥/١٢/١٩٩٥
٦- إبراهيم بهاء الدين سيد عيسى ١٧/١٢/١٩٩٥
٧- نمر محمد في اوائل شهر السابع من عام ١٩٩٦
طبعا تاريخ اعتقال كل من طاهر وابراهيم ونمر قد يزيد يوم أو يومين أو أقل بنفس القدر من التاريخ الذي حددته لكم.